سجلت
الليرة التركية خلال الأيام القليلة الماضية، تراجعا ملحوظا أمام الدولار، بعد ارتفاعات متتالية حققتها مصحوبة بتعهد البنك المركزي التركي باتخاذ كافة السبل لحماية العملة المحلية، إلى جانب الاستقرار الأمني والسياسي النسبي الذي تشهده البلاد.
وتم تداول الليرة، اليوم عند مستويات مرتفعة بلغت 3.74 أمام الدولار، على خلفية التوقعات الإيجابية (الدولية والمحلية) بشأن مؤشرات الاقتصاد التركي.
وتوقعت وكالة "فيتش" الدولية للتصنيف الائتماني، حدوث تحسن معتدل في الاقتصاد التركي خلال عامي 2017 و2018، مرجحة أن الاقتصاد التركي نموا نسبته 2.4% في الناتج المحلي الإجمالي في نهاية العام الحالي، ويصعد بنحو طفيف إلى 2.8% في العام المقبل.
وفي كلمة ألقاها خلال اجتماع نظمه محفل الصناعيين والتجار ورجال الأعمال بمحافظة دنيزلي أفاد محافظ البنك المركزي التركي، جتينكايا، أن مؤشرات الثقة في مجال القطاع الإنتاجي التي شهدت تدهورا عادت في الآونة الأخيرة إلى التحسن ولو جزئيا، و قال: "هناك تحسن ملحوظ في طلبيات الصادرات أيضا، والمعطيات الأولية تشير إلى أن الانتعاش سيكتسب بعض القوة اعتبارا من النصف الثاني من العام الجاري".
وأفاد جتينكايا أن أرقام التضخم المعلنة للشهرين الأول والثاني للعام الجاري لم تكن مختلفة كثيرا عن الأرقام المتوقعة، وأضاف أن نسبة التضخم ستتراجع على نحو أكثر نحو مستويات معقولة.
ومن جانبه، أرجع الباحث الاقتصادي، عبد الحافظ الصاوي، عودة أسعار صرف الليرة التركية إلى الهبوط مجددا أمام الدولار، رغم تحسن مؤشرات الاقتصاد الوطني، إلى أسباب محلية مرتبطة بضبابية المشهد السياسي فيما يتعلق باستفتاء أبريل المقبل، وأسباب دولية تتمحور حول أجواء التوتر التي تسود دول
الاتحاد الأوروبي حاليا بصفة عامة، وتصاعد التوتر الدبلوماسي والسياسي بين
تركيا وألمانيا بصفة خاصة.
وقال الصاوي في تصريحات خاصة لـ"
عربي21" إن الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الاقتصادي الأول لتركيا، ويستحوذ على أكثر من 60% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة القادمة إلى تركيا، كما يستحوذ على نفس النسبة من حركة السياحة القادمة إلى البلاد، مضيفا: "كما يستحوذ الاتحاد الأوروبي أيضا على الجزء الأكبر من الصادرات التركية وخصوصا ألمانيا".
ولم تنجح زيارة المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" الأخيرة إلى تركيا، في امتصاص الصدام الإعلامي والدبلوماسي الحاد بين الطرفين، وخلق مناخ إيجابي يمنع نشوب توتر جديد بين تركيا وألمانيا.
وفي كلمة له الأحد الماضي، أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إلغاء ألمانيا فعاليات للجالية التركية على أراضيها، وقال في هذا الصدد: "كنت أعتقد أن النازية انتهت في ألمانيا، ولكن يبدو أنها مازالت مستمرة إلى يومنا هذا".
وفي سياق تطرقه إلى الأزمة الدبلوماسية الحاصلة بين بلاده وألمانيا إثر عرقلة الأخيرة للقاء الوزراء الأتراك مع الجاليات التركية في ألمانيا قبيل
استفتاء 16 أبريل/نيسان، قال وزير شؤون الاتحاد الأوروبي في الحكومة التركية، عمر جليك، إن الحكومة الألمانية "هي المسؤولة عن عرقلة اللقاء وليست السلطات المحلية". ووصفها بأنها "عرقلة ممنهجة".
