بعد
الجدل الذي أثاره مضمون أحد مقررات مادة
التربية الإسلامية بالمغرب والذي اعتبر فيه
الفلسفة "أسُّ السّفه والانحلال"، أصدر رئيس الحكومة المعين عبد الإله بن كيران بلاغا لتنوير الرأي العام الوطني والدولي بخصوص هذا المقرر.
وانتقد أساتذة ومدرسو مادة الفلسفة في المدارس الثانوية
المغربية بشكل واسع ما ورد في المقرر الجديد لمادة التربية الإسلامية الخاص بمستوى السنة الأولى بكالوريا، والمتعلق بقسم "الإيمان والفلسفة".
سبب الجدل
وأوردت مجزوءة "الإيمان والفلسفة" في المقرر التربوي، رأي أحد علماء المسلمين ويدعى ابن الصلاح الشهرزوري (توفي سنة 643 هـ) عندما سئل عمن يشتغل بالمنطق والفلسفة.
وفي جوابه يقول الشهرزوري: "الفلسفة أسُّ السّفَه والانحلال، ومادة الحيرة والضلال، ومثار الزيغ والزندقة، ومن تفلسف عميت بصيرته عن محاسن الشريعة المؤيدة بالبراهين، ومن تلبس بها قارنه الخذلان والحرمان، واستحوذ عليه الشيطان".
وقدم الكتاب هذا الرأي على أنه من "المواقف العنيفة" لعلماء المسلمين تجاه الفلسفة.
المقررات أعدت بناء على تعليمات ملكية
وفي محاولة لإيقاف الجدل وتنوير الرأي العام حول ما جاء في المقرر، أكد رئيس الحكومة المعين، عبد الإله بن كيران، في بلاغ، أن المقررات الدراسية الجديدة لمادة التربية الإسلامية، التي أعدت بناء على تعليمات ملكية، هي نتاج عمل مشترك لفريق من المختصين في المجال البيداغوجي وأعضاء من المجلس العلمي الأعلى.
وأوضح أنه تم إعداد هذه المقررات بناء على تعليمات العاهل المغربي الملك محمد السادس، الذي دعا خلال المجلس الوزاري المنعقد بمدينة العيون (جنوب) في شباط/ فبراير 2016، كلا من وزير التربية الوطنية ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى "ضرورة مراجعة مناهج وبرامج ومقررات تدريس التربية الدينية، سواء في المدرسة العمومية أو التعليم الخاص، أو في مؤسسات التعليم العتيق، في اتجاه إعطاء أهمية أكبر للتربية على القيم الإسلامية السمحة، وفي صلبها المذهب السني المالكي، الداعية إلى الوسطية والاعتدال، وإلى التسامح والتعايش مع مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية".
وأكد البلاغ أن "إصلاح التعليم يتم تحت رعاية المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، وفق منظور وطني توافقي لا رجعة فيه، تنخرط فيه كل الهيئات والمؤسسات المعنية (أساتذة ومعلمون وتلاميذ، وأولياء التلاميذ، ونقابات...)، يقوم على تغيير المناهج والبرامج التعليمية ويهدف إلى تحسين المنظومة التربوية الوطنية والرفع من جودتها".
وأضاف أن إصلاح التعليم يسترشد، أيضا، بالتوجيهات الملكية في خطاب ذكرى 20 آب/ أغسطس لسنة 2012، حيث أكد الملك إعادة النظر في الطرق المتبعة في المدرسة "للانتقال من منطق تربوي يرتكز على المدرس وأدائه، مقتصرا على تلقين المعارف للمتعلمين، إلى منطق آخر يقوم على تفاعل هؤلاء المتعلمين، وتنمية قدراتهم الذاتية، وإتاحة الفرص أمامهم في الإبداع والابتكار، فضلا عن تمكينهم من اكتساب المهارات، والتشبع بقواعد التعايش مع الآخرين، في التزام بقيم الحرية والمساواة، واحترام التنوع والاختلاف".
وأوضح أن مراجعة المقررات الدراسية شملت حوالي 29 مقررا، في حين أنه أثير النقاش حول مقرر واحد فقط، بسبب عبارة تشير إلى الفلسفة، علما أنه تم إدراج هذه الفقرة "لبيان الفكر المتشدد لصاحبها في أفق مناقشته، ولم يكن القصد منها بتاتا الإساءة إلى الفكر الفلسفي"، مبرزا أن المغرب يتميز بكونه من بين الدول القليلة التي تعمل على تدريس الفلسفة لثلاث سنوات في التعليم الثانوي.
دعوة للتطرف
وكان المكتب الوطني للجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة أدان، في بلاغ، ما اعتبرته "مضامينها مسيئة لمادة الفلسفة والعلوم الإنسانية والعلوم الحقة والطبيعية في مجزوءة "الإيمان والفلسفة" في مادة التربية الإسلامية"، وذلك "لما تضمنته من مس وتشويه وتحريف للمقاصد النبيلة للفلسفة والعلوم".
واعتبر البلاغ أن كتب التربية الإسلامية الجديدة "متزمتة وتدعو للتعصب والجمود والتطرف ولا تمت بصلة إلى التقاليد المغربية الراسخة في الثقافة الفلسفية، والتي تعتبر مكونا من المكونات الأساسية لهوية أمتنا المغربية بدءا بأجدادنا الأمازيغ ومرورا بكبار فلاسفة العالم كابن رشد وبن باجة وبن طفيل وبن عربي، ووصولا إلى معاصرينا من أمثال محمد عابد الجابري وعبد الله العروي وعبد الكبير الخطيبي وغيرهم"، واصفة المنهج الجديد للتربية الإسلامية بأنه "خيار تراجعي عن المكاسب الديمقراطية والحقوقية والحداثية التي ناضل من أجلها المغاربة ولا يزالون".
الوزارة: نسعى لترسيخ الوسطية والاعتدال
وزارة التربية الوطنية بدورها أصدرت بلاغا عبرت فيه عن اندهاشها من الآراء المعبر عنها بخصوص ما سمي "بالتراجع" الذي عرفه تدريس مادة الفلسفة في النظام التعليمي الوطني، مستغربة "ردود الأفعال التي اختزلت عملية المراجعة الشاملة التي خضعت لها الكتب المدرسية لمادة التربية الإسلامية في نص واحد، وإصدار أحكام مسبقة على هذه المراجعة انطلاقا من هذا النص، في تجاهل تام للتغييرات العميقة التي مست منهاج تدريس هذه المادة".
وأوضح بلاغ توضيحي لوزارة بلمختار أن "الخيارات التربوية المتعلقة بالمنهاج الجديد لمادة التربية الإسلامية تسعى إلى ترسيخ الوسطية والاعتدال، ونشر قيم التسامح والسلام والمحبة، وتعزيز المشترك الإنساني بالبعد الروحي".
وقالت الوزارة، ردا على منتقديها، إن البرنامج الجديد للتربية الإسلامية في سلك التعليم الثانوي التأهيلي، يتضمن قضايا تفرضها السياقات الثقافية والاجتماعية الوطنية والدولية.
وكشف البلاغ أن المنهاج الجديد للتربية الإسلامية تطرق لأربع قضايا كبرى، وهي الإيمان والغيب، والإيمان والعلم، والإيمان والفلسفة، والإيمان وعمارة الأرض، مشيرا إلى أن هذه القضايا تجنب الانحرافات وترسخ تشجيع الإسلام على العلوم ودحض فكرة تعارض العقل والإيمان، وكذا ترسيخ فكرة المشترك الإنساني وواجب عمارة الأرض وإصلاحها في وعي وسلوك الناشئة.
وأضافت الوزارة أن "الأمر يتعلق بنص واحد متضمن في كتاب منار التربية الإسلامية للسنة الأولى بكالوريا في موضوع الإيمان والفلسفة، ورد في باب تقديم نموذج لموقف يشدد الكتاب المدرسي المعني على أنه عنيف من الفلسفة، حيث يؤطر الكتاب تقديم هذا النص بأسئلة توجيهية لدفع التلاميذ إلى إجراء مقارنات بين محتوى هذا الموقف العنيف والموقف الآخر الذي يعتبر العقل والتفكير من أدوات الوصول للحقيقة".
وبذلك يكون هذا الكتاب، يضيف بلاغ الوزارة، قد سعى إلى تمكين التلاميذ، تحت إدارة الأستاذ(ة)، من تنمية تفكيرهم النقدي وتطوير كفاية الحجاج وفق خيارات تربوية واضحة ومضبوطة في إطار يمكن من التعاطي مع قضايا تثير حساسيات بطريقة تربوية هادئة عوض ترك تلك المواضيع دون تأطير حيث تكون عرضة لاستغلال لا تربوي لتمرير مواقف متطرفة، الدين السمح المعتدل بريء منها.