بات النشاط الإنساني للمنظمات الدولية في
اليمن مثارا للشكوك والشبهات، برز ذلك جليا في تصريحات لافتة لمسؤولين في الحكومة الشرعية والتحالف الداعم لها، وهو ما يثير التساؤلات إزاء ذلك.
يأتي هذا في ظل تحذيرات من تحول الملف الإنساني المتدهور لورقة "ابتزاز سياسي" بيد الحوثيين وحلفائهم؛ لتحقيق مكاسب سياسية، من خلال استجلاب الضغط الذي قد يمارسه المجتمع الدولي على الطرف الآخر من هذه البوابة، وفقا لمراقبين.
غض الطرف
السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، وجه انتقادات شديدة للمنظمات العاملة في
حقوق الإنسان، وقال إن تلك المنظمات تغض الطرف عن جرائم المتمردين الحوثيين وحلفائهم، التي يتم ارتكابها بحق اليمنيين في محافظات عدة، لا سيما في مدينة تعز جنوبي البلاد.
وأضاف في لقاء تلفزيوني مع فضائية "الجزيرة" القطرية، أمس الأول، أن هذه المنظمات لا تنقل الصورة الحقيقية، بل تستقي معلوماتها من منظمات محلية معروفة بولائها للحوثي وصالح، ليتم عقب ذلك اتهام التحالف بكثير من الانتهاكات.
تمويل كتب طائفية
من جهته، اتهم السفير اليمني لدى واشنطن، أحمد عوض بن مبارك، منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" بتمويل طباعة كتب مدرسية طائفية لصالح الحوثيين.
وأضاف بن مبارك في تصريحات صحافية قبل أيام، أن "يونيسف" قامت باستقطاع "نسب من أموال المساعدات الإنسانية المقدمة لليمن" كنفقات إدارية ومرتبات وأجور لموظفيها. مشيرا إلى أن "مكاتب الأمم المتحدة تعمل في صنعاء بطواقم موظفين منحازين للحوثيين، أو مكرهين على العمل لصالحهم.
من جانب آخر، صعّد الوضع الإنساني المتدهور من بيانات التحذير والقلق الصادرة عن المنظمات التابعة للأمم المتحدة، التي أبدت خشيتها من خطورته، بل دخل في أحيان أخرى ضمن أجندة بعض الدول الكبرى، وكان لافتا تحذير الخارجية الروسية في بيان لها، في وقت سابق من الشهر الجاري، من هذا الوضع الذي يكاد يتحول إلى كارثة كبرى.
لكن البيان الروسي لم يخلُ من صبغه سياسية؛ إذ أبدى قلق "موسكو" من خطة تحضر لها الحكومة الشرعية والتحالف العربي الذي تقوده
السعودية للسيطرة على مدينة ميناء الحديدة الاستراتيجي، بعد بلوغ المعارك المناطق المتاخمة لها من جهة مدينة المخا على ساحل البحر الأحمر.
ورقة ابتزاز
وفي هذا السياق، يرى السفير اليمني، عبد الوهاب العمراني، أن ما يفاقم الوضع الإنساني أكثر هو تحوله إلى روقة سياسة رابحة لطرفي الانقلاب في الآونة الأخيرة بطريقة مفضوحة؛ لابتزاز مكاسب سياسية في أي تفاوض مفترض، لا سيما أن تدهور أوضاع اليمنيين غير مسبوق.
وأضاف في حديث خاص لـ"عربي21" أن مسوغات ما يسمى "المجتمع الدولي" في تماهيه مع طرفي الانقلاب للضغط على الحكومة الشرعية من بوابة الملف الإنساني، باتت "مسارا مفضوحا للابتزاز السياسي".
وعبر الدبلوماسي اليمني عن استغرابه من "تباكي المجتمع الدولي على تدهور الوضع الإنساني من جهة، وتماهيه السياسي مع طرفي الانقلاب من جهة أخرى، مستدلا بـ"حالة التناقض التي تطرأ بين الفينة والأخرى في مواقفه؛ فتارة يدعو لممارسة الضغوط على الانقلابيين للقبول بالمرجعيات الثلاث للحل السياسي، وتارة أخرى يقف على النقيض من ذلك.
إغفال جوانب مأساوية
بدوره، قال الصحافي والناشط الحقوقي، محمد الأحمدي، إن الأمم المتحدة تصعّد الحديث عن الجوانب الإنسانية عند كل مكاسب ميدانية يحققها الجيش الوطني على الأرض ضد تحالف الحوثي وصالح.
وأوضح في حديث خاص لـ"عربي21" أنه في الوقت الذي تتحدث المنظمات الدولية عن تدهور الأوضاع الإنسانية في البلاد، تغفل جوانب أخرى أكثر مأساوية، أهمها "الوفيات تحت التعذيب في زنازين الحوثي"، وهي واحدة من أبرز الجرائم ضد الإنسانية التي تغيب من أجندة الإعلام التابع لها.
ووفقا للأحمدي، فإن هذا المسار يشير إلى أن استخدام الملف الإنساني أصبح مجرد يافطة لمحاولة تمرير مشاريع سياسية تكافئ الانقلاب وتطبيعه في اليمن، فضلا عن سحب الشرعية عن الحكومة والتحالف.
وتشير التقديرات إلى أن القتال الجاري منذ أواخر آذار/ مارس 2015، أسفر عن مقتل نحو 10 آلاف شخص وإصابة 400 ألف آخرين، فيما بات 19 مليون مواطن بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية، بينهم 7 ملايين يعانون من نقص التغذية، فضلا عن تشريد نحو مليوني شخص.