نشرت صحيفة "تسايت" الألمانية تقريرا، انتقدت فيه قرار الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب الذي استهدف
المسلمين واللاجئين السوريين ومنعهم من الدخول للولايات المتحدة الأمريكية.
لكن الصحيفة تقول إنه رغم أن
أوروبا لم تتخذ قرارا مماثلا، إلا أنها ليست أفضل حالا من الولايات المتحدة؛ نظرا لأنها تسعى منذ فترة لغلق الأبواب أمام
اللاجئين العرب والمسلمين، متنكرة بذلك للواجب الأخلاقي والقانوني الذي يفرض عليها استقبالهم، وفق الصحيفة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن آلية توزيع السلطات التي يتميز به النظام السياسي في الولايات المتحدة قد نجحت في خلق حالة من الاستقرار والتوازن وتغيير الوضع نسبيا، فقرار ترامب القاضي بمنع قدوم المسلمين من سبع دول تم تعليقه. في المقابل، يجب أن لا ننسى أن أوروبا أيضا تتبع سياسات مشابهة في حق المسلمين واللاجئين.
وأضافت الصحيفة أنه إثر صدور قرارات ترامبا لتي اتسمت بالأساس بالرعونة والتطرف خلال أول أسبوعين من تنصيبه، ظهر سؤال ملح حول "من يستطيع إيقاف ترامب"؟ وخلال هذا الأسبوع بدا جليا للعيان من الذي قد يتولى هذه المهمة. فقد أصدر قاض في مدينة سياتل، جيمس روبرت، قرارا بالتعليق المؤقت لقرار منع دخول مواطني سبع دول إسلامية.
وبالنسبة لترامب الذي تجرع مرارة قراره الأرعن، فإن هذه هي أول هزيمة بالنسبة له منذ توليه السلطة. وفي الأثناء، وجدت حكومته نفسها في موقف محرج أمام ردود الفعل العالمية التي رحبت بالقرار المستقل والجريء الذي اتخذه القاضي.
واعتبرت الصحيفة أن هذا الصراع القضائي حول القرار الذي يستهدف المسلمين، يثبت أن النظام الديمقراطي الأمريكي القائم على توزيع السلطات بشكل متوازن ومراقبة السلطة التنفيذية، لا يزال نظاما فاعلا. ومن هذا المنطلق، لا يمكن أن يكون الرئيس المنتخب فوق الدستور، وحتى لو كان اسمه ترامب فلا يمكنه تجاوز صلاحيات القاضي الفيدرالي الذي وقف ضده، إذ أن المحاكم يمكنها مراجعة قرارات السلطة التنفيذية والتصدي لها.
وذكرت الصحيفة أن هنالك سلسلة طويلة من القرارات التي أمضى عليها ترامب بشكل متسرع، يُنتظر أن تمر أيضا للتدقيق والمناقشة من قبل الحكومة والبرلمان، وإلى ذلك الحين فإن كلما صدر إلى حد الآن هو بمثابة إعلان نوايا. خلافا لذلك، تعالت العديد من الأصوات داخل الكونغرس منتقدة بعض قرارات الرئيس، وبالتالي قد يضطر ترامب لتعديل أسلوبه في اتخاذ القرارات على المدى الطويل، نظرا للضغوط المسلطة عليه من قبل النواب والمجلس المدني والاحتجاجات الشعبية والقضاء.
وأوضحت الصحيفة أن الأوروبيين قد استقبلوا بكل ارتياح الحكم القضائي الذي صدر في سياتل. وفي الأثناء، غمرت العالم موجة من ردود الفعل المستنكرة والمنددة التي أعقبت قرار ترامب الذي يستهدف المسلمين، والذي يعتبر بمثابة ممارسة للعنصرية الدينية وانتهاكا لحقوق الإنسان. في المقابل، لا يمكن اعتبار أوروبا نفسها أفضل حالا من الولايات المتحدة في هذه المسألة، فرغم أن القارة العجوز لم يصدر فيها قرار صريح يمنع المسلمين من الدخول لأراضيها، إلا أنها شهدت إجراءات وسياسات تندرج ضمن هذا التوجه.
