ذكر تقرير لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان الفرنسي أن دول المغرب العربي تشهد تجارب وطنية متنوعة، من بينها التجربة
التونسية التي اختارت تحالفا بين نقيضين تاريخيين، جمع التيارين السياسيين الأهم في البلاد.
ورصد التقرير، الذي ورد في 197 صفحة كحصيلة لعمل دام 9 أشهر حول موضوع آفاق التعاون الأوروبي مع دول المغرب العربي، أهم التحوّلات السياسية والاجتماعية التي شهدتها دول المنطقة في السنوات الأخيرة.
النهضة التونسية القوة السياسية الأبرز في البلاد
واعتبر تقرير اللجنة الذي تحصّل "
عربي21" على نُسخة منه، أن حزب حركة النهضة يعتبر اليوم القوة السياسية الأولى في البلاد، خاصة مع تحوّله بداية من سنة 2016، إلى الحزب صاحبة الكتلة البرلمانية الأكبر، نتيجة التّصدّعات التي شهدها حزب نداء تونس.
ونوّه التقرير بما أسماه "قدرة هذا الحزب الإسلامي على المُشاركة بطريقة سلمية في اللعبة الديمقراطية في مناخ تعدّدي"، مُؤكّدا على أن النهضة حليف لا غنى عنه لتمرير الإصلاحات التي تحتاجها البلاد.
وأشار ذات المصدر إلى أن النهضة هي القوة السياسية الأكثر تنظيما و انضباطا في تونس، والأكثر تواجدا على المُستوى المحلي وخاصة في الجهات المُهمّشة، على عكس نداء تونس الذي يعاني من التفتت كنتيجة للصراعات الدّاخلية التي يعيشها.
إشادة بمهارات الغنوشي "التكتيكية"
وأشاد تقرير لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان الفرنسي بما أسماه "المهارات التكتيكية" لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي.
وقال التقرير إن الغنوشي التزم منذ شباط/فبراير 2011 بخطاب مُعتدل مُساند للخيار الدّيمقراطي، بالإضافة لقيادته لعملية التّحديث والتطوير الفكري التي شهدتها حركته، والتي لا يزال الوقت مُبكّرا لتحديد تأثيراتها، وفق تعبير اللجنة.
واعتبر التقرير أن التحوّلات التي شهدتها حركة النهضة تعود للفشل السياسي لحركة الإخوان المُسلمين في مصر، والانتقادات التي تعرّضت لها أثناء تجربتها في الحكم سنتي 2011 و2012، والتي تم اتهامها في ذلك الوقت بأنها تجر البلاد نحو حالة استقطاب حادّة كانت تهدّد باندلاع العنف في البلاد.
النهضة لم تخرج من دائرة الإسلام السياسي
وقال التقرير إن حركة النّهضة، إثر مُؤتمرها العاشر الذي انعقد في أواخر شهر مايو/أيار 2016، قررت المضي نحو خيار جديد يتمثّل في التخصص في العمل السياسي.
واعتبرت اللجنة أن النهضة لم تخرج من جبة الإسلام السياسي، بل عدّلت في فكرها بهدف الاهتمام بالسياسة، مُقابل "ترك الوظيفة الدعوية لمنظّمة أخرى من خارج الحزب".
وذكر التقرير أن النهضة تعبر بكل وضوح عن مُساندتها المُطلقة للحرب التي تخوضها الدّولة التونسية ضد تنظيم داعش، وكل أنواع التطرف والإرهاب.
وأشار التقرير إلى أن توجه حزب النهضة نحو التخلي عن أسلوب "الإسلام الاحتجاجي" والانخراط بشكل كلي في الديمقراطية التعددية، لا يحظى بالإجماع داخل الحزب، مُؤكّدا أن امتحان السّلطة يقتضي إدخال تعديلات على صورته وبعض مواقفه، وهو ما يُمكن أن يُؤدّي للانقسام وتراجع مستوى التضامن داخل الحزب.
النهضة تعلّق
وفي تعليقه على مُحتوى التقرير فيما يتعلّق بحركة النّهضة، أكّد عضو المكتب التنفيذي ورئيس لجنة الإعداد المضموني للمؤتمر العاشر في حركة النهضة، رضا إدريس، إن مُصطلح الإسلام السياسي برز في منتصف الثمانينات واستعمله بعض المُستشرقين الدارسين للعالم الإسلامي، وإنه لا يُعرّف ولا يختزل بشكل دقيق تجربة حركة النهضة.
وأضاف في تصريح ل"
عربي21"، أن إدارج النهضة ضمن ما يُسمّى بالإسلام السياسي وفق مفهوم تحدّد في ثمانينات القرن الماضي وأصبح آلية في الفهم والتحليل والتصنيف، لا يستوفي مسارها وتاريخها وتجربتها ولا يتلاءم مع ما تعرّف به نفسها، وفق تعبيره.
وقال إدريس إن الوضع الجديد الذي أتت به الثورة من انفتاح وحريات تكرّست في دستور البلاد، دفع النّهضة للتّخصّص في العمل السياسي باعتبار أن طبيعة النشاط الشامل الذي يشمل أغلب محاور الشأن العام من عمل ثقافي ودعوي ونقابي وغيره كانت نتيجة لتضييق النّظام في زمن الدّكتاتورية على فضاءات الفعل المُواطني، وهو ما عرفته كل الأحزاب بمشاربها الفكرية المُختلفة.
وتابع: "مُؤتمر النّهضة العاشر أتى بعد تضمين الحريات العامّة والفردية، ولذلك تبنى العمل السياسي دون غيره، بمعنى أن الاهتمامات الأخرى السابقة ذات الطابع المُجتمعي ثقافية أو دعوية وغيرها لم تعد من اهتمامات الحزب وخرجت نهائيا من دائرة أنشطته".
وأكّد إدريس أنه لا توجد جمعيات أو منظّمات تنتمي للنهضة باعتبار المنع القانوني الذي يحجر إنشاء جمعيات تتبع الأحزاب، بالإضافة إلى أن قناعة حركة النّهضة ترفض أن يكون المجتمع المدني تابعا للأحزاب وغير حر ومستقل. مُضيفا: "لا يُمكن تصوّر أن الأمر الذي تتخلّى عليه النهضة من جهة، تتبناه من جهة أخرى"