عشية الذكرى السادس للثورة السورية، نشرت صحيفة "البايس" الإسبانية تقريرا، قدمت ملخصا لرحلة من شمال
سوريا إلى جنوبها، على امتداد الطريق الرابطة بين
دمشق وحلب، بما يصور آثار الصراع الذي أدمى سوريا.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الطريق الرابطة بين دمشق وحلب تشهد تمركز العديد من نقاط التفتيش العسكرية؛ نظرا لأنها تمثل مسرحا لأبرز المواجهات العنيفة بين المعارضة والنظام، خاصة في كل من حمص وحماة وخناصر. وبحلول الذكرى السادسة لاندلاع
الثورة السورية، التي سرعان ما تحولت إلى حرب ضروس، سلكت المبعوثة الخاصة لصحيفة "البايس"، نتاليا سانشا، هذه الطريق الرابطة بين دمشق وحلب، لتنقل مخلفات الصراع السوري.
وأشارت الصحيفة إلى أن واقع الوضع المتردي في سوريا يتجلى من خلال الأنقاض المهجورة التي تهاوت في أرجاء مدينة
حلب، فضلا عن حالة عدم الاستقرار والفوضى التي تخيم على مؤسسات دمشق. في المقابل، يحاول القائمون على مرافق الترفيه في كلتا المدينتين دفع السكان لاسترجاع نمط حياتهم الطبيعي.
وتحدثت الصحيفة عن آثار النزاع السوري ومخلفاته السلبية على الأوضاع في دمشق، التي أصبحت تعاني نقصا حادا في الماء والكهرباء والخبز. وفي ظل هذه الظروف، اضطر سكان دمشق للخروج في رحلة يومية أشبه "بالحج"؛ بحثا عن الماء.
وتجدر الإشارة إلى أنه، وفي خضم هذه الأزمة، ارتفع سعر المياه المعبأة بنسبة 30 في المئة عن السعر الذي حددته الحكومة. علاوة على ذلك، تفاقمت حدة الأزمة منذ أن تم تفجير العديد من خزانات المياه.
وفي هذا الصدد، نقلت الصحيفة عن سائق سيارة أجرة، يدعى ماجد، قوله: "هل فعلا نجحت بعض الجماعات المسلحة في التغلب على الأسد من خلال تفجير قنوات المياه؟ في حقيقة الأمر، لم يتضرر الأسد أو جيش النظام من هذه الخطوة... نحن من بقينا من دون ماء. إن هذا الأمر يعدّ بمثابة عقاب للشعب السوري".
وذكرت الصحيفة أن مقارنة بسيطة لهذه الطريق ذاتها، في الفترة الممتدة بين سنتي 2014 و2017، أظهرت التغير الجذري في مشهد البلاد. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت عملية التنقل في هذه الطريق صعبة للغاية، وتتطلب ضعف الوقت السابق. وفي الأثناء، يعدّ المشهد المؤلم الطاغي على هذه الطريق دليلا واضحا على وحشية الحرب التي شهدتها البلاد وحجم
الدمار فيها.
وأفادت الصحيفة بأن على هذه الطريق أيضا توجد مدينة حمص، التي استعاد النظام السيطرة على غالبية مناطقها. ومن الملفت للنظر أن هذه المدينة الزراعية بامتياز تحولت إلى منطقة قاحلة تضم مجموعة من القرى المدمرة.
وعلى الطريق المؤدية إلى حلب، تمتد محافظة حماة المتمردة، التي لا يزال قسم كبير من أراضيها تحت سيطرة المعارضة السورية. وفي مرحلة متقدمة من هذه الطريق، تقع مدينة خناصر، التي تحولت في خضم هذه الحرب إلى موقع استراتيجي لجميع الأطراف المتورطة في الحرب السورية.
وذكرت الصحيفة أن مدينة خناصر أصبحت منذ سنة 2012، بمثابة الطريق الرئيسية للإمدادات التي تصل إلى حلب. وفي الوقت الراهن، تقبع المدينة تحت سيطرة النظام السوري، علما أنها كانت تمثل أبرز نقطة استراتيجية لاستعادة المنطقة الشرقية في حلب.
وأشارت الصحيفة إلى أن نهاية هذه الطريق توجد فيها مدينة حلب، التي يعاقب سكانها بسبب مقاومتهم ورفضهم مغادرة المدينة. وبمجرد الدخول للمدينة، يتجلى حجم الدمار الهائل الذي خلفته الهجمات المتواصلة والمتتالية. ونظرا لانتشار أنقاض المنازل والبنايات في كل مكان، أصبح من الصعب على السكان التحرك بين أرجاء المدينة والعودة إلى منازلهم بسهولة. وفي الوقت ذاته، لا تزال علامات الصراع الدموي حاضرة بوضوح في مختلف الأحياء التي كانت عرضة لهجمات عنيفة في الفترة الأخيرة.
وبالإضافة إلى ذلك، تعكس العديد من الصور التي تجسد تراث المدينة، والتي أخذت قبل وبعد الحرب، التغييرات الكارثية والجذرية التي وقعت خلال هذا الصراع المحتدم. علاوة على ذلك، اندثرت معالم التاريخ السوري في حلب، بعد أن تآكلت تدريجيا؛ جراء الحرب.
ونقلت الصحيفة معاناة السكان في المدينة؛ حيث أصرت آلاف العائلات على البقاء في النصف الشرقي للمدينة خلال الهجوم عليه. ومن بين تلك الأسر، كانت عائلة فتحية ميرو، التي تمكنت من الصمود والبقاء على قيد الحياة؛ بفضل قبو منزلها.
وفي هذا الإطار، كشف أحد أولاد فتحية ميرو، أن "العائلة بقيت في إحدى المرات داخل القبو لمدة شهرين كاملين. وفي بعض الأحيان كنا نختبئ لمدة 15 يوما متتالية. وفي آخر مرة اضطررنا للتواري عن الأنظار لحوالي شهر ونصف داخل القبو. وإثر دخول جيش النظام إلى المنطقة بيومين، خرجنا إلى النور، بعد تأكدنا من مغادرة الطائرات الحربية".
وذكرت الصحيفة أن بعضا من الذين عادوا إلى حلب يرون أنها قد تحولت إلى مدينة أشباح، حيث لم يبق فيها أي شيء مما تركوه خلفهم عند فرارهم من الموت. وبالإضافة إلى ذلك، أصبحت الأحياء الفقيرة في هذه المدينة أبلغ شاهد على حجم الدمار المرعب الذي شهدته على امتداد فترة الصراع، كما أنها تنبئ بأن إعادة إعمارها سيستغرق وقتا طويلا.
وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أن بعضا من الموسيقى والحياة لا يزال ساريا في أرجاء المدينة، حيث يحاول العديد من الشباب إعادة الحياة إلى حلب، فقد وقفت مجموعة منهم تغني أنغاما تقليدية على أبواب المدينة. فضلا عن ذلك، بدأ الحي المسيحي (العزيزية) يفتح أبواب مطاعمه، كما عادت حركة مرور السيارات شيئا فشيئا إلى هذه المنطقة.