قال الباحث الأمريكي في معهد واشنطن، إريك تراجر، إن سياسة الرئيس
المصري عبدالفتاح
السيسي الخارجية مستمدة من سياسته الداخلية.
وقال في ورقة بحثية له إنه، كما أشار «مايكل حنا» من مؤسسة "ذي سينتشوري فاونديشن"، تبدو توقعات
السياسة الخارجية للسيسي امتدادا لسياسته المحلية.
وأوضح أن "السيسي في الداخل المصري يرى نفسه زعيما يقف بوجه كل من يسعى إلى الفوضى، وأبرزهم «الإخوان المسلمون». ووفقا لوجهة نظر الحكومة المصرية، "أنقذ" السيسي مصر من «الإخوان»، الذين يسعون إلى انهيار الحكومة المصرية وإقامة نظام حكم ديني إسلامي".
وأضاف أنه "في المقابل، يجادل المسؤولون المصريون باستمرار بأن الدولة القوية (ويقصدون القمعية) ضرورية لمنع عودة الإخوان وما قد ينشأ عنها من اضطرابات، وهذا ما أكّده السيسي في الكلمة التي ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2016، حيث لم يعرّف الإرهاب بأنه عنف ترتكبه أطراف غير دولية بحق السكان المدنيين بل بأنه "تهديد لكيان الدولة".
ولفت إلى أنه "تعزيزا لمركز السيسي في بلاده، تعْمَد وسائل الإعلام الموالية للحكومة إلى تسليط الضوء بانتظام على العنف الذي يمارَس في ليبيا واليمن وسوريا كأمثلة عمّا قد يحدث إذا تم السماح للإسلاميين بتحدّي الدولة المصرية".
وتابع: "بحكم تفضيل السيسي القوي للأطراف الحكومية على الأطراف غير الدولية، فقد اختلف بشكل حاد مع حلفائه الخليجيين حول النزاع السوري. فقد مالت دول الخليج إلى رؤية النزاع السوري من منطلق مخاوفها الكبرى من النفوذ الإيراني المتوسع في المنطقة، كما دعمت بشدة الإطاحة بنظام بشار الأسد المدعوم من إيران".
وأشار إلى أن "الحكومة السعودية أيّدت -كما دعم بعض الكويتيين بسخاء- مختلف الجماعات المتمردة الإسلامية السنية، وبعضها مرتبط بتنظيم «القاعدة»، أو يتعاون مع فروع تنظيم «القاعدة»، في حين ساهمت الإمارات بتمويل صندوق متعدد الدول لتسليح الجماعات المتمردة المعتمدة، وتعمل بشكل ناشط على محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا كجزء من قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة".
مع ذلك، بحسب الباحث، "فإن السيسي أقل قلقا بشأن النفوذ الإيراني في المنطقة من قلقه من النتائج التي قد تترتب عن كسب الجماعات الإسلامية السنية اليد العليا. فمن وجهة نظر السيسي، غالبا ما يبدو هؤلاء المتمردون مشابهين للإسلاميين الذين يحاربهم في بلاده، ولم ينفك يبرهن على تفضيله للأسد بصورة متزايدة".
ولفت إلى أنه "في أحد اجتماعات الأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر، أعربت مصر صراحة عن اختلافها مع حلفائها الخليجيين عندما التقى وزير الخارجية المصري نظيره الإيراني على هامش اجتماع الجمعية العامة، ومن ثم صرّح للصحافة بأن "التحالف الذي يقاتل في سوريا ربما يسعى إلى تغيير النظام في البلاد، ولكن هذا ليس موقف مصر".
وبعد ذلك، في تشرين الأول/ أكتوبر، أيدت القاهرة قرارا روسيا صدر عن مجلس الأمن الدولي، بينما عارضته السعودية بشدة. وبعد بضعة أيام، استضافت مصر رئيس المخابرات السورية لإجراء محادثات، وفقا لوكالة الأنباء السورية، انتهت بإبرام اتفاق بشأن "تعزيز التنسيق في الحرب على الإرهاب".
ومنذ ذلك الحين، ساد الجمود العلاقات المصرية السعودية (وما جعل الأمور أكثر سوءا هو تأخير القاهرة في استكمال نقل اثنين من جزر البحر الأحمر، صنافير وتيران، إلى الرياض).
وفي أحيان أخرى، يوضح الباحث تفضيل السيسي للأطراف الحكومية متماشيا مع مسار حلفائه الخليجيين.
وقال إنه "حين استولى المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران على صنعاء في أيلول/ سبتمبر عام 2014، وقفت مصر إلى جانب حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وانضمت إلى التحالف بقيادة السعودية والإمارات، وأرسلت قواتها البحرية لحماية باب المندب في آذار/ مارس عام 2015".
