أعلن صندوق النقد الدولي في 21 شباط/ فبراير 2017 عن عقد المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي أولى مناقشاته الرسمية حول الصيرفة الإسلامية في 3 شباط/ فبراير 2017، واعتمد مجموعة من المقترحات حول الدور الذي ينبغي أن يؤديه الصندوق في هذا المجال.
وتأتي هذه المقترحات ودواعي اعتمادها ضمن تقرير أعده خبراء الصندوق بعنوان "ضمان الاستقرار المالي في البلدان التي تُمارَس فيها الصيرفة الإسلامية" والدراسة المصاحبة التي تضم دراسات حالة قُطْرِية. وقد جاء في مقدمة هذه الاقتراحات تعزيز مشاركة الصندوق في معالجة قضايا الصيرفة الإسلامية والانعكاسات ذات الصلة على الاستقرار المالي، وأبرزت تلك المقترحات أهمية الحاجة لإرساء بيئة تشجع الاستقرار المالي في سياق الصيرفة الإسلامية وتدعم تطورها بصورة سليمة، وهو ما يشمل وضع أطر قانونية واحترازية وأطر لشبكات الأمان المالي ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وإدارة السيولة.
ويعد اجتماع المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي بذات الخصوص اجتماعا هاما ومتقدما نحو الصيرفة الإسلامية، بعد أن اقتصر دور الصندوق لنحو عشرين عاما على تقديم المشورة الفنية للبلدان الأعضاء بشأن قضايا الصيرفة الإسلامية حسب الحاجة، والتعاون مع المؤسسات الإسلامية المهتمة بوضع معايير للعمل المصرفي والمالي الإسلامي كهيئة المحاسبة والمراجعة بالبحرين وغيرها، وممارسات الصندوق الرقابية وما ارتبط بذلك من توسع مشورة الصندوق بشأن السياسات وتنمية القدرات لذلك النشاط دوليا في إطار توسعه وزيادة الطلب عليه.
وقد كشفت بيانات صندوق النقد الدولي عن أن أصول المصارف الإسلامية وصلت إلي 1.5 تريليون دولار علي مستوى العالم، في العام 2016م، وهي تمثل نسبة ضئيلة من الأصول المالية العالمية، وقد بلغ عدد الدول التي تمارس فيها الصيرفة الإسلامية 60 بلدا، منها 14 بلدا في الشرق الأوسط وآسيا تمثل فيها اصول الصيرفة الإسلامية أكثر من 15? من مجموع الأصول.
وفي ذات الاتجاه وفي نفس اليوم 21 شباط/ فبراير 2017 الإسلامي أصدرت مجموعة البنك الدولي والبنك الإسلامي للتنمية أول تقرير عالمي عن التمويل الإسلامي وقد تناول التقرير آفاق صناعة التمويل الإسلامي العالمي والإمكانيات التي يمتلكها للمساعدة في الحد من التفاوت في مستويات الدخل في جميع أنحاء العالم، وتعزيز الرخاء المشترك، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وقدم التقرير، الذي صدر بعنوان فرعي "حافز لتحقيق الرخاء المشترك” عرضا عاما عن اتجاهات التمويل الإسلامي، وحدد التحديات الرئيسة التي تعوق نمو هذه الصناعة، ووصي بإجراءات تدخلية على صعيد السياسات للاستفادة من التمويل الإسلامي بغية تشجيع الرخاء المشترك.
وقد كشف هذا التقرير عن قدرة التمويل الإسلامي على زيادة استقرار القطاع المالي، وجذب للنظام المالي الرسمي أناسا مستبعدين منه حاليا لأسباب ثقافية أو دينية. كما أشار التقرير إلى أنه خلافا للتمويل التقليدي، يقوم التمويل الإسلامي على التمويل الذي يشارك في تحمل المخاطر والتمويل بضمان الأصول. وبإسناد الملكية المباشرة إلى الأفراد في القطاع الحقيقي من الاقتصاد، فإنه يقلص عزوفهم عن المخاطر.
