كان هذا هو عنوان الندوة الأولى من ندوات المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، الذي عقد في 25 – 26 فبراير 2017، والتي بحثت "تشكيل حالة شعبية فلسطينيّة ضاغطة – في الخارج - للتمثيل" في المؤسّسات الوطنيّة وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينيّة.
والتمثيل هو الطريق الشرعي لأداء الدّور الوطنيّ في التحرير، وهو واجبٌ قبل أنْ يكون حقّا. كما أنّه حقّ فرديّ وليس منّة من محتكِرٍ وصيٍّ دَعِيّ، حاول جاهداً تهميشنا وحرماننا من هذا الحقّ على مدى ربع قرنٍ على الأقلّ.
ومن المستغرب – بل المسْتهجَن والمستنكَر - أنْ يستكثر فلسطينيٌّ على فلسطينيٍّ حقّه وواجبه بالمشاركة "الشرعيّة" في تحرير أرضه المحتلّة من الكيان الصهيوني الغاصب!
كما أنّ "الدّوْر" المقصود هنا دوْر الشّعب كل الشّعب، والذي مضى عهد الوصاية والكهنوتيّة عليه! فليس الحديث هنا عن حالةِ نزاع وخلاف ومزاحمةٍ فصائلية، فنحن شعبٌ شُرِّد وهُجّر واحتلت أرضُه، وبالتالي دورنا كلنا هو المطلوب، وليس نخبنا وفصائلنا فقط - على فضلها وعظم دورها.
فالشعوب هي التي تصنع ديمومة الحالة الثوريّة بآفاقها ضد المغتصِب! ولا يمكن للشّعوب الحرّة – وفي مقدّمتها شعبنا الفلسطينيّ – أن يبقى تحت سقوف النّخب!
فإذا كانت الشعوب العربية صرخت في ميادين التحرير - كما الشعب التونسي مثلا: "الشعب يريد تحرير
فلسطين"؛ أفلا يصرخ الشعب الفلسطيني بذلك، ويقول: الشعب الفلسطينيّ يريد دوره في تحرير فلسطين؟ وهو الشّعب الذي أعطى لمفهوم الثورة والمقاومة نكهته المميزة، وكان وإيّاها صنوان.
ولنا عند "مفهوم" الثورة وِقفة!
فقد مورست عمليات "تجهيل" مدروسة ومُبرمجة على الشعب الفلسطيني في الخارج، عبر حربٍ غايةٍ في التعقيد على المفاهيم والمصطلحات، بدأت على الأقل منذ إعلان ما يُسمّى - وهماً وخرافةً- "الدولة الفلسطينيّة"؛ وإيهامنا بأننا نعيش في دولة! وكان المقصود من هذا أنْ نخرج من "حالة" وأدبيات وثقافة وفكر وفلسفة وروح وأدوات "الثورة"، لندخل في حالةٍ من "وهم" وأدبيات وثقافة وفكر وفلسفة وروح وأدوات "الدولة"! وبالتالي أن نعيش ما تتطلّبه هذه الحالة "الوهم" من براغماتيّة سياسيّة أفقدت الثوّار بوصلتهم، وأنْسَتهم مبرّر وجودهم تحت حجج "الواقعيّة" تارةً، ومتطلّبات المجتمع الدّولي تارةً أخرى، إلى أن كان التيهُ الكبير في "أوسلو" الذي ما زلنا في سراب صحرائه!
ببساطة أيّها "الساسة"! أيّها الثوّار القدامى: إنّنا شعبٌ ما زال في مرحلة "الثورة"؛ فأرضنا محتلة، ونحن مهجّرون في أصقاع الأرض (الوفود في المؤتمر جاءت من 50 دولة)! ولا ينهض بالثورة وأعبائها إلا الشّعوب، فاتركوها وشأنها على الأقلّ.
لم يكتفِ "ساستنا" بالعيش في وهم الدولة، ومحاولة فرض ثقافتها علينا (لم ولن ينجحوا بالطبع!)؛ بل بدؤوا بمحاصرتنا "بخرافة" جديدة سمّوها "السلطة الفلسطينيّة"، والتي حوصِرت في مقاطعة رام الله. وفي مفارقة عجيبة مستنكَرة أصبحت هذه "السلطة" تتعامل مع "الثورة" – التي تريد تحرير فلسطين - أنّها "إرهاب"!
يا للعجب العجاب! إنها معركة الوعي يا سادة! نبدأ بمنظمّة لتحرير كلّ فلسطين، وننتهي بمحاربة مَن يسعى لتحريرها في الداخل، ونمنع مَن يريد المشاركة في التحرير في الخارج!!
فالحرب على الشّعب كلّ الشعب في الداخل والخارج، لذا فإنّنا نسعى لدورٍ متكامل في التحرير بين الداخل والخارج!
الإيجابيات والفرص المتاحة في الخارج:
إضافة للحق الطبيعي بالتمثيل والشراكة في العمل الوطني لفلسطينيي الخارج؛ فإنّ الخارج يمتلك فرص وإيجابيّات يتميّز بها، تعظّم من فعالية دوره.
ففلسطينيو الخارج ينتشرون في العالم كل العالم، وهذا يعني أنّهم يمتلكون طيفاً واسعاً - باتساع العالم - من الفرص والإمكانات، وبالتالي هناك مساحات كبيرة للعمل لصالح قضيّتنا وشعبنا، ولعلّ هذا الأمر هو ما يقلق الأعداء والخصوم؛ فيعملون على إقصاء هذا الجزء من شعبنا وتهميش دوره.
لكنّ هذا الانتشار أيضاً يحول دون إمكانية أن "يحاصَروا"؛ قد ينجحوا في مكان، لكنّهم سيفشلون في كل مكان! فإن حاصروا شعبنا خلف حواجز الضفّة وفي مقاطعة رام الله وأقفلوا معبر رفح وعزلوه خلف الجدار العنصري ... فلن يستطيعوا حصار العالم!
كما أنّ هذا الانتشار منحنا أفقاً لا متناهياً من وسائل وأدوات العمل التي تمكّننا من خدمة قضيّتنا وشعبنا، والمبدعون من شعبنا مبثوثون في جامعات العالم ومعاهده ومؤسساته، ووصل منهم العشرات إن لم يكن المئات لبرلمانات وحكومات دولٍ كثيرة ... فهل يجوز التفريط بهذا الرصيد؟
نحن الذين نكافئ الصهاينة ومنظّماتهم ووكالاتهم العالميّة بآلياتهم ولوبياتهم، سنلاحقهم في كلّ زاوية من زوايا الأرض، سنحاربهم في الإعلام ومؤسّسات حقوق الإنسان، وفي السياسة والمنظّمات الدوليّة ... لن نترك عدوّنا يرتاح للحظة. وسنعمل لصالح شعبنا والتخفيف من همومه ومعاناته بكلّ ما أوتينا من إمكانات، وسنستفيد من إمكانات وقدرات شعبنا لصالح قضيّتنا، وسيبقى الشعار العظيم: فلسطين تجمعنا هو حادينا.
آليات الضغط:
كما قلنا؛ فإنّ طيف الأدوات والآليات لا حصر له، وهو متنوّع تنوّعَ شعبنا في الخارج، من طوكيو شرقاً إلى الآسكا غرباً! وهو قادر على الإبداع بما لا يخطر على بال؛ لكنّنا نشير لعناوين رئيسة:
1. نحن في عصر الشبكة والشبكيّة، نستثمر ذلك في إبقاء الاسم (المصطلح) موجوداً على أجندة الهمّ الوطني: "فلسطينيو الخارج"، الشتات، اللاجئون، ... أيّاً كان المصطلح؛ فمجرد وجود الاسم والمصطلح هو تكريس للحالة وتداعياتها في العالم، وتغييبه جريمة في حقّ الوطن والشعب والقضيّة. يجب ألاّ يغيب مطلقاً عن كلّ مواقع الشبكة
2. وهذا يتطلّب إطلاق العنان لمبادرات الشباب وطاقاتهم وكفاءاتهم، فهم الأقدر على التعامل مع الشبكة والشبكية وثقافتها وأدواتها. لينطلقَ شبابُنا متحرراً من شكوكنا وتخوّفاتنا وحساباتنا وأوهامنا وفصائليتنا، فلهم عصرهم الذي يعرفون أدواته ولا نعرفها. هم القادرون على إغراق الشبكة بمصطلحاتنا، وهمومنا، ومعاناتنا، وحقوقنا، وأسماء شهدائنا ومأسرانا وقرانا وبلداتنا ... هم القادرون على ملاحقة عدوّنا في الكون، كلّ الكون، بل في عقر داره ومؤسساته .. هذا الشباب حتى يحقّق ذلك وأكثر، يجب أن يؤطّر بأطر واتحادات ومؤسّسات تستوعب طاقاتهم ونشاطاتهم وإبداعاتهم.
3. إنشاء المؤسّسات التخصّصية والتشبيك بينها، وتنويعها على أوسع نطاق ممكن: جامعات، مدارس، فن، مسرح، فرق وطنيّة، تراث، رياضة، مهنيّون، مرأة، شباب، طفل .... ، فالمؤسّسات هي التي تستوعب طاقات أبنائنا وبناتنا، وهي التي تقلق أعداءنا؛ فلا تخافوا منها فالعالم يتسع للكثير منها، والدور والهدف يتطلب ما هو موجود وأكثر.
4. حراك شعبي حيث يجب أن نُسمِع صوتَنا للطرف الآخر بكل أطيافه، الوطني والعربي والعالمي، ونخصّ هنا المؤسّسات التي تدّعي تمثيلنا! يجب أنْ نعرف أماكن سفاراتنا، ومَنْ هم سفراؤنا؟ وماذا يعملون لأجل شعبنا وقضيّتنا (غير التقارير الأمنيّة عن أبنائنا)؟ يجب أن يتذكروا أنهم سفراء شعب وقضية ووطن، وليسوا فقط عمداء للسّلك الدبلوماسي لأقدميّتهم!
5. وأخيراً؛ فهذا المؤتمر بهذه الحشود الكريمة العظيمة من أبناء شعبنا، خير مثال على إمكانية الحراك الشعبي، عند تحديد الهدف والبوصلة؛ فما إن أطلقنا أنّ فلسطين تجمعنا حتى بادر شعبنا من خمسين دولة يقولون: نحن جاهزون! ونحن بدورنا نقول: دعونا فاستجبتم، فأيدينا بأيديكم لننطلق بلحظة تاريخيّة نحو التحرير!
ومبتدأ الكلام وخيره وآخره:
"وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً" (الأنفال - 100).