"تم".. كلمة يستخدمها الأردنيون في أحاديثهم، ويعنون بها أن المطلوب تم تنفيذه. وأصبحت هذه الكلمة "شيفرة" يستخدمها مقاطعو السلع مرتفعة السعر، لإعلان تضامنهم ومشاركتهم في
المقاطعة.
وغزت هذه الكلمة شبكات التواصل الاجتماعي؛ بعدما أطلق أردنيون عبر الأسابيع الماضية، حملات "مليونية" تدعو إلى مواجهة قرارات اقتصادية لحكومة هاني الملقي؛ تضمنت رفع أسعار سلع وخدمات.
وبعد حذف السلطات الأردنية لصفحة "المقاطعة الأردنية" في موقع "فيسبوك" التي جمعت مليونا و300 ألف عضو، بعد يوم من إيقاف منشئها الناشط عصام الزبن، من قبل المخابرات العامة لمدة أسبوع ليفرج عنه الثلاثاء؛ أطلق أردنيون صفحة جديدة تحت عنوان "الحملة الوطنية للمقاطعة.. عز وكرامة" جمعت أكثر من 32 ألف عضو، وهي تدعو لمقاطعة
المحروقات من خلال إيقاف المركبات من مساء الخميس حتى صباح الأحد.
وعلّق الناشط هشام الحيصة على مركبته الخاصة؛ لوحة تؤكد مشاركته في حملة "صف سيارتك"، وقال لـ"
عربي21" إنه "بعد شعور المواطن بأن
الحكومة تستهدف جيبه بشكل مباشر، وتعتبره الملجأ الآمن لسد عجز الموازنة؛ لم يجد سلاحا للتصدي لهذه القرارات بعد خفوت
الحراك لأسباب إقليمية؛ سوى المقاطعة".
واعتبر الحيصة أن المقاطعة "شكلت قلقا للحكومة، ولرأس المال المتحالف معها؛ بعد أن أصبحت هذه الحملات العفوية تتطور إلى ثقافة مجتمع، وربما تتحول إلى عصيان مدني في لحظة من اللحظات، وخصوصا في ظل مشاركة فئات صامتة من المجتمع للتخفيف من الضغط على المواطنين".
وتأتي الإجراءات الحكومية الاقتصادية بهدف تحصيل 450 مليون دينار أردني كإيرادات ضريبية لسد جزء من العجز في موازنة 2017، والذي بلغ نحو 827 مليون دينار (نحو 1.1 مليار دولار).
وقررت الحكومة الأردنية رفع الضريبة على البنزين بنوعيه 90 و95 بمقدار سبعة قروش، ورفع رسوم إصدار جواز السفر من 20 دينارا إلى 30، ورفع ضريبة المبيعات والرسوم الجمركية على العديد من المواد، وفرض ضريبة 10 بالمئة على المشروبات الغازية، وفرض ضربية على خدمات الإنترنت من 8 إلى 16 بالمئة، إضافة إلى رفع الضريبة الخاصة على الخدمات الخلوية لتصل إلى 26 بالمئة.
الحكومة تفاجأت بحجم المقاطعة
من جهته؛ قال العضو السابق في اللجنة المالية والاقتصادية بحزب جبهة العمل الإسلامي، النائب الأسبق جعفر الحوراني، إن "الحكومة توغلت على المواطنين في ظل غياب حراك في الشارع، ورفعت الأسعار بنسب كبيرة، ووصل المواطن إلى درجة من اليأس، وهذا ما يفسر حجم المشاركة الكبير في حملات المقاطعة من قبل المواطنين".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "الحكومة تفاجأت بحجم المقاطعة، وأتمنى على الملك والحكومة أن يقرأا الرسالة بأن المواطن وصل إلى مرحلة حياة أو موت، وحتى الطبقة المتوسطة لم تعد تستطيع توفير الضروريات".
ووصف الحوراني الاقتصاد الأردني بـ"المفلس"، ووضع عددا من الحلول للمشكلة الاقتصادية في الأردن؛ أبرزها "اللجوء للخامات في باطن الأرض، واستخراج المعادن؛ من فوسفات ونحاس ويورانيوم وغيرها، من خلال إعادة خبراء الأردن المنتشرين في دول الخليج؛ العاملين في هذا الحقل".
ولاحظ مراقبون تغير الخطاب الحكومي تجاه المقاطعة بالكامل، فبعد إعلان الأردنيين مقاطعة البيض والبطاطا قبل أسابيع؛ خرج وزير الدولة لشؤون الإعلام محمد المومني في 26 كانون الثاني/ يناير، ليصف المقاطعة عبر التلفزيون الأردني بـ"السلوك الحضاري الديمقراطي المتبع في دول عديدة".
وبعد مشاركة مئات آلاف المواطنين في حملة "سكر خطك" لمقاطعة الاتصالات؛ عاد المومني ليهاجم المقاطعة الخميس الماضي عبر التلفزيون الأردني، ويقول إن "بعض حملات المقاطعة خرجت عن أهدافها، وكانت هناك حملات سياسية، وكان هناك خروج عن القانون، وتطاول أخرج هذه الحملات عن سياقها الاقتصادي، وهذا غير مقبول ومسيء، ولا يخدم مصلحة أي كان".
وفسر الحوراني هذا التغير في الخطاب الحكومي، وحملة الاعتقالات في صفوف المقاطعين؛ بأن "الحكومة تفاجأت بهذا التأييد الواسع للمقاطعة، ما أرعبها" على حد تعبيره.
هل نجحت المقاطعة؟
لكن؛ هل آتت المقاطعة أكلها؟ أجاب الناطق باسم جمعية حماية المستهلك الأردنية، سهم العبادي، بالقول إن "النتائج على أرض الواقع كانت واضحة للعيان"، مؤكدا أن "الجمعية رصدت تراجع حجم المبيعات لمادة البيض بعد حملة المقاطعة، ما أجبر موزعي بيض على تخفيض الأسعار خوفا من كساد البضاعة".
وقال لـ"
عربي21" إنه "لا رقابة على الأسواق من قبل وزارة الصناعة والتجارة، التي تكتفي فقط بإعلان السعر مهما كان الهامش الربحي مرتفعا، بالرغم من تآكل الدخول بسبب الارتفاعات المتلاحقة وفرض الرسوم، ما دفع الناس للتكاتف والمشاركة في حملات المقاطعة بأعداد مهولة".
ودعا العبادي إلى "وضع ضوابط تشريعية وقانونية في تعاملات التجار مع المواطنين، وتحديد هوامش الربح، وتفعيل المادة السابعة من قانون الصناعة والتجارة التي تمنح وزير الصناعة والتجارة صلاحية تحديد أسعار السلع الأساسية في حال ارتفاعها"، مطالبا المواطن بـ"ترشيد استهلاك المحروقات والاتصالات".
وبات المقاطعون في الأردن يطلقون على أنفسهم "عشيرة التماتمة" اشتقاقا من كلمة "تم"، في محاولة لخلق أداة ضغط فاعلة على الحكومة، بعدما فقدوا أدوات الضغط من مجالس نيابية فاعلة؛ تمثل حالة تشريعية ورقابية، وفي ظل غياب حراك حزبي وسياسي معارض، ويراهن المقاطعون على وعي المواطن الأردني في مواجهة مسلسل ارتفاع الأسعار الذي تبدأ حلقاته مع كل اتفاق تبرمه الحكومة مع صندوق النقد الدولي.