وفي هذا السياق، أكدت الصحيفة أن أغلب البلدان في الاتحاد الأوروبي (باستثناء ألمانيا، ودول الواجهة إيطاليا واليونان)، تعتمد سياسات على أرض الواقع من شأنها أن تعرقل استقبال اللاجئين من الدول العربية التي تعيش فيها أغلبية مسلمة، في حين أنها لا ترحب حتى باللاجئين القادمين من سوريا.
وأشارت الصحيفة إلى أنه، ومنذ حوالي سنة كاملة، تم تطبيق اتفاق اللاجئين بين تركيا والاتحاد الأوروبي، الذي يمنع هؤلاء بشكل كامل من دخول دول الاتحاد. وانطلق العمل مؤخرا على اتفاق مشابه مع ليبيا، التي تعاني من انهيار أركان الدولة وتفشي الفوضى، ويهدف هذا الاتفاق إلى غلق الطريق التي يسلكها أغلب اللاجئين عبر البحر الأبيض المتوسط نحو الضفة الشمالية.
وذكرت الصحيفة أن أغلب الملاحظين يعتقدون أن هذا الأمر لن يكون ممكنا بالنظر لمدى تأزم الأوضاع في ليبيا، إذ تشير المعلومات التي أفاد بها دبلوماسيون ألمانيون مطلعون، إلى أن اللاجئين الموجودين في مخيمات في ليبيا يعانون من ظروف سيئة للغاية، حيث يتعرضون هنالك لمخاطر جمة على غرار الإعدام والتعذيب والاغتصاب بشكل مستمر. ولذلك تواجه أوروبا سؤالا أخلاقيا خطيرا هو: هل يجب إبقاء اللاجئين في أوروبا أم إعادتهم إلى ليبيا؟
واعتبرت الصحيفة أن التفكير البراغماتي البغيض الذي يتبناه المتطرفون قد تغلغل داخل أوروبا، ليصل إلى الطبقة السياسية الحاكمة، فضلا عن أن هذا الداء قد أصاب أشخاصا لم يكونوا في السابق بهذا التطرف، على غرار زعيم كتلة الحزب الديمقراطي الاشتراكي في البرلمان الألماني، توماس أوبرمان.
والجدير بالذكر أن أوبرمان قد أظهر انحرافا نحو مثل هذه السياسات، حيث انضم إلى وزير الداخلية توماس دي ميزيار في نهاية الأسبوع الماضي، مساندا المقترح القاضي بإعادة اللاجئين القادمين عبر البحر الأبيض المتوسط إلى شمال إفريقيا، بدعوى أن ذلك سوف يضع حدا لعمليات تهريب البشر.
وأوردت الصحيفة، أن هذا المقترح في الحقيقة لا يتعلق بمكافحة التهريب بل هو مخطط لإثناء اللاجئين عن القدوم لأوروبا، ومنعهم من الوصول سواء بالطرق القانونية مثل التأشيرة أو غير القانونية.
وأفادت الصحيفة أن حكومة ترامب تدعي أن السماح بدخول اللاجئين لأراضيها يعتبر "منّة" وليس أمرا مستحقا، كما لو أن الرئيس الأمريكي هو واحد من مالكي الأراضي الإقطاعيين في أوروبا خلال القرون الوسطى، الذين كانوا يقررون من يُقبل ومن لا يقبل.
وأكدت الصحيفة أن حماية الفارين من الاضطهاد والحروب والخطر، ليست مبادرة نبيلة تقوم بها الدول، بل هي حق إنساني وواجب بمقتضى القانون الدولي، وهي مفروضة على الدول التي تحترم قوانين حقوق الإنسان. وعلاوة على ذلك، يجب أن تتذكر ألمانيا وكل الدول الأوروبية هذا جيدا، ولا تستحضر خاصة ماضيها بعد الحربين العالميتين، ومعاناة الأوروبيين من الأنظمة الدكتاتورية القومية والشيوعية التي سادت وقتها.