نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للكاتب جاكسون ديهل، يقول فيه إن صانع الصفقات والرئيس الأمريكي الجديد دونالد
ترامب في عالم محفوف بالمخاطر.
ويقول الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إن "من يسعى لفهم المعنى الدقيق لتصريحات ترامب، المتعلقة بالسياسة الخارجية، عادة يصلون إلى فكرة أنه يخطط ليكون الشخص الذي يحقق الصفقات، فالتغريدات القوية الموجهة للصين، والإغراءات الموجهة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتهديدات بفرض تعرفات عالية جدا والجدار الفاصل على حدود
المكسيك، كل ذلك جزء من النظام الذي يهدف ترامب من خلاله إلى تحقيق صفقات معقولة، وأكبرها (الصفقة الأهم)، بحسب ما بينه ترامب خلال مقابلة: السلام
الإسرائيلي الفلسطيني".
ويضيف ديهل: "افتراض هذه النظرية أمر يبعث على الراحة، ويشير إلى أن الكثير من كلام ترامب الغريب، الذي بدا وكأنه ينذر بحرب مع كوريا الشمالية، وخراب في العلاقات مع بكين بخصوص تايوان وحل حلف الأطلسي، يجب ألا يحمل محمل الجد، لكن هناك مشكلتان: عدم واقعية الصفقات التي ألمح ترامب إليها، بالإضافة إلى أن محاولة فرضها أمر خطير وغير مجد في الوقت ذاته".
ويتابع الكاتب قائلا: "فلو بدأنا بموضوع
الصين، فإن ترامب انتقد في تغريداته نظام شي جين بينغ؛ لأنه خفض من سعر عملته، و(فرض ضرائب كبيرة على منتوجاتنا التي تدخل بلدهم)، وقام ببناء (قاعدة عسكرية كبيرة في وسط بحر جنوب الصين)، و(سحب أموال وثروات كبيرة من الولايات المتحدة في تجارة أحادية الجانب)، وفي الوقت ذاته رفض (المساعدة في مسألة كوريا الشمالية)، واستقبل ترامب مكالمة هاتفية من الرئيس التايواني، وقال إنه لا يلزم نفسه بمبدأ صين واحدة، التي قامت على أساسها العلاقات مع الصين منذ عام 1972".
ويواصل ديهل القول: "من هنا يمكن الاستنتاج بأن ترامب سيعرض على بكين في المحصلة تراجعا بخصوص تايوان مقابل تنازلات متعلقة بالتجارة، أو كوريا الشمالية، أو بحر جنوب الصين، وربما الثلاثة معا، وأي صفقة يمكن لتلك أن تكون، ولكن شي لا ينوي التنازل في أي من تلك القضايا، ولا تملك الولايات المتحدة -كما أثبتت إدارة أوباما جيدا- وسائل الضغط لإكراه الصين على ذلك".
ويشير الكاتب إلى أن "أي تعرفة يفرضها ترامب على الصين سيتم الرد عليها بسرعة؛ وفي الواقع يبدو أن الصين بدأت بفرض جمارك ثأرية استباقية، وواضح أن شي غير قادر على وقف برنامج التسلح النووي لكوريا الشمالية إن لم تتخذ إجراءات تسقط النظام، والأخطر من هذا كله هو أن تغيير العلاقات القائمة مع تايوان، أو محاولة منع الصين من الاستمرار في البناء على الجزر الصغيرة في بحر جنوب الصين قد يؤدي بسرعة إلى مواجهة عسكرية يكون ترامب غير مستعد لإدارتها".
ويتساءل ديهل: "ماذا عن
روسيا؟ الغريب أن نهج ترامب مع موسكو كان على عكس ما هي عليه مع بكين، فبدلا من التهديدات والاتهامات، فإنه لوح مكررا بالتنازلات، ابتداء من احتمال رفع العقوبات الأمريكية، لكن مقابل ماذا؟ ولم يبد حتى وقت قريب بأن لدى ترامب أي شيء يقترحه في المقابل، وعرض فجأة في مقابلة مع صحيفة (التايمز) اللندنية الأسبوع الماضي، بأن يكون الوضع هو التخفيض من عدد الأسلحة النووية؛ لأنه يعتقد أن (الأسلحة النووية يجب أن تكون أقل بكثير)".
ويقول الكاتب: "ليس مهما ما قاله ترامب قبل شهر، بأن على (الولايات المتحدة أن تقوي وتوسع من إمكانياتها النووية)، وأن بوتين رفض تماما أي تخفيض للأسلحة النووية عام 2013، فإن المشكلة الحقيقية هي أن ترامب لا يملك القدرة على تحقيق ما يريده بوتين، وهو ليس رفع العقوبات، بل قبول أمريكا بمنطقة نفوذ روسي في أوروبا وآسيا وأوكرانيا".
ويجد ديهل أن "ترامب قد يكون منفتحا على مثل هذه الصفقة، لكن، كما بين الكاتب بريان ويتمور في إذاعة أوروبا الحرة في الفترة الأخيرة، فإن تلك الصفقة مستحيلة، فبغض النظر عما تتفق عليه موسكو وواشنطن، فإن الأوكرانيين والجورجيين وغيرهم من جيران روسيا، سيقاومون بقوة أي محاولة لإعادة فرض السيطرة الروسية، وقال ويتمور بأن أي صفقة كبيرة بين ترامب وبوتين لن تكون أكثر من (وصفة للصراع وعدم الاستقرار على أبواب أوروبا)".
ويلفت الكاتب إلى أن "صفقات ترامب المحتملة الأخرى تبدو أقل احتمالا، حيث اعترف ضمنيا مؤخرا بأن المكسيك لن توافق على دفع تكاليف بناء جدار على حدودها مع الولايات المتحدة، أما عن فكرته بأن بإمكانه هو وصهره جارد كوشنر أن يتوصل إلى سلام في الشرق الأوسط فشل في تحقيقه جون كيري وكونداليزا رايس وبيل كلينتون وجيمس بيكر وعشرات الآخرين.. فلا حاجة لقول المزيد".
ويرى ديهل أنه "إن كان هناك إيجابيات في نموذج ترامب التفاوضي، فقد تكون في الصفقات الصناعية التي عقدها خلال الفترة الانتقالية، حيث أعلنت عدد من الشركات الأمريكية أنها ستضيف عددا من الوظائف، وادعى ترامب أنه هو من قام بإيجاد تلك الوظائف، ويتوقع الدبلوماسيون أنه عندما يعلن الوزراء الأوروبيون زيادة في الميزانيات العسكرية، كما هو متوقع، سيدعي ترامب أنه تم تجديد حلف الأطلسي على قواعد جديدة، وعندما توافق المكسيك على تعديلات سطحية لاتفاقية (نافتا)، فإنه سيقول إنه نجح في سياسته تجاه المكسيك أيضا".
ويخلص الكاتب إلى أن "ترامب يدعي أن دبلوماسيته انتصرت في الصين من الآن، فبعد أن أمسكت الصين بالطائرة الأمريكية دون طيار في شهر كانون الأول/ ديسمبر، ادعى المتحدث باسمه أنه استطاع (تحقيق ذلك)، من خلال تغريدة واحدة على (تويتر)، فهناك أمل إذن: أزمات مزورة وليست حقيقية".