أثارت
التسريبات التي بثتها قناة "مكملين"، يوم الثلاثاء الماضي، قلقا واضحا بين مؤيدي الانقلاب في
مصر، حيث كشفت مدى "هشاشة" نظام عبد الفتاح
السيسي، بعدما ظهر رأس النظام؛ غير قادر على حماية مكالماته الهاتفية الحساسة مع أبرز مساعديه، بحسب مراقبين.
وتضمنت التسريبات مكالمات هاتفية بين وزير الخارجية سامح شكري والسيسي يستطلع فيها رأي السيسي حول موقف مصر من بعض الملفات، مثل العلاقات مع دول الخليج والولايات المتحدة والأزمة السورية.
وهذه هي المرة الأول التي يتم إذاعة تسجيلات مسربة للسيسي بعد أن تولى رئاسة الجمهورية، إذا كانت التسجيلات التي أذيعت له عامي 2013 و2014 تتناول مكالمات هاتفية له عندما كان وزيرا للدفاع.
وجاء التسجيل الأول حول مشاركة مصر في مؤتمر "لوزان" بشأن سوريا في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وفي التسجيل، يُبلغ شكري؛ السيسي بأن واشنطن طلبت منه المشاركة في المؤتمر بعد إصرار إيران على حضور مصر للمؤتمر، لكنه عبّر عن خوفه من أن يعقّد هذا الموقف العلاقات مع السعودية.
ودار التسريب الثاني حول البيان الذي أصدره وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي، رفضا لتلميح مصر بتورط قطر في تفجير الكنيسة البطرسية بالقاهرة، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بينما تناول التسريب الثالث رفض السيسي الاتصال بأمير الكويت، لشكره على جهود الوساطة التي يقوم بها بين مصر والسعودية.
وفي التسريب الرابع، تحدث شكري مع السيسي عن لقائه بويندي شيرمان، مستشارة مرشحة الرئاسة الأمريكية هيلاري كلينتون، وأشار إلى استراتيجيتها في التعامل مع مصر. أما التسريب الخامس فكان متعلقا بلقاء شكري بمايكل بنس، نائب الرئيس الجديد دونالد ترامب، وإعلانه دعم السيسي في محاربة الإرهاب.
من جهتها، رفضت وزارة الخارجية المصرية التعليق على هذه التسريبات، ولم يصدر عنها حتى الآن أي تصريح ينفي أو يؤكد صحتها.
تنشر الفزع بين الناس
وقال المحامي شوقي السيد، في تصريحات صحفية، إن إذاعة مكالمة بين شكري والسيسي تتناول ملفات سياسية ودبلوماسية يعد جريمة أمن قومي؛ من شأنها أن تؤدي إلى نشر الفوضى والفزع بين الناس، مطالبا بتعديل تشريعي يغلظ العقوبة على كل من يتورط في
اختراق خصوصية الأشخاص والتسجيل لهم بغير سلطة تحقيق أو اتهام قضائي.
أما أستاذ الاتصالات، عبد الرحمن الصاوي، فأشار إلى أن تسريب المكالمات أصبح شيئا شائعا في الآونة الأخيرة، مع انتشار وسائل الاتصال التكنولوجي وخاصة أجهزة الهواتف الذكية التي أصبح التجسس عليها سهلا جدا، من خلال برامج تجسس بعضها يمكن يتم تحميله مجانا عبر الإنترنت.
وأوضح الصاوي، في حديث لـ"
عربي21"، أن تسجيل مكالمات الشخصيات الهامة، كالرؤساء والورزاء لا يمكن لأي شخص عادي أن يقوم بها، لأن هواتف الأشخاص ذوي المناصب الحساسة تكون مؤمنة بنظام حماية متقدم، حيث يلزمها برامج وتقنيات أكثر تطورا، وتحتاج إمكانيات أجهزة مخابراتية لتنفيذها، كما قال.
ورجح الصاوي أن تكون التسريبات التي تحدث بين وقت وآخر لمسؤولين مصريين على مدى السنوات القليلة الأخيرة؛ هي من فعل أجهزة أمنية ومخابراتية، مؤكدا عدم قدرته على تحديد ما إذا كانت داخلية أم خارجية.
صراع أجهزة
من جانبه، قال الباحث السياسي، جمال عبد الجواد، إن هذه ليست المرة الأولى التي تظهر فيها تسريبات للسيسي، مضيفا: "منذ عامين ظهرت تسريبات إذاعتها قناة الجزيرة عن لقاء بالسيسي مع ضباط بالجيش، وكان واضحا أن هناك صراع أجهزة دائر، وللأسف هذا الصراع لا يزال موجودا ويظهر على فترات متباعدة".
ورأى عبد الجواد، في حديث لـ"
عربي21"، أن هذه التسريبات لا تعيب النظام بشكل كبير، بقدر ما تكشف عن وجود خلل في النظام الأمني، وتحديدا طريقة تأمين الرئيس نفسه"، كما قال.
وأكد "وجود مصالح متعارضة بين الأجهزة الأمنية، فكل جهاز يريد أن يسيطر على مناطق نفوذ خاصة به"، معتبرا أن هذا هو سبب التسريبات الأخيرة لمكالمات السيسي وشكري.
وأشار إلى أن هذه التسريبات ناتجة عن "صراع أجهزة داخل النظام، فهناك أجنحة أمنية تتصارع حتى الآن حول قضايا بعينها"، موضحا أن "الدولة المصرية ما زالت مشوشة من الداخل، وتحديدا في الشق الأمني منذ ثورة كانون الثاني/ يناير 2011".
ولفت إلى أن "هناك شروخا في الجهاز الأمني، وملفات سياسية بعينها تولتها المخابرات الحربية بعد أن كانت تتبع جهاز أمن دولة في عهد مبارك قبل إسقاطه، وهذا سبب الصراع الحادث بين الأجهزة الأمنية حاليا"، على حد قوله.
وأكد أن الخلاف بين النظام الحالي والمرشح الرئاسي السابق، أحمد شفيق، سببه الصراع بين الأجهزة الأمنية، موضحا أن "انتخابات البرلمان الأخيرة كشفت عن هذا الصراع بشكل كبير، حيث ظهر تدخل المخابرات في قوائم وأسماء مرشحي ائتلاف دعم مصر".
من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية، حسن نافعة، إن "التسريبات تظهر الدولة المصرية عارية أمام نفسها في المرآة"، مضيفا، في تصريحات صحفية، أنه "إذا كانت التسريبات تقف وراءها جهات محلية، فهذا يعني أننا أمام صراع أجهزة، وهو أمر مقلق ومخيف، وإذا كان التسريبات تمت بواسطة جهات خارجية فهذا أخطر؛ لأنه يعني أن مصر أصبحت مكشوفة تماما أمام العالم الخارجي، ولم يعد لديها أسرار، فمن يستطيع أن يسجل مكالمات الرئيس يستطيع أن يسجل لأي شخص آخر".