كتب رئيس الوزراء التركي السابق، البرفسور أحمد داود أوغلو، لموقع ميدل إيست آي البريطاني، محذرا من أن حظر السفر الذي فرضه الرئيس الأمريكي، دونالد
ترامب، هو أعظم هدية لم يكن منفذو هجمات الحادي عشر من سبتمبر ليحلموا بها.
فقد كانت الفكرة من هجمات الحادي عشر من سبتمبر، كما يقول رئيس الوزراء السابق الذي عمل أيضا وزيرا للخارجية، هي ضرب إسفين بين الشعوب وبين الأديان وبين المجتمعات وبين الحضارات.
وفي هجوم لاذع على السياسة الخارجية لإدارة ترامب التي لم يمض عليها سوى اثني عشر يوما، أضاف رئيس الوزراء التركي السابق: "سوف يكافئ هذا الحظر المفروض على المسلمين مرتكبي تلك الهجمات بهدية، لم يكن قد خطر ببالهم أن يحصلوا عليها من قبل."
ويصف داود أوغلو الحظر بأنه "مأسسة للإسلاموفوبيا بحيث تصبح سياسة حكومية لقوة عظمى".
تجدر الإشارة إلى أن البرفسور أحمد داود أوغلو، كان قد شغل منصب رئيس وزراء
تركيا من عام 2014 وحتى 2016، وشغل قبل ذلك منصب وزير خارجية تركيا من عام 2009 وحتى 2014، ولا يزال عضوا في البرلمان التركي عن حزب العدالة والتنمية.
كما يسلط الضوء في مقاله على الأخطار المستقبلية، بما في ذلك نية ترامب المعلنة نقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، وهي الخطوة التي فيما لو نفذت فستشكل "خطأً قاتلا"، كما قال.
والأهم من ذلك أن تغيير موقع السفارة سوف يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة، وقد يصاحب ذلك "دورة جديدة من العنف وسفك الدماء"، وهو الأمر الذي "سيشكل أرضية سياسية خصبة للتطرف من كل الأنواع والأشكال لينمو ويترعرع في أرجاء المنطقة كافة."
ويقول البرفسور داود أوغلو: "القدس ليست فقط القدس، وليست فقط قضية متنازعا عليها بين إسرائيل وفلسطين أو حتى بين إسرائيل والعرب ككل، بل تمثل مصدر احتكاك محتمل أكبر من ذلك بكثير."
ثم يتحول البرفسور إلى مغزى علاقة الغرام التي يقيمها ترامب مع موضوع بريكسيت (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي)، ومغازلته للحركات الشعبوية في أوروبا. ويتنبأ بأن يؤدي استخفاف الرئيس ترامب بمشروع التكامل الأوروبي واستحقاره لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، إلى "زلزلة الرابطة" التي تجمع بين الدول المطلة على المحيط الأطلسي، وهذا بدوره سيعود على المصالح القومية للولايات المتحدة الأمريكية بالوبال.
وتنبأ داود أوغلو بأن المعالم الثلاثة لسياسة ترامب الخارجية، إضافة إلى ما تم تأكيده مجدداً من توجه الولايات المتحدة في عهده نحو الأحادية، سوف تقزم دور الولايات المتحدة ووجودها في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم على حد سواء.
ويحذر رئيس الوزراء التركي السابق من أن الدروس التي كان ينبغي أن تستفاد من إخفاقات السياسة الخارجية للرئيس باراك
أوباما قد ضاعت أدراج الرياح، مشيرا في هذا الصدد إلى ثلاثة إخفاقات رئيسية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة خلال العقد الماضي، هي: محادثات السلام الإسرائيلية السورية، وسوريا، والصفقة مع إيران.
كان الإخفاق الأول قد حصل عندما تزعم البرفسور أحمد داود أوغلو فريق الوسطاء الأتراك الذين أشرفوا على محادثات السلام بين إسرائيل وسوريا، التي فشلت بسبب قرار إسرائيل غزو قطاع غزة في ذلك الوقت.
