نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية مايكل هايدن، يعلق فيه على الأمر التنفيذي الذي وقعه الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب، بخصوص الهجرة.
ويقول هايدن في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إن "هذا الأمر التنفيذي غير مدروس وسيئ التنفيذ، ولم يتم توضيحه بشكل جيد، والواقع أن
توضيحه مسألة صعبة؛ لأنه ليس من إنتاج مسؤولين أمنيين واستخباراتيين مهنيين يطالبون بالتغيير، لكنه نتاج شخصيات سياسية قريبة من الرئيس، تريد الوفاء بوعد له خلال حملته الانتخابية للتعامل مع تهديد بالغوا جدا في حجمه".
ويضيف الكاتب: "لقد سمعت من الكثير من المهنيين الاستخباراتيين الذين سيعيشون مع نتائج الحظر، فأشاروا إلى أن ستة بلدان من السبعة التي فرض عليها الحظر، (بعد استثناء إيران) تعاني من أوضاع سيئة وتشظ، وحيث المصادر البشرية (يقصد الجواسيس) ضرورية لهزيمة التهديدات لأمريكا".
ويتابع هايدن قائلا إن "من المفارقات التي أشاروا إليها، هو أن الأمر التنفيذي يقوض الثقة مع تلك المصادر بالذات، التي وعدت دائما بالحماية.. تلك المصادر التي غامرت بالكثير، وربما كل شيء؛ للحفاظ على أمن الأمريكيين".
ويعلق الكاتب قائلا: "أنا أستطيع تفهم قلقهم، فكنت أذكر الضباط الخريجين، بصفتي مديرا للوكالة، بأنهم عندما يجندون مصدرا للمعلومات فغالبا ما سيكون الواحد منهم هو الوجه الأمريكي الوحيد الذي يراه ذلك المصدر، وأنهم في عملية التجنيد فإنهم يتولون مسؤولية أخلاقية دائمة وضخمة لسلامة المصدر وعائلته، حيث كان الضباط العاملون في ذلك الحقل يعتقدون أنهم مخولون بمنح ثقة الشعب الأمريكي ودعمه لتلك المهمة، لكنهم يقولون الآن إن تلك الوعود تآكلت".
ويقول هايدن: "سيعترض البعض، على الأقل من ناحية فنية، قائلا إن ذلك ليس هو الواقع، وإن الحظر مؤقت ويمكن الاستثناء منه، لكن، كما ذكر لي مدير سابق لإحدى محطات الوكالة، فإن الإشاعات والهمسات والثرثرة التآمرية هي ما يحكم حياة الناس في المناطق التي يعمل فيها ضباط الاستخبارات، ولا يحتاج الشخص للمعاناة من جنون العظمة ليربط بين الأمر التنفيذي ولغة الكراهية المعادية للإسلام خلال الحملة الانتخابية، وفي الشرق الأوسط وثقافته القائمة على الشرف، فإنه من الأسهل تجنيد شخص في وقت توجه فيه بنادقنا لهم من تجنيده في وقت تتم فيه إهانة مجتمعه بالكامل".
ويضيف الكاتب: "ذكرني مدير المحطة بأن الموقف الأساسي للمخابرات تجاه مصادر المعلومات هو: (نرحب بك ونقدرك، مجتمعنا يحترمك أكثر مما يفعل مجتمعك)، وهو يخشى أن تلك الرسالة الأمريكية التي كانت قوية يوما ما لم تعد كذلك".
ويؤكد هايدن أن "الصورة المبسطة لأمريكا لم تضرها أيضا، وقال مدير المحطة أن أحد أساسيات عمله كان بيع الحلم الأمريكي، وقال إن الروس (عانوا من هذا الموضوع، في الوقت الذي كان فيه الأمر سهلا بالنسبة لنا، كثير من أهداف الاستخبارات، مسؤولين وشخصيات عسكرية وثوار أفارقة وقيادات قبلية، كانوا ضد سياساتنا وتدخلاتنا وأمور كثيرة.. لكنهم يحبون أمريكا، كانت الفكرة عنها بأنها مكان له خصوصية، لم يريدوا بالضرورة الذهاب إليه، لكنه مكان في مخيلتهم حيث سيشعرون بالترحاب)".
ويقول الكاتب: "أنا ومدير المحطة نعرف البطل
العراقي والأمريكي محمد الشهواني، حمل الشهواني العلم العراقي في أولمبياد 1960 في روما، ثم أصبح بطلا للحرب بصفته قائدا لوحدة القوات الخاصة في الحرب ضد إيران، وتنامت شعبيته لدرجة أن صدام حسين رأى فيه تهديدا له، فكان على الشهواني الفرار بحياته".
ويشير هايدن إلى أن "الشهواني استقر في ليسبيرغ في فرجينيا، ومن هناك أقنعته أمريكا بالعودة إلى العراق بعد الغزو؛ لإعادة إنشاء المخابرات العراقية في مرحلة ما بعد صدام حسين، وأنشأ الشهواني، السني، جهاز مخابرات غير طائفي، كان يوثق به وشريك مهني لوكالة الاستخبارات المركزية والقوات الأمريكية، ولكونه ليس طائفيا بما فيه الكفاية، قام رئيس الوزراء نوري المالكي أخيرا بفصله بعد تضاؤل النفوذ الأمريكي".
ويلفت الكاتب إلى أن "الشهواني تصرف بصفته وطنيا عراقيا، وأيضا لأن أمريكا رحبت به واستضافته، واعتقد بأنه سيرحب به ثانية.. بالطبع فإن أي شخص من عائلة الشهواني، الذين لا يزالون في العراق، ممنوع من زيارة أمريكا اليوم".
ويتساءل مدير المحطة قائلا: "كيف يمكنك أن تنظر في وجهه هذه الأيام وتعده بأننا سنعتني به وبالرجال الذين يتبعونه؟ وماذا تقول له ليقول لرجاله؟ سنهتم بهم بغض النظر عن أي شيء؟ بأن رئيسنا معهم كتفه تسند كتفهم؟".
ويعلق هايدن قائلا: "كلها أسئلة مهمة، فنحن في حرب في العراق اليوم، وبحاجة ماسة إلى شركاء على شاكلة الشهواني".
ويجد الكاتب أن "هذه الآثار لن تمر بسرعة، وهذه ليست مجتمعات قائمة على الصفقات قصيرة الأمد، والإهانات لا تختفي بسهولة، والشرف ينتظر بصبر للإشباع، وسينتهي الأمر بنا للاعتماد على الضعفاء والبخلاء الذين يوافقون على صفقة لأجل المال فقط، وهم أسوأ أنواع مصادر المعلومات".
ويختم هايدن مقاله بالقول: "هذه رسالة للمفكرين الأيديولوجيين الصارمين الذين خلقوا هذا الوضع كلهم، سيعمل ضباط وكالة الاستخبارات المركزية ما بوسعهم للتعامل مع العبء غير الضروري الذي حملتموهم إياه، لكن في المستقبل يمكن أن تفكروا في استشارتهم أولا قبل أن تتسرعوا باتخاذ أي قرارات".