نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا، من إعداد كل من ديفي باتي وسالي ويلي وكارولاين بانوك، حول
التحرش الجنسي في الجامعات البريطانية، حيث قاموا بطلب معلومات من 120 جامعة، ووجدوا أن هناك 169 شكوى ضد موظفين أكاديميين وغير أكاديميين، في الفترة ما بين العام الدراسي 2011-2012 إلى العام الدراسي 2016-2017، وهناك 127 شكوى أخرى ضد موظفين مقدمة من زملائهم.
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن عددا كبيرا من الضحايا المزعومين قالوا للصحيفة بأنه تم إقناعهم بعدم التقدم بشكوى رسمية، أو تم إقناعهم بالتوصل إلى حل غير رسمي، وقال كثير منهم إنهم لم يبلغوا عن التحرش خوفا من أن يؤثر ذلك في دراستهم أو عملهم، مشيرا إلى أنه وإن دل هذا على شيء، فإنما يدل على أن حجم المشكلة أكبر مما تظهره المعلومات التي قدمتها الجامعات بموجب قانون حرية المعلومات.
وينقل معدو التقرير عن الشريكة الرئيسة في شركة "ماكليستير أوليفاريوس" للقانون، الدكتورة آن أوليفاريوس، قولها: "هذه الأرقام صادمة، لكن للأسف، فإنه من خلال خبرتنا، نستطيع القول إنها لا تمثل سوى غيض من فيض.. تحرش الموظفين الجنسي بالطلاب وصل إلى مستويات وبائية في الجامعات البريطانية، ولا تمتلك معظم الجامعات آليات فعالة لمنع الموظفين من الضغط على
الطلاب لإقامة علاقات جنسية، وعندما يحصل ذلك، فإن الفعل التأديبي شبه غائب، فالمسؤولون هم في العادة زملاء لديهم محفزات كثيرة لعدم التدخل".
وأضافت أوليفاريوس أن "الطالبات الشابات يكن عادة قلقات من عواقب القيام بتقديم شكوى ضد موظف، ولذلك فإنهن عندما يفعلن ذلك، فإن هم الجامعة الرئيسي يكون هو التقليل من شأن الاعتداء، وحماية سمعتها بالتكتم على الموضوع".
وتورد الصحيفة نقلا عن مؤسسة مجموعة 1752، آنا بول، التي أسستها للتعامل مع موضوع التحرش الجنسي في مؤسسات الدراسات العليا، قولها: "هناك أدلة على أن الأرقام الحقيقية في المملكة المتحدة ستكون صاعقة، حيث قام اتحاد الجامعات الأمريكية بدراسة تفصيلية للاعتداءات الجنسية والتحرش الجنسي عام 2015، (تحرش طلاب بطلاب وموظفين بطلاب)، وتم إجراء البحث في 27 حرم جامعة، واستجاب 150072 طالبا مع الاستطلاع، ووجد الاستطلاع أن الإبلاغ عن التحرش الجنسي –الموظفين والطلاب- كان 7.7%، وكان فقط بنسبة 28% من الحالات الخطيرة التي تم إبلاغ المؤسسة عنها".
ويكشف التقرير عن أن جامعة
أوكسفورد تصدرت الجامعات من حيث عدد الاتهامات التي وجهها الطلاب للموظفين، حيث وصل عدد البلاغات للإدارة المركزية إلى 11 بلاغا، وللكليات المختلفة 10 بلاغات، لكنها قالت إنه قد تكون هناك حالات تم إبلاغها للكلية وللإدارة المركزية، ما يعني أن هناك تكرارا للأرقام، مشيرا إلى أن جامعة نوتنغهام تتبعها بعشرة بلاغات، ثم جامعة أدنبرة بتسعة بلاغات، تليها جامعة الفنون في لندن وجامعة إسيكس بسبعة بلاغات، وأخيرا جامعة كامبريدج بستة بلاغات.
