يحتفل العالم في الثامن من آذار من كل عام بيوم
المرأة العالمي، تتويجا لدورها العظيم في تنمية المجتمعات، واضطلاعها بمهام التربية والبناء والمشاركة الإيجابية في نهضة الأوطان والأمم.
ويصاحب تلك الاحتفالات في العالمين العربي والإسلامي سجالات ساخنة حول مشروعية وجدوى تخصيص يوم واحد للمرأة في العام، وهي الأم والزوجة والأخت والبنت التي تستحق أن يحتفى بها على مدار أيام السنة كلها.
لم يعد دور المرأة في مجتمعاتنا المعاصرة قاصرا على وظيفتها التقليدية في تدبير شؤون المنزل، بل انطلقت إلى حقول وميادين كثيرة، بعد نيلها قسطا وافرا من التعليم، ونيلها شهادات أكاديمية متميزة.
ووفقا لباحثين، فإن طبيعة عمل المرأة الكاسبة أورثها شخصية مستقلة، وأخرجها عن نمطية العلاقة المعهودة مع الرجل، بعد أن باتت مثله تكد وتتعب، وفي الوقت نفسه تتبوأ مناصب وظيفية مرموقة.
فما مدى تأثير شخصية "المرأة العاملة" على استقرار الحياة الزوجية ودوامها؟ وهل كان كسبها المالي منعشا للحياة الأسرية ورافعا لها، أم كان سببا في تفسخها وتفككها؟.
يشار في هذا السياق إلى أن استقلالية المرأة العاملة ماديا أحدثت تحولات اجتماعية في بنية المجتمعات المعاصرة، فكيف أثر ذلك على طبيعة علاقتها بالرجل في إطار الحياة الزوجية؟ هل هي
علاقة شراكة وتعاون، أم علاقة تنافسية ندية؟.
عمل المرأة حق من حقوقها الطبيعية
بحسب الأنظمة القانونية السارية في كثير من الدول العربية والإسلامية، فإن عمل المرأة حق من حقوقها الطبيعية، إن رغبت هي بذلك، وما تكسبه من عملها فهو مالها، وليس لأحد حق التصرف بذلك المال إلا برضاها، فهي صاحبة ذمة مالية مستقلة.
ووفقا لمفتش المحاكم الشرعية في دائرة قاضي القضاة الأردنية، الدكتور أشرف العمري، فإن المرأة العاملة ليست مكلفة بالإنفاق من مالها على بيتها، فهذا من واجب الزوج، وليس له إجبارها على فعل ذلك إن لم تفعله برا وإحسانا وتفاهما مع الزوج.
وحول مدى تأثير استقلالية المرأة العاملة ماليا على استقرار الحياة الزوجية، قال العمري لـ(عربي21) إن ثمة إيجابيات لعمل المرأة، مع وجود سلبيات في الوقت نفسه، وكثيرا ما يقع التداخل بين الإيجابيات والسلبيات، لافتا إلى سعة الموضوع وتشعبه، وصعوبة تقييمه سلبا وإيجابا.
وذكر أن من أكبر إيجابيات عمل المرأة مساهمتها في تحمّل أعباء النفقة مع المنفق، سواء أكان أبا أم أخا أم زوجا، فهي تساهم في تحمل جزء من الأعباء المالية الأسرية، وإن كانت غير مكلفة بذلك، لكنها تقوم به برضاها ورغبتها.
أما سلبيات عمل المرأة، فمن أبرزها غيابها الطويل عن البيت مع مسؤوليتها التامة عن تدبير شؤون المنزل، ما يشكل عبئا كبيرا عليها، ويحدث لها ضغوطا نفسية واجتماعية مرهقة، بحسب العمري.
وعن مدى تأثير عمل المرأة واستقلالها ماليا على ارتفاع نسب الطلاق، أوضح القاضي العمري أنه لعدم وجود إحصائيات دقيقة بهذا الخصوص، فإن من العسير معرفة ذلك على وجه الدقة، مع وجود نزاعات منظورة أمام المحاكم الشرعية ترجع إلى السبب ذات.
وأشار العمري إلى أن تمكن المرأة اقتصاديا جعلها أكثر جرأة في اتخاذ قرار وضع نهاية للحياة الزوجية، حينما تنعدم سبل التفاهم مع الزوج؛ لأنها باتت بدخلها الشهري الثابت مستغنية عن نفقة الزوج، ما يحررها من الرضوخ لضغوطه وإكراهاته.
