نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا؛ سلطت من خلاله الضوء على المناورة التي قادها كل من
المخابرات الفرنسية والموساد
الإسرائيلي؛ بغية استنطاق مهندس سوري للبوح بأسرار السلاح الكيميائي الذي بحوزة نظام بشار الأسد.
وتقول الصحيفة إن هذه الأجهزة الاستخباراتية أطلقت عملية سرية منظمة للكشف عما يخفيه النظام السوري، حيث أطلق على هذه العملية اسم "راتافيا".
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن المخابرات الفرنسية وضعت يدها في يد الموساد للكشف عن خفايا السلاح الكيميائي السوري، وقد نجحت هذه الأجهزة في جمع معلومات قيمة عن الموضوع قبل الثورة السورية وبعدها. ولكي تنجح في ذلك، عملت هذه الأجهزة طويلا على البحث عن مصدر معلومات سوري مطلع على ترسانة النظام من الأسلحة الكيميائية.
وذكرت الصحيفة أنه وفقا لمعلومات مسربة بتاريخ سنة 2010، أعلم الموساد كلا من الإدارة العامة للأمن الخارجي والإدارة المركزية للاستخبارات الداخلية في
فرنسا؛ أن عملية تصنيع
سوريا للأسلحة الكيميائية قد انطلقت منذ سنتين قبل ذلك التاريخ. وأشارت المعلومات أيضا إلى أن المشروع أقيم في دمشق، تحت إشراف مهندس سوري مختص في تطوير وتخزين وإنتاج السلاح الكيميائي، وتصنيع صواريخ قادرة على حمله.
وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل جعلت سوريا منذ مدة طويلة على قائمة أولوياتها، حيث سعت إلى تكثيف الرقابة عليها. في المقابل، اعتبر برنامج سوريا الكيميائي، الذي كان يشغل قرابة 10 آلاف شخص، على رأس أولويات الموساد الإسرائيلي.
وأكدت الصحيفة أن هدف الموساد لم يكن تصفية المشرفين على برنامج السلاح الكيميائي في سوريا، بل التغلغل داخل تفاصيل هذا البرنامج والحصول على أية معلومة تتعلق بهذا السلاح، فضلا عن التأكد من إمكانية وجود تعاون مع كل من إيران وحزب الله وروسيا وكوريا الشمالية، والتقصي عن شبكات تصدير هذا السلاح.
وقالت الصحيفة إن الموساد نجح في استهداف أحد المشرفين على هذا البرنامج حيث استطاع إقناعه، عن طريق وسيط مقيم في دمشق، بالسفر خارج سوريا بغية إتاحة الفرصة لعملاء الموساد للتقرب منه. وقد درس الموساد كل جوانب شخصية المهندس السوري، حيث تأكد بأنه مقرب من ابنة مسؤول رفيع في النظام.
كما بحث الموساد في الجانب النفسي للمهندس، حيث تبين أنه طموح ورومانسي إلى حد كبير. بعد ذلك، أمر الموساد عميله في دمشق، الذي يلتقي بالمهندس السوري، بإقناعه بأن له مستقبلا مشرقا خارج البلاد، وأن بإمكانه أن يحقق نجاحا كبيرا يعود بالنفع عليه وعلى بلاده. فوافق المهندس، وشد الرحال إلى فرنسا.
في المقابل، لم تكن طريقة إخراج المهندس من سوريا بالأمر الهين كما اعتقد كل من الموساد والمخابرات الفرنسية. ويعود ذلك إلى أن جواز سفره تحت قبضة النظام السوري، كما أنه يتوجب عليه الحصول على موافقة المسؤولين عن حمايته، الذين عينهم النظام في حال قرر السفر نحو فرنسا. ومن هنا يأتي دور أجهزة المخابرات الفرنسية، التي سرعت من إجراءات حصول المهندس على التأشيرة، وفتحت أمامه كل الأبواب للسفر إلى فرنسا دون أن يشعر بشيء.
وتجدر الإشارة إلى أن عملية إخراج المهندس من سوريا دامت لسنوات طويلة، حتى إن كلا من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ودائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية تدخلتا لمساعدة الموساد الإسرائيلي والمخابرات الفرنسية.
وذكرت الصحيفة أنه لحظة وصول المهندس إلى باريس، اقتاده شخص نحو غرفته في فندق بالمنطقة 13 في العاصمة الفرنسية. بعد ذلك، تأكد الموساد من عدم تتبع عملاء سوريين للمهندس تحت إشراف سفارة دمشق في باريس، وبذلك تحول الرجل إلى هدف "جاهز".
وأضافت الصحيفة أن الموساد أرسل شخصا يحمل اسما إيطاليا، قدم نفسه على أنه رجل أعمال، ليصبح صديقا مقربا من المهندس السوري، حيث قدم له النصح والإرشاد وعرفه على رجال أعمال آخرين مستعدين للوقوف إلى جانبه. وقد كانت نسبة كبيرة من رجال الأعمال هؤلاء عملاء للموساد.
في المقابل، استطاعت الإدارة العامة للأمن الداخلي الفرنسي وضع المهندس تحت الرقابة الكلية، حيث زرعت أجهزة تنصت وأجهزة وميكروفونات في غرفته بالفندق، وفي السيارات التي يستخدمها، وداخل أجهزة الكمبيوتر الخاصة به. ومن جهته، أكد الموساد لشركائه الفرنسيين أن هذا المهندس السوري لا يحمل صفة "الخائن"، ولن يدلي بمعلومات عن برنامج بلاده الكيميائي بسهولة.
ونوهت الصحيفة إلى أن المهندس اعتاد على تلقي مبالغ مالية نقدا وهدايا من رجال الأعمال الذين تعرف عليهم. بعد فترة قصيرة، وقع هذا المهندس في الفخ، وأصبح يدلي شيئا فشيئا بمعلومات تخص برنامج النظام السوري الكيميائي، معتقدا بأنه لا زال يحافظ على إخلاصه للنظام السوري.
وقالت الصحيفة إن الموساد قدم كل ما لديه من معلومات عن البرنامج الكيميائي إلى الأمريكيين، ما من شأنه أن يعزز تدخل واشنطن في الشرق الأوسط. وبسبب هذه المعلومات، أعلن جورج بوش خلال سنة 2005، المركز السوري للدراسات والبحوث العلمية مركزا خطيرا. أما خلال سنة 2012، فقد اعتبر باراك أوباما أن كل محاولات النظام السوري لاستعمال أو تمرير أسلحة كيميائية اجتياز "للخطوط الحمراء".
وبينت الصحيفة أن جل ما حدث لم يثن النظام السوري عن استعمال السلاح الكيميائي ضد شعبه خلال شهر آب/ أغسطس سنة 2013.
وقد أخفت صحيفة "لوموند" بعض الجوانب في عملية "راتافيا"، حفاظا على سلامة العميل الذي لا زال تحت خدمة المخابرات الفرنسية.