أقرت
الجزائر قانون موازنة لسنة 2017، مثيرا للجدل وصف بالتقشفي، وتضمن ضرائب ورسوما جديدة وتقليص أموال الدعم الموجهة للصحة والإسكان ومواد استهلاكية أساسية، مثل: البنزين، ودقيق الخبز، والزيوت الغذائية، في محاولة لتقليل حدة عجز الموازنة.
وكغيرها من الدول المنتجة للنفط، تبحث الجزائر عن إيرادات مالية متنوعة بعد هبوط أسعار
النفط الخام بنسبة جاوزت 60% مقارنة بما كانت عليه منتصف 2014.
ورافق قانون الموازنة العامة للسنة المالية الجديدة التي تبدأ مع بداية العام وتنتهي بنهايته، زيادات في الضرائب على الوقود والمنتجات البترولية وتعبئة رصيد المكالمات للهاتف الجوال والإنترنت الجوال من الجيلين الثالث والرابع، والأجهزة الكهرومنزلية، والسجائر والتبغ بصفة عامة.
إقرأ أيضا: تقارير غربية: الجزائر على حافة الانهيار بسبب "حاكم ديكتاتوري"
ولأول مرة منذ سنوات تتجاوز نسبة
الجباية العادية المتوقعة للعام الجاري من ضرائب ورسوم، في قانون الموازنة الجزائري، الجباية النفطية التي ظلت لعقود أهم مساهم في الموازنة العامة للبلاد.
ووفق الأرقام الرسمية لقانون الموازنة الجزائرية للعام الجاري، فإن نسبة الجباية العادية من ضرائب ورسوم بلغت 50.49% من الإيرادات، ما يعادل 2845.37 مليار دينار (نحو 25.8 مليار دولار)، في حين كانت نسبة الجباية البترولية 39.04% ما يعادل 2200 مليار دينار (قرابة 19.8 مليار دولار).
وتضمنت الموازنة إيرادات بنحو 51 مليار دولار، ما يمثل زيادة تناهز 13% مقارنة بسنة 2016، في حين بلغت النفقات 62 مليار دولار، منها 14 مليار دولار لدعم أسعار المواد الاستهلاكية والسكن والصحة.
وقبيل عرض المشروع على غرفتي البرلمان، قال رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال في تصريحات صحفية، خلال أيلول/ سبتمبر الماضي، إن قانون الموازنة العامة سيتضمن تعديلات على نظام الضرائب والرسوم، لكنها لن تمس القدرة الشرائية للمواطن.
وأعلنت السلطات الجزائرية عن نموذج اقتصادي جديد يستمر ثلاث سنوات (ينتهي عام 2019)، يهدف إلى التحرر تدريجيا من تبعية اقتصاد البلاد المفرطة للنفط، وتسقيف للنفقات العمومية في حدود 68 مليار دولار سنويا بحد أقصى، ودعم القطاع المنتج خارج النفط.
ويرى الخبير
الاقتصادي ورئيس جمعية "الجزائر استشارات للتصدير" (مستقلة) إسماعيل لالماس، أن تساؤلات عديدة تطرح عن المقاربة التي اعتمدتها الحكومة في ما يخص الاعتماد على الضرائب لتقليص عجز الموازنة.
وذكر لالماس، أن التساؤل الأول الذي يتبادر للذهن هو: كيف يتأتى للحكومة أن تفرض ضرائب أكثر على اقتصاد عاطل في الأصل؟
وزاد: "البلدان تلجأ عادة لمواجهة هذا النوع من الأزمات، بحلول تقنية واتخاذ إجراءات مباشرة، على غرار التحكم في ميزانية التسيير وتغير أساليب إدارة الأموال العامة، وتنظيم الواردات وعقلنة مبالغ التحويلات الاجتماعية (أموال الدعم الاجتماعي).
وأشار إلى أن الظرف الذي تمر به البلاد، كان يستوجب تحسين مناخ الأعمال عن طريق المزيد من التسهيلات في مجال الاستثمار وتخفيف الضغط الجبائي والضريبي لخلق استثمار أكثر.
وتقدمت الجزائر سبع مراتب في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال 2017 الصادر عن مجموعة البنك الدولي، إلى المركز 156 عالميا مقارنة مع 163 في تقرير 2016، من أصل 190 اقتصادا حول العالم.
وقال الخبير الاقتصادي، إن هذه الضرائب والرسوم ستؤثر سلبا على القدرة الشرائية للجزائريين، "والتي هي كما هو معلوم محرك أساسي للاستهلاك والنمو".
ونوه إلى أن "الاستمرار في السياسة الحالية، سيدفع إلى مواصلة اللجوء نحو تعويم العملة (الدينار)، ما سينجم عنه تزايد في نسبة التضخم وستبحث البنوك عن رفع قيمة الفائدة ما يعني استثمارا أقل أيضا".
وتعاني الجزائر منذ عامين ونصف من أزمة اقتصادية جراء تراجع مداخيل البلاد من النقد الأجنبي بسبب انهيار أسعار النفط، وتقول السلطات إنها فقدت أكثر من نصف مداخيلها التي تراجعت من 60 مليار دولار عام 2014، إلى 27.5 مليار دولار نهاية 2016.
في المقابل، الخبير وأستاذ الاقتصاد بجامعة البليدة الحكومية (60 كيلومترا جنوبي العاصمة) كمال رزيق، يرى أن الحكومة كانت في مفترق الطرق بحلين أحلاهما مر، لذلك اختارت الحل الأقل ضررا.
وقال رزيق، إن الحكومة اختارت أسلوب الضرائب غير المباشرة بزيادات طفيفة، يدفعها المستهلك النهائي، دون المساس بالقطاع الاقتصادي الذي بالعكس استفاد من تسهيلات ضريبية.
وزاد أن "الحكومة كانت بصدد البحث عن موارد مالية جديدة من أجل مجابهة في العجز الموازنة، واختارت هذا الأسلوب ورفضت فرض ضرائب مباشرة".
ووفق كمال رزيق، فالأسلوب الذي لجأت إليه الحكومة هو الضغط على جيوب الفئات البسيطة، وزيادة الضرائب غبر المباشرة، على غرار الرسم على القيمة المضافة، والرسم على الاستهلاك الداخلي ورسوم على المنتجات البترولية ومشتقاتها، وكل ما يتعلق بالكحول والتبغ.
"لو كانت الزيادات مفروضة على الشركات والمستثمرين، فسيكون لهذا الإجراء نتائج منفرة للاستثمار في البلاد"، كما يقول الخبير الجزائري.
وبحسب رزيق، فإن "الحكومة لم تقم فقط بتجنيب القطاع الاقتصادي ضغط ضرائب جديدة، وزيادات في الرسوم، وإنما أقرت إجراءات تحفيزية لتطهير مناخ الأعمال أكثر، وهو قرار ستكون له بعد سنوات انعكاسات إيجابية على اقتصاد البلاد".