ما زالت
أفلام سينمائية
مصرية تتفلت؛ مُكرسة في وعي الآلاف، بخاصة من الشباب الحديث السن، مفاهيم مغلوطة عن واقع الإسلام والأمة المعاصرين، فمنذ فيلم "الجزيرة 2" للمخرج "شريف عرفة"، وقد تم طرحه في تشرين الأول/ أكتوبر 2014م، عقب الانقلاب بسنة واحدة وعدة أشهر، في استدعاء لنجاح فيلم كان مكتملا (الجزيرة 2007)، بطولة (أحمد السقا، هند صبري، وخالد الصاوي) في كتابة سينمائية لشخصية حقيقية "عزت حنفي"، قاطع الطرق الصعيدي الذي هزّ مصر إبان حكم المخلوع، ليجيء الجزء الثاني من الفيلم مكرساً لواقع مصر الانقلابي عبر شخصيات المطاريد في الجبل، وقد ارتدوا مسوح الدين، ويهاجمون الجزيرة، وتفشل الدولة في صدهم، فينبري لهم قائد اللصوص، في إشارة لا تخطئها العين للإخوان والعسكريين في مصر.
وهكذا تمضي قافلة الانقلاب السينمائية، فيتم استدعاء كبار المخرