نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية مدونة للكاتب والمؤرخ، جان بيير فيليو، وهو أستاذ مختص في تاريخ الشرق الأوسط المعاصر بباريس، سلط من خلالها الضوء على الخطر الذي قد يمثله
تنظيم الدولة في حال نشوب حرب جديدة بين الفلسطينيين وإسرائيل.
وقال الكاتب، في مدونته التي ترجمتها "عربي21"، إن مراقب الحكومة
الإسرائيلية نشر مؤخرا تقريرا على درجة عالية من الحدّة، كشف من خلاله عن النقائص الفادحة التي شابت إدارة الحكومة واستعداد الجيش للحرب التي وقعت في صيف 2014 في قطاع
غزة. وفي الأثناء، لا تبدو تقديرات القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية للمخاطر التي ستنجم عن صراع جديد محتمل في المنطقة، هذه السنة، أفضل من توقعاتها السابقة.
وأشار الكاتب إلى أن احتمال مشاركة فرع تنظيم الدولة في سيناء في الحرب المرتقبة وارد للغاية.
في المقابل، سيردّ الجيش الإسرائيلي من خلال تدخله المباشر بهدف سدّ عجز القوات المصرية. في واقع الأمر، لطالما مثّل قطاع غزة محور الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، حيث شهد دمارا واسعا على امتداد ثلاث معارك.
وكانت الحرب الأولى في غزة في كانون الأول/ ديسمبر 2008 حتى كانون الثاني/ يناير 2009، وثانيتها في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، فيما امتدت الأخيرة بين تموز/ يوليو وآب/ أغسطس 2014، علما أن الجولة الأخيرة الحرب كانت الأكثر دموية، حسب منظمة الأمم المتحدة، التي أكدت مقتل 2251 فلسطينيا، من بينهم 1462 مدنيا، مقابل 74 قتيلا إسرائيليا، بينهم ستة مدنيين.
وأوضح الكاتب أن الدمار الذي خلّفته الحرب الأخيرة طال مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية. وفي الأثناء، تعطي حركة
حماس الأولوية المطلقة لإعادة الإعمار.
وفي السياق ذاته، انتخبت الحركة التي تسيطر على قطاع غزة منذ حزيران/ يونيو 200 القيادي العسكري يحيى السنوار زعيما لها.
وأورد الكاتب أن السنوار يولي أهمية أكبر لتسيير أوضاع أهالي القطاع المحاصرين، بدلا من فتح جبهة للحرب مع إسرائيل، طالما أن هذه الأخيرة لا تمانع في سلطة حماس التي لا منازع لها في القطاع.
في الأثناء، تأمل حكومة بنيامين نتنياهو في الحفاظ على الهدوء حول الأراضي الفلسطينية المحاصرة بإحكام، علما أنها تعتبر هذه المنطقة منذ أيلول/ سبتمبر 2007 منطقة "معادية".
وأفاد الكاتب بأن الهدنة، التي لم تخل من إطلاق النار، تم خرقها من قبل جماعات متطرفة مرتبطة بفرع تنظيم الدولة بسيناء، حيث أطلقت عدة صواريخ من قطاع غزة باتجاه إسرائيل التي سرعان ما ردت على هذه الهجمات عن طريق استهداف مناطق تابعة لحماس، محملة إياها المسؤولية عن كل ما يصدر من غزة.
وشهدت غزة مؤخرا تصعيدا عسكريا إسرائيليا، وتحديدا في 27 من شباط/ فبراير والأول من آذار/ مارس. وفي الأثناء، شهدت المنطقة حملة اعتقالات واسعة قادتها حركة حماس ضد مئات من المؤيدين لتنظيم الدولة في قطاع غزة.
وبيّن الكاتب أن جحيم
الحصار والتسلّح جعل كلا من حركة حماس وإسرائيل لعبة بيد التنظيم، في إشارة إلى استهداف ميناء إيلات الإسرائيلي في 8 شباط/ فبراير الماضي بالعديد من الصواريخ من قبل "ولاية سيناء"، المجموعة التي تعمل تحت راية أبو بكر البغدادي، والتي كانت تُسمى سابقا "أنصار بيت المقدس". وتحرك هذه المجموعة واستهدافها لإسرائيل يعدّ محاولة منها للتذكير بالتزامها الأساسي بتحرير فلسطين.
وقال الكاتب إن تحدي تنظيم الدولة المتصاعد لإسرائيل بات جليا وواضحا؛ وذلك بهدف حشد صفوفه، على الرغم من أنه لم يكن يبد اهتماما يذكر بالقضية الفلسطينية في السابق. وفي الوقت الراهن، أثار جيش خالد بن الوليد في جنوب سوريا، التابع لتنظيم الدولة، مخاوف تل أبيب، ويشكل فرع تنظيم الدولة "ولاية سيناء"، المخضرم عسكريا، تهديدا غير مسبوق لإسرائيل.
وذكر الكاتب أن إسرائيل استهدفت بالفعل مراكز تنظيم الدولة في سيناء، دون الاعتراف بذلك علنا، سعيا منها للتخفيف من وطأة الفشل الذريع للجيش المصري في القضاء نهائيا على مجموعة ولاية سيناء. ويأتي هذا في ظل عجز مختلف الأطراف عن التنبؤ بسياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي من الممكن أن تؤدي إلى تفاقم الأوضاع وتعزيز تقدم المتطرفين.
وشكك الكاتب في احتمال زحف تنظيم الدولة إلى غزة، الذي وصفه "بالسيناريو الكارثي"، وذلك مع اقتراب الذكرى السنوية الخمسين للاحتلال الإسرائيلي في حزيران/ يونيو القادم، التي ستعيد إلى الأذهان أهمية القضية الفلسطينية.
ومن هذا المنطلق، فإن أفضل وسيلة لدحر تهديد التنظيم تتمثل في رفع الحصار عن قطاع غزة، وهو أمر ضروري لنزع السلاح في المنطقة، فيما تبقى هذه الرؤية دون مناصر، سواء من الجهات الإسرائيلية، أو من قبل المجتمع الدولي، كما يقول الكاتب.