زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي: حريصون على النأي بالدين عن المعارك السياسية- أرشيفية
بالرغم من أن الوظيفة الدعوية تعد هي السمة الأبرز للحركات الإسلامية، إلا أن هذه الحركات انخرطت في السياسة إلى درجة المنافسة الحزبية، أو التحول الكامل من حركة دعوية اجتماعية؛ إلى حزب سياسي.
ويرى بعض المنتسبين إلى ما يسمى بـ"حركات الإسلام السياسي" أن الفصل كليا بين السياسي والدعوي؛ ما هو إلا إحدى صور العلمنة الدخيلة على الفكر الإسلامي، في حين يؤكد آخرون أن هذا الفصل تمييز وظيفي وإجراء إداري لا غير، وأنه أحد أوجه التخصص، ويعبّرون بلفظ "الحزبي" بدلا من "السياسي" لإزالة اللبس في مفهوم "الفصل" بحيث ينحصر في العمل السياسي التنافسي، دون إقصاء القضايا السياسية العامة عن العمل الدعوي.
السياق التاريخي
وبحسب مختصين في الحركات الإسلامية؛ فإن الحركة الإسلامية بالمغرب العربي توجهت نحو الفصل بين العملين الحزبي والسياسي مبكرا، وذلك حين صدرت ورقة في عام 1998 حول علاقة حركة التوحيد والإصلاح بحزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية (اسمه حاليا حزب العدالة والتنمية) أكدت أن كلا منهما هيئة مستقلة عن الأخرى استقلالا قانونيا وفعليا، وليس لأي منهما وصاية على الأخرى، ويجمعهما التشاور والتعاون والتنسيق.
وفي المؤتمر العاشر لحركة النهضة الذي عقد بتونس في 20 أيار/ مايو 2016؛ أعلن رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي أنها ستتحول إلى العمل السياسي فقط، معتبرا ذلك إحدى مراحل تطورها، وقال: "إننا حريصون على النأي بالدين عن المعارك السياسية، وندعو إلى التحييد الكامل للمساجد عن خصومات السياسة والتوظيف الحزبي، لتكون مجمّعة لا مفرقة".
وكان قد سبق هذا الخطاب؛ سجال داخلي بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، فكتب عضو مكتب الإرشاد الدكتور محمد عبدالرحمن المرسي، على موقعه الالكتروني، في 16 أيار/ مايو، مقالة رفض فيها الفكرة من أساسها، وقال إنه "من ناحية الفكرة والرسالة؛ لا يوجد مطلقا ما يسمى دعوي وسياسي، كأمرين متفارقين، وإنما السياسة في نظرنا دعوة، والمجال الدعوي يشمل كل الجوانب السياسية والاجتماعية وغيرها".
وفي المقابل؛ قال القيادي بالجماعة، جمال حشمت، في لقاء مع وكالة الأناضول للأنباء، في 18 أيار/ مايو، إنه "تأكد عزم كل الأطراف في الجماعة، على ضرورة فصل الجانب الحزبي التنافسي، عن الدعوي والتربوي.. وسيعلن هذا قريبا إن شاء الله".
لا إشكال في التخصص
من جهته؛ عقب القيادي الإخواني المقيم في تركيا، علي اللبان، على تصريحات المرسي بالقول إنها "تُفهم باعتبارها توصِّف مرحلة معينة يتبع الحزبُ فيها الجماعةَ بشكل مؤقت، حتى يحدث الانفصال الإداري، مع وجود تنسيق بينهما بصورة ما، ووجود مرجعية فكرية للجماعة يرتبط بها الحزب".
وأضاف لـ"عربي21": "هذا ما كان مقترحا عند إنشاء حزب الحرية والعدالة، وهو أن يتم الفصل بينه وبين الجماعة بعد أربع سنوات من تاريخ إنشائه".
ورأى اللبان أنه "لا بد من الاهتمام بعملية التربية، ثم بعد ذلك يحدث التخصص، فلا إشكال في التخصص من حيث المبدأ، ولكن بعد التأسيس التربوي".
الفصل بين المؤسسات
أما حزب البناء والتنمية الذي أنشأته الجماعة الإسلامية بمصر؛ فرفض على لسان المتحدث باسمه أحمد الإسكندراني "الفصل بين الدين والحياة"، مؤكدا أن "الدين متداخل مع الحياة، وهذا ما نص عليه الدستور؛ بأن الشريعة هي المصدر الرئيس للتشريع".
واستدرك بالقول لـ"عربي21": "أما الفصل بين المؤسسات، بحيث يكون لكل مؤسسة عملها؛ فلا مانع من ذلك، وكانت الجماعة الإسلامية قررت في جمعيتها العمومية بأن الحزب سيظل في كنفها لمدة سنتين، ثم بعد ذلك يتم الفصل بين المؤسستين، وهو ما تم بالفعل بفصل كل هياكل الحزب عن هياكل الجماعة".
وعن حجم تداخل قيادات الجماعة بالحزب؛ أوضح الإسكندراني أن "هناك أفرادا في الحزب من الجماعة، ولكنهم موجودون بأشخاصهم لا بصفتهم فيها، ولا يوجهون الحزب من خلال قرارات الجماعة"، موضحا أن "نسبة قيادات الجماعة في المراكز القيادية بالحزب أقل من 20 بالمئة، ولا تفرض الجماعة أي قرار إداري على الحزب".
وعلل الإسكندراني عملية الفصل بين الجماعة والحزب، بوجود "تخوفات من قوى سياسية؛ ناتجة عن عدم تكافؤ الفرص السياسية في حال كانت الجماعات هي التي تدعم الأحزاب"، مضيفا أن "التخصص في العمل يقي الدعوة مثالب كثيرة، فالسياسة مليئة بالأخطاء، وقد نتقدم أو نتأخر، أو تفشل تجربة ما، فلا ينبغي أن يصيب هذا الدعوة فيقال إن المشروع الإسلامي فشل".