وأضاف أنه "بينما استمر السيسي بدعم هادي على الصعيد السياسي، وشمل ذلك لقاء جمعه به على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر، أصبحت اليمن على نحو متزايد نقطة احتكاك بين القاهرة وحلفائها في الأشهر الأخيرة، وقاوم السيسي مناشدات السعودية بإرسال المزيد من القوات".
وأوضح أن "ذلك يعكس إلى حدّ ما التركة التي خلّفها الانخراط المصري المكلف في اليمن ما بين عامي 1962 و1966، فضلا عن رغبة السيسي في تفادي التورط الأعمق في مستنقع يمني آخر. كما يُعدّ ذلك أحد نتائج انتصارات الحوثيين؛ فلا يزال الحوثيون يسيطرون على غالبية البلاد، بما فيها العاصمة، في حين لا يزال هادي في المنفى، وأدى ذلك إلى تلاشي الاختلاف بين الجهات الحكومية والجهات غير الدولية في اليمن، ما ترك السيسي دون حصان يراهن عليه بقوة".
وبين أن السيسي واجه في البداية معضلة مماثلة في ليبيا؛ حيث تسبب تفكك الدولة بعد الإطاحة بالدكتاتور معمر القذافي، الذي بقي في منصبه لمدة طويلة، في عام 2011، باندلاع حرب أهلية بين المليشيات المتعددة.
"وفي غياب جهة حكومية واضحة يمكن لمصر أن تدعمها، ركّزت البلاد اهتمامها بدلا من ذلك على التصدي للمليشيات الإسلامية. وأفادت بعض التقارير بأن مصر تعاونت مع الإمارات من أجل شن سلسلة من الضربات الجوية في آب/ أغسطس 2014، وأطلقت جولة أخرى ضد أهداف تنظيم «الدولة» في ليبيا، بعد أن أعدم التنظيم 21 مصريا مسيحيا بقطع الرأس في شباط/ فبراير 2015"، كما يقول الباحث.
بيد أن الانتصارات التي حققها اللواء خليفة حفتر على أرض المعركة ضد الإسلاميين، فضلا عن تعيينه من قبل "مجلس النواب" لقيادة "الجيش الوطني الليبي" في آذار/ مارس 2015، حفزت تحولا في السياسة المصرية.
وتابع: "يبدو أن السيسي يرى في حفتر قرينا له، أي رجل عسكري يحارب الإسلاميين، وبعضهم مدعومون من قطر، التي تدعم أيضا جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر. وقد شرح السيسي في نيسان/ أبريل 2016 أن "مصر تدعم «الجيش الوطني الليبي» الممثل باللواء حفتر؛ لأنها تعتبر أن ذلك أفضل وسيلة للتخلص من الإرهاب، ومساعدة ليبيا على التعافي".
وفي المقابل، كان للسياسة الخارجية للسيسي ثمنها في غالب الأحيان؛ فنتيجة لتفضيله الأسد، وعدم استعداده للانخراط أكثر في اليمن، أعلنت الرياض في تشرين الأول/ أكتوبر أنها ستوقف المساعدة النفطية التي وعد بها الملك سلمان خلال زيارته إلى القاهرة في نيسان/ أبريل 2016، بينما تبدو الإمارات متريثة فيما يتعلق بالاستثمارات المستقبلية في مصر.
وقال الباحث الأمريكي: "ولكن منهج السيسي الأحادي ما هو إلى حدّ ما سوى عاقبة من عواقب النزعة القومية لنظامه. فقد قال لي مسؤول مصري رفيع المستوى في كانون الأول/ ديسمبر: "إننا نقدّر الدعم السياسي والمعنوي [من الخليج] حتى أكثر من الدعم المادي. ولكن بالنسبة إلى إخواننا وأخواتنا في الخليج، فإن حماية مصر بعد [سقوط مرسي] كان بهدف حماية أنفسهم [من «الإخوان»]... ونحن نحترم سيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وبوسعهما الاتصال بمن تشاءان، ولكن يجدر بهما الحفاظ على حقنا في ذلك".
وأشار إلى أنه "وبعبارة أخرى، سيعتمد السيسي مقاربة "مصر أولا"، وتتوقع القاهرة من الجميع أن يحذو حذوها. ومع ذلك، إذا كانت دول الخليج الغنية بالنفط تعتقد أنها لا تستطيع مواجهة تحديات المنطقة وحدها، فسيكون من غير الواضح لماذا يعتقد بلد فقير الموارد مع تحديات هيكلية وأمنية شديدة أن بإمكانه فعل ذلك".