ويلفت الكتّاب إلى أن جامعة أوكسفورد احتلت المرتبة الأولى من حيث اتهامات التحرش فيما بين الموظفين، حيث هناك 17 حالة مسجلة مركزيا، وثلاث في الكليات، لكن أيضا قد يكون هناك تكرار في الأرقام، وكانت الثانية جامعة كامبريدج بسبع حالات، ثم جامعة بورتسموث بست حالات، ثم إكستر ويورك ومدرسة لندن للاقتصاد بخمس حالات لكل منها، أما نوتنغهام وغولدسميث، فقالتا إن هناك أقل من 10 حالات في كل منهما.
وتفيد الصحيفة بأن خمس جامعات فقط قالت إنها عوضت طلابها، فدفعت جامعة غولدسميث في لندن، التي انتقدت لاستخدامها شرط عدم النشر في اتفاقاتها، أعلى رقم للتعويض، حيث وصل المبلغ إلى 192146 جنيها إسترلينيا، ثم جامعة الفنون في لندن، التي دفعت 64 ألف جنيه إسترليني لطالبين، بالإضافة إلى مبلغ لم يعلن عنه لأحد الموظفين؛ بسبب اتهامه لزميل بالتحرش الجنسي.
وينوه التقرير إلى أن الخبراء القانونيين حذروا من أن الجامعات التي تعلن عن أعداد أكبر من التهم والتحقيق ليست بالضرورة هي الأكثر معاناة من هذه المشكلة، بل قد تعكس الأرقام الكبيرة وجود إجراءات فعالة للتعامل مع المشكلة.
وينقل الكتّاب عن موظفة صغيرة في إحدى الجامعات في جنوب إنجلترا، قولها بأنها حاولت التحذير من مشكلة تحرش جنسي في قسمها على مدى خمس سنوات، لكن لم يتم اتخاذ أي إجراء من المديرين الذين اتصلت بهم، وأضافت الموظفة للصحيفة: "أسوأ ما في الأمر هو أن الكثير من الناس يعانون في ظل إدارة هذا البروفيسور، والشكوى الرسمية لم تفعل شيئا إلا أن حولت حياتي وحياة نساء أخريات إلى جحيم، فبكل بساطة لن يفصل (هذا البروفيسور)، وكل من تحدثت معه يؤكد لي ذلك".
وتذكر الصحيفة حالة طالبة في جامعة في جنوب إنجلترا، اشتكت على أحد المدرسين، لكن الجامعة ضغطت عليها لتسقط الشكوى، وعرضوا تعويضا بشرط تركها لدراستها وإسقاط الشكوى، لكنها أصرت على أن يكون هناك تحقيق مستقل، وأجرت الجامعة تحقيقا توصل إلى أن الطالبة والمدرس كانا صديقين، وأنه حاول أن يساعدها، فلم يكن هناك تحرش جنسي، وبقي المدرس يعمل في وظيفته، في الوقت الذي تدرس فيه الطالبة من البيت ولا تستطيع الذهاب إلى الجامعة، مستدركة بأن مكتب التحكيم المستقل سيقوم بالتحقيق فيما إذا كانت الجامعة اتبعت الإجراءات الصحيحة في تحقيقها.
وبحسب التقرير، فإن هذه القصة تتكرر مع محاضرة في جامعة في شمال
بريطانيا، اشتكت من التحرش الجنسي من زميل لها في العمل، لكن بعد قيام الجامعة بالتحقيق، فإنها قالت إنها توصلت إلى أن هناك ما يدل على وجود علاقة بين الشخصين، ولذلك لا يمكن أن يكون هناك تحرش جنسي، وتنكر المحاضرة وجود مثل تلك العلاقة، ومع ذلك فقد طلب منها سحب شكواها للإبقاء على وظيفتها.
ويبين الكتّاب أن معظم حالات الاعتداء الصادرة عن الموظفين ضد الطلبة تم التحقيق فيها داخليا في الجامعة، ولم تصل أي شكاوى منها للشرطة سوى عدد قليل، مشيرين إلى أن البحث كشف عن أن 38 موظفا تركوا جامعاتهم أو غيروا وظائفهم، بعد اتهامهم بالتحرش الجنسي بالطلاب.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أنه تم التحقيق في حالات التحرش بين الموظفين جميعها تقريبا داخل الجامعات، وغادر 48 جامعاتهم، أو غيروا وظائفهم بعد تلك التهم.