وأشار الصاوي إلى أن انخفاض سعر صرف الليرة المتكرر منذ محاولة الانقلاب الفاشلة وحتى الآن، أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم، وهو ما شجع بعض المواطنين الأتراك إلى الاتجاه نحو عملية الدولرة، عن طريق تحويل مدخراتهم من الليرة إلى العملة الصعبة للحفاظ على قيمة ثرواتهم من ناحية، والبحث عن أفضل وأسرع آلية لتسييل مدخراتهم من ناحية أخرى، وخاصة إذا كان نظام البلد يعتمد على آلية العرض والطلب وإتاحة العملات الصعبة للمواطنين.
وأضاف الباحث الاقتصادي، أن "الدولرة" سلوك اقتصادي طبيعي يتولد مع انخفاض في قيمة أي عملة محلية، وليس سلوكا عدائيا ضد الدولة، لافتا إلى أن التوقعات كانت تتجه نحو استقرار الليرة التركية عند مستويات 3.50، ووصل بالفعل سعر صرفها أمام الدولار إلى 3.52 قبل العودة إلى المستويات المنخفضة التي شهدتها اليوم.
وحول توقعه بشأن مستقبل الليرة التركية أمام العملات الأجنبية، قال الصاوي إن الحكم على مستقبل الليرة التركية يمكن قراءته بشكل أكثر دقة بعد نتيجة استفتاء أبريل المقبل.
ومن جانبه، قال نائب وزير المالية التركي، جنكيز يافيلي أوغلو، إن الوضع الاقتصادي التركي، يعد "جيدا للغاية"، بالنظر إلى اقتصادات الدول الأخرى حول العالم.
وأشار يافيلي أوغلو، - بحسب الأناضول-، إلى تراجع معدلات النمو في أرجاء العالم، معربا عن ثقته بأن الاقتصاد التركي، سيكون أفضل خلال العام الجاري (2017).
وحول تراجع الليرة التركية، أمام الدولار، خلال الأسابيع الماضية، شدد نائب الوزير على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار دور العوامل الدولية، وعدم الاكتفاء بالنظر إلى العوامل الداخلية.
وذكر في هذا الإطار، أن الولايات المتحدة باعتبارها أكبرة قوة في العالم، شهدت تحولا مع مجيء دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية.
مبينا أن "العالم ما يزال يترقب البرامج الاقتصادية التي سيطبقها سيد البيت الأبيض، الأمر الذي يؤدي إلى بعض الغموض في الأسواق العالمية".
نائب الوزير التركي، لفت أيضا إلى أن "العقوبات الغربية على روسيا، لها تداعيات سلبية على الاقتصاد التركي بطبيعة الحال".
كما دعا إلى ضرورة النظر إلى الأداء العام للاقتصاد، مبينا: "بالنظر إلى مؤشرات الاقتصاد الكلي لتركيا، فلا يوجد مشاكل جدية، سواء على صعيد النمو، أو الفائدة، أو الميزانية، مقارنة بالمؤشرات العالمية الأساسية".
وذكر يافيلي أوغلو، أن مؤشرات الاقتصاد التركي، تعد أفضل من المعدلات الوسطية للدول الصاعدة، مؤكدا أن اقتصاد البلاد يواصل نموه، ويعد أفضل من المعدل الوسطي للاتحاد الأوروبي.
وقال نائب الوزير: "الاقتصاد التركي، حقق نموا ولو قليلا مقارنة بالماضي، في الوقت الذي انكمش فيه الاقتصاد الأوروبي".
وعن خطط الحكومة المستقبلية لتعزيز الاقتصاد، أفاد يافيلي أوغلو، أن تلك الخطط دخلت فعليا حيّز التنفيذ، لبث الحيوية في الاقتصاد.
وأشار بهذا الخصوص إلى إعلان رئيس الوزراء بن علي يلدريم، مؤخرا، تخصيص 13 مليار ليرة (3.5 مليارات دولار)، من ميزانية 2017، لتعزيز النشاط الاقتصادي في 23 ولاية.
كما أشار نائب الوزير، إلى تخفيض الحكومة "ضريبة الاستهلاك الخاص"، وبذلها ما بوسعها لتعزيز الأسواق المالية.
كما اعتبر أن المصرف المركزي يقوم بمهامه على أكمل وجه، من خلال أسعار الفائدة، وطرح العملة الصعبة في الأسواق.