ويقول البرفسور أحمد داود أوغلو: "بطبيعة الحال شعرنا بالتعرض لطعنة في الظهر من قبل الإسرائيليين، الذين اختاروا الحرب في اللحظة نفسها التي باتت فيها فرص إبرام صفقة سلام مع
سوريا واعدة وممكنة.
يعتقد البرفسور أحمد داود أوغلو أن إبرام معاهدة سلام بين إسرائيل وسوريا كان كفيلا بتغيير وجه المنطقة بأسرها، ويضيف: "ولكن، مما زاد في استيائنا أن إدارة أوباما اختارت ألا تستثمر أي طاقة أو جهد في سبيل إحياء تلك المبادرة."
وأما الإخفاق الثاني فكان في 2011 عندما أمضى البرفسور أحمد داود أغلو ست ساعات من المحادثات مع الرئيس السوري بشار الأسد، الذي وافق على إطار من أربع عشرة نقطة للانتقال السلمي للسلطة، وعلى مهلة أسبوعين قبل الإعلان عن الاتفاق.
"لقد أخبرنا نظراءنا الأمريكان بما تم الاتفاق عليه، إلا أن إدارة الولايات المتحدة الأمريكية كانت في عجلة من أمرها لإعلان نزع الشرعية عن نظام الأسد".
ومما جاء في مقال رئيس الوزراء التركي السابق، أنه حتى فيما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران فقد اضطر أوباما إلى القبول بصفقة أدنى من تلك التي تمكنت تركيا والبرازيل من التفاوض مع إيران عليها في شهر مايو من عام 2010.
ويمضي وزير الخارجية التركي السابق إلى القول بأن أكبر إخفاقات أوباما في مجال السياسة الخارجية، جاءت في عام 2013 عندما لم يكن حاسما في الرد على تجاوز سوريا لما خطه لها من خطوط حمراء، وكذلك لم يكن حاسما في الرد على الانقلاب العسكري الذي وقع في مصر.
يقول أحمد داود أوغلو: "لقد كان من شأن قعود أوباما عن الفعل أن شجع الطغاة على المضي قدما في ارتكاب المزيد من الفظائع سعيا للبقاء في السلطة، كما غذى خطاب الفئات المتطرفة وأعاق التحول نحو الديمقراطية." وأضاف إن أحداث عام 2013 هي التي مهدت في العام التالي للانتشار الواسع الذي حققه تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة.
ولكنه، كما يقول داود أوغلو، أرسل أيضا إشارات إلى الآخرين بأنه بإمكانهم أن يعتمدوا على حقيقة أن أمريكا لن تفعل شيئا، وقال إن فلاديمير بوتين ما كان لينشط بهذا الشكل في شبه جزيرة القرم وفي أكرانيا في عام 2014، ولا في سوريا في عام 2015 لو أن إدارة أوباما صدقت أقوالها بأفعال.
يكتب البرفسور أحمد داود أوغلو في مقاله قائلا: "لقد كان النشاط الروسي من أكرانيا إلى سوريا، ومن شبه جزيرة القرم إلى ليبيا، نتيجة مباشرة لتبدد الردع القائم على التزام الولايات المتحدة الأمريكية بتأييد قواعد ومبادئ القانون الدولي والالتزام بأهدافها المعلنة." ويضيف أن المؤرخين في المستقبل سيعتبرون عام 2013 السنة التي شكلت مسار الأحداث في العقود التالية.
ويقول: "معظم الأمراض الناجمة عن سياسة التدخل التي انتهجها جورج دبليو بوش، وهي سياسة غير ناضجة وقصيرة النظر".
ويخلص البرفسور أحمد داود أوغلو إلى أن حكم التاريخ على أوباما، سيكون شديد الإدانة له. فعلى الرغم من معسول كلامه، إلا أن أوباما "اختار أن يبقى سجينا للأمر الواقع"، بدلا من أن يكون الشخصية التي تقود التحول في السياسة الخارجية لبلاده.