من جهتها، قالت الصحفية المصرية، المهتمة بالشؤون الأسرية والاجتماعية، أماني عزام، "إن نجاح المرأة في حياتها العملية أصبح أمرا هاما وضروريا للغاية في ظل التطورات التي يشهدها العالم في كافة جوانب الحياة العلمية والعملية".
وأكدت عزام لـ(عربي21) أن نجاح المرأة في حياتها العملية ينعكس بالتأكيد على حياتها الخاصة والزوجية بشكل خاص، وعلى حياتها الأسرية بشكل عام، لما تكتسبه من خبرات تمكنها من إدارة شؤون بيتها بشكل عقلاني ومنظم.
وانتقدت عزام ما يخيل للبعض من أن نزول المرأة إلى سوق العمل يعني فشلها في حياتها الأسرية كزوجة، بل على العكس من ذلك تماما، فإنه يمكنها من أن تكون زوجة ناجحة وواعية ومتفهمة لطبيعة عمل زوجها، وأن تقدّر ظروف غيابه أوقاتا طويلة خارج المنزل.
وأشارت الصحفية المصرية إلى "أن الرجل العربي أصبح مقدرا لأهمية عمل المرأة، فالكثير من الرجال يتفهمون طبيعة عمل زوجاتهم، ويشجعونهن أيضا على استكمال الطريق".
ولفتت إلى أن "استقلال المرأة المادي عن الرجل لا يعني خروجها عن الأعراف والتقاليد العربية، وإنما هو بداية لتحمل مسؤولية أكبر تجاه نفسها وأسرتها؛ ففي الكثير من الأسر المتوسطة يتشارك الزوج والزوجة معا في تدبير شؤون البيت والإنفاق عليه، فهما شركاء في رحلة حياتية شاقة وطويلة.
علاقة تكاملية وليست ندية
في السياق ذاته، رأت الناشطة الحقوقية الأردنية، المحامية إنعام عشا، أنه لا يوجد أي آثار سلبية ناتجة عن عمل المرأة، بل على العكس من ذلك تماما، فإنه يؤثر إيجابيا على مستوى معيشة الأسرة، بسبب زيادة الدخل.
وأشارت عشا في حديثها لـ(عربي21) إلى أنه ليس صعبا على المرأة المواءمة بين واجباتها المنزلية ومتطلبات عملها خارج المنزل، وهي قادرة على ذلك بشيء من حسن الإدارة والترتيب.
وانتقدت الناشطة الحقوقية ما يقال عن فكرة الندية بين الزوج وزوجته العاملة، لافتة إلى أن تلك الفكرة توظف في كثير من الأحيان توظيفا سلبيا؛ لأن العلاقة بينهما علاقة تعاون ومشاركة إن كانت مبنية على أسس التفاهم والمودة والاحترام.
وأكّدت عشا من خلال التجربة والملاحظة أن التجربة العملية للمرأة تكسبها خبرات ومهارات كثيرة، تنعكس على أدائها وإدارتها لشؤون منزلها، ما يعزز استقرار الأسرة، ويساهم بشكل إيجابي في تحمل أعباء ومسؤوليات الحياة المختلفة.
بدوره، أوضح المستشار الأسري والتربوي، الدكتور خليل الزيود، أن طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة (العاملة) تتحدد بناء على ما بينهما من تفاهم وانسجام وألفة ومودة.
وأضاف لـ(عربي21): "أما استقلال المرأة العاملة ماديا، فلا تأثير له على حميمية العلاقة ودفئها بينها وبين زوجها، إن كانت قائمة على أسس صحيحة وإيجابية، وبالتأكيد سيكون له تأثير سلبي إن كانت العلاقة بينهما في أصلها متوترة وقلقة.
ولفت إلى أن "العلاقة بين الزوج وزوجته العاملة ينبغي أن تكون علاقة تعاون وشراكة، وليست علاقة تنافسية ندية"، فهما شركاء في سفينة الحياة التي تتقاذفها الأمواج العاتية.
ودعا الزيود إلى عدم التخوف من استقلال المرأة ماديا نتيجة عملها، فهي بالتأكيد ستساعد زوجها في تحمل أعباء البيت، تطوعا ورغبة منها، دون أي إكراه يمارسه الزوج عليها، كما أنها ستضمن في الوقت نفسه دخلا مستقلا لها في حال تعذر سبل الحياة مع زوجها، من غير أن تخضع لشروطه التي ربما تكون تعسفية في بعض الأحيان، وهي بذلك لا تكون عالة على أحد.