نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للصحفي والكاتب الأمريكي، وخبير شؤون النفط والخليج، سايمون هندرسون، حول زيارة نائب ولي العهد السعودي الأمير
محمد بن سلمان مؤخرا إلى واشنطن، ومحاولة إعادة العلاقات
السعودية الأمريكية إلى سابق عهدها.
ويقول هندرسون في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إن "الإعلام الأمريكي لم يتحدث كثيرا عن الزيارة التي تمت الأسبوع الماضي، ولم يتأثر الإعلام بالقصة التي وردت في البيان الرسمي، الذي زعم أن الأمير أخبر الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب بأن المخابرات السعودية (تؤكد وجود مؤامرة ضد أمريكا تحاك في البلدان الستة التي منع رعاياها من دخول أمريكا)، بالإضافة إلى أنه لم يحركه انفعال سعودي غير معروف يسمي نفسه (مستشارا كبيرا)، امتدح في بيان له البيت الأبيض لاستقبال الأمير، وإقامة مأدبة على شرفه وصفها بأنها (نجاح كبير)، و (منعطف تاريخي) و (تحول كبير في العلاقات)، ومضى البيان ليمتدح (فهم الرئيس ترامب الجيد لأهمية العلاقات)، و (رؤيته الواضحة للمشكلات في المنطقة)".
ويستدرك الكاتب بأن "نقل الإعلام العربي لهذا لم يكن صدفة، فقد هدف الجانب السعودي إلى استخدام الزيارة فرصة لإعادة العلاقات مع أمريكا بعد سنوات أوباما، بالإضافة إلى تعريف الرئيس والإدارة الأمريكية بالملك القادم للسعودية".
ويعلق هندرسون قائلا: "أما مهمة إعادة العلاقات فإنها نجحت، لكن الحكم على استفادة الأمير محمد بن سلمان الشخصية من هذه الزيارة فيجب أن يؤجل، فلسوء حظ الأمير محمد بن سلمان، البالغ من العمر 31 عاما، أن له ابن عم أكبر منه سنا هو
محمد بن نايف، وهو ولي العهد الذي لن يسمح لمحمد بن سلمان بأن يتجاوزه، وعلى إدارة ترامب أن تتعامل مع كليهما على أنهما زعيمان محتملان للسعودية".
ويشير الكاتب إلى أن "التنافس بين الرجلين لم يعد مجرد خيال في ذهن الأجانب، حيث نشر مدون سعودي مجهول، يستخدم اسم (مجتهد) على (تويتر) تغريدة، قال فيها إن المحمدين يحاولان عدم الاشتباك أمام الناس، لكن كليهما يحاولان الحصول على رضا العائلة المالكة وأمريكا".
ويقول هندرسون: "على مستوى تحقيق الأهداف، فقد يكون محمد بن نايف هو من حظي بالضحكة الأخيرة، فبالرغم من حرس الشرف والصور، إلا أن محمد بن سلمان غادر أمريكا على عجل في الساعة الثانية والنصف ليلا في اليوم التالي لمقابلته لوزير الدفاع جيمس ماتيس، ورئيس مجلس الأركان جوزيف دانفورد، فما الذي حصل؟ لقد قطع الملك سلمان رحلته الآسيوية، التي كان ينوي أن تستمر شهرا، وعاد إلى السعودية، وكان على الأمير العودة لاستقبال أبيه".
ويستدرك الكاتب بأن "القصر يقول إن إلغاء الملك للإجازة في جزر المالديف كان بسبب انتشار مرض إنفلونزا الخنازير، وكانت صحيفة (فايننشال تايمز) نشرت تقريرا، تقول فيه إن السياسيين المعارضين يحتجون بسبب ترتيبات تتم للتنازل عن عدد من الجزر للأمير محمد بن سلمان، وبالرغم من الكلام عن إعادة العلاقات كما كانت مع أمريكا، إلا أن ذلك غير واضح في الصور والفيديو، حيث يظهر ترامب برودا تجاه الأمير، وربما كان الرئيس الأمريكي متضايقا؛ لأن الأمير السعودي الشاب لم يظهر احتراما واضحا".
ويجد هندرسون أنه "في المحصلة ما سيهم حقا هو الخلافات السياسية وليست الشخصية، فالجميع في القيادة السعودية يشاركون إدارة ترامب الرأي حول مدى خطورة إيران في المنطقة، لكن هناك فجوة في وجهة النظر تجاه الحرب في اليمن، وما هي أفضل طريقة لخروج المملكة منها، ولم يحقق السعوديون تقدما حقيقيا في حربهم ضد الحوثيين، الذين تدعمهم إيران، وقد تكون البيروقراطية في واشنطن نادمة على الدعم الكبير للحرب، وكان ذلك تنازلا سياسيا للرياض لإرضائها بعد توقيع الاتفاقية النووية مع إيران".
ويبين الكاتب أنه "لتأكيد هذه المشكلة، فإنه في الوقت الذي كان فيه الأمير محمد بن سلمان عائدا من واشنطن، قامت طائرة هيلوكبتر من التحالف الذي تقوده السعودية بفتح النار على قارب صوماليين فارين من الحرب الأهلية اليمنية، حيث وصل عدد القتلى إلى 42، لكن من وجهة نظر واشنطن، فإن أسوأ ما في هذا الخبر هو أن الطائرة التي فتحت النار هي طائرة أباتشي أمريكية الصنع، وهذا يعني أنها إما طائرة سعودية أو إماراتية، لكن الإمارات أصدرت بيانا تنفي فيه أي علاقة لها بالحادث، وكانت أمريكا في مأزق قبل هذا الحادث، فيما إن كانت ستستمر في إمداد الطيران السعودي بالقنابل بعد تعليقها العام الماضي بسبب مخاوف من إصابة المدنيين، وستعقد صور القتلى والجرحى من المهاجرين هذه السياسة".
ويرى هندرسون أنه "في الوقت الذي بقيت فيه اليمن شوكة في خاصرة العلاقات الأمريكية السعودية، فإن هناك قواسم مشتركة بين الدولتين فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية، وقال البيان السعودي إن تغييرات ترامب للسياسة الأمريكية تتزامن مع (التغيرات في السعودية بناء على رؤية 2030)، التي تعد بمليون وظيفة مباشرة في أمريكا على مدى الأربع سنوات القادمة وملايين الوظائف الأمريكية غير المباشرة، بالإضافة إلى وظائف في السعودية، بحسب خطة محمد بن سلمان لتحقيق تحول اقتصادي في المملكة، أما بيان البيت الأبيض فتحدث عن توسيع التعاون الاقتصادي الذي قد يولد صفقات (قيمتها المحتملة أكثر من 200 مليار على شكل استثمارات مباشرة وغير مباشرة خلال الأربع سنوات القادمة)".
ويستدرك الكاتب بأن "هذه الأرقام قد تكون متحفظة، فالحديث المتداول في الأسواق المالية، يقول بأن المملكة تلوح باستثمار تريليون دولار في أمريكا على مدى العقد القادم".
ويقول هندرسون إن "مثل هذه الصفقة قد تكون مغرية بالنسبة لترامب، إلا أن لها ثمنا، فكما قال وزير النفط السعودي خالد الفالح لصحيفة (وول ستريت جورنال)، فإن قانون العدالة ضد ممولي الإرهاب لعام 2016 (تسبب بتوتر العلاقات بين السعودية وأمريكا، وقد يؤدي إلى تجميد السعودية استثماراتها في أمريكا)، كما أشار الفالح إلى أن القانون سيؤثر في قرار السعودية في طرح أسهم أرامكو التي تملكها الحكومة، والمتوقع عام 2018، حيث سيكون أكبر طرح للأسهم في التاريخ".
ويورد الكاتب أن "القانون الذي عرف باسم (جاستا) جاء بسبب أن عددا كبيرا من السعوديين شاركوا في هجمات 11/ 9، ويسمح لضحايا الإرهاب برفع قضايا في الحكومات الفيدرالية ضد السعودية، التي تحميها الحصانة السيادية، وكان ترامب مؤيدا كبيرا للقانون، أما السعوديون فيريدون على الأقل تحييد القانون، لكنهم عملوا على القضية دون جدوى، بالرغم من القيام بحملة ضغط كلفت ملايين الدولارات".
ويذهب هندرسون إلى أن "هذا يجعل حساب ماذا كسب كل جانب من اجتماع واشنطن أكثر تعقيدا، فمن الواضح أن هناك اتفاقا على العمل سويا، لكن اليمن مشكلة مباشرة؛ لأنها تحرف النقاش حول كيفية التعامل مع الخطر الأوسع الذي تشكله إيران وتنظيم الدولة وتنظيم القاعدة وغيرها من المجموعات الإرهابية، وفي الوقت ذاته يبدو أن تصالحا علنيا بين كل من السعودية والإمارات مع إسرائيل يبدو أمرا بعيد المنال، ولام البيان السعودي إيران لعرقلة التوصل إلى (حل للقضية الفلسطينية) مع تجنب ذكر إسرائيل".
وينوه الكاتب إلى أن "مستشاري ترامب سيضطرون للتعامل مع هذه الصعوبات، وكان المسؤول الاستراتيجي الأول ستيف بانون، وكبير المستشارين جارد كوشنر، موجودين في اجتماعي المكتب البيضاوي والبنتاغون وغداء البيت الأبيض، لكن محامي ترامب ومستشاره للشؤون الإسرائيلية كان غائبا، حيث كان في القدس ورام الله يتحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس".
ويخلص هندرسون إلى القول إن "الملك سلمان أنهى جولته الآسيوية الأسبوع الماضي بزيارة إلى الصين مع ممثلين عن قطاع الأعمال، حيث وقع صفقات قيمتها 65 مليار دولار، وفي تاريخ 19 آذار/ مارس، كان الزعيم الثاني الذي يزور الصين هو بنيامين نتنياهو، وهو ما يشير إلى أن التجارة أقوى من السياسة في العلاقات، وأن القواسم بين إسرائيل والسعودية أكبر مما يحب آل سعود أن يعترفوا به.. فهل هناك صفقة أكبر في الانتظار؟".