كما تطرق التقرير كذلك إلى إن نقطة بالغة الأهمية حيث ذكر أن صناعة التمويل الإسلامي في حاجة إلى التوسع خارج نطاق المعاملات البنكية التي تهيمن حاليا على التمويل الإسلامي وتشكل أكثر من ثلاثة أرباع مكونات هذه الصناعة. وفي الوقت نفسه أوصى التقرير بتوفير مناخ تنظيمي وإشرافي ملائم يتصدى لمخاطر النظام المالي بين البلدان المختلفة؛ وطرح منتجات وخدمات مبتكرة للمشاركة في تحمل المخاطر، بدلا من محاكاة المنتجات التقليدية التي تلقي بالمخاطر على أطراف أخرى؛ وتوحيد قواعد وأحكام الشريعة المتعلقة بالتمويل الإسلامي في جميع البلاد؛ وتعزيز سبل الحصول على التمويل الإسلامي؛ وتدعيم رأس المال البشري للتمويل الإسلامي والتوعية به. كما دعا التقرير لتدعيم التنمية من خلال أسواق رأس المال الإسلامي لقدرتها على أن توفر الفرص لبناء الأصول، من خلال التمويل القائم على أسهم رأس المال والأصول مبرزا أهمية أسواق الصكوك لاسيما الصكوك السيادية لتمويل البنية الأساسية وتشجيع ريادة الأعمال.
كما لم يغفل التقرير أهمية المؤسسات المالية غير البنكية مطالبا واضعي السياسات بأن يعطوا الأولوية لتطوير تلك المؤسسات التي تعاني حاليا من عدم التطور وعدم الاستغلال الكامل كالتأمين التكافلي. وأشار التقرير كذلك إلى أن استخدام التمويل الاجتماعي الإسلامي يمكن أن يخفف حدة الفقر ويخلق شبكة أمان اجتماعي لمن يعيشون في فقر مدقع، وأوصي التقرير بإنشاء نظم حوكمة لدعم العمل المنظم لقطاع التمويل الاجتماعي الإسلامي.
ورغم تحفظنا على سياسة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في استعمار الدول من خلال القروض، ولكن المحلل لمجمل تلك التقارير يجد تشخيصا واقعيا لما عليه العمل المصرفي والمالي الإسلامي واعترافا بقيمته والدعوة لتطويره بما يحقق مقاصد ذلك التمويل بعيدا عن الركون للتقليد للتمويل التقليدي والوقوع في دائرة الحيل المفضية للحرام أو ما يمكن تسميته بالهندسة المالية الشيطانية.
كما أن الدعوة للتوسع خارج نطاق المعاملات البنكية هو شيء محمود ومطلوب. كما أن الدعوة كذلك للاهتمام بالتمويل الخيري هو إقرار بأهمية دور العمل الخيري في معالجة أزمات الأمة من فقر وجهل ومرض. فبقدر الاهتمام بالأنشطة الربحية ينبغي الاهتمام أيضا بالأنشطة غير الربحية فهي عامل تنشيط وتحفيز للاقتصاد فضلا عن أبعادها الاجتماعية الفعالة.
إن من عظمة النظام الاقتصادي الإسلامي أنه يملك من وسائل التمويل المتنوعة والمتجددة من التمويل الخيري والتمويل بالمعاوضة والتمويل بالمشاركة ما لا يوجد في غيره، وهو ما يوسع من مساحة الحركة التمويلية، ويلبي متطلبات الأنشطة والقطاعات الاقتصادية والخيرية. كما أن التمويل الإسلامي لا مكان فيه للشريك النائم ولا ضمان العائد بل قوامه المشاركة في الغنم بالغرم، والعائد بالمخاطرة، وهو ما يصب في نهاية المطاف في تحقيق العدل بين الأطراف، وحسن تخصيص الموارد في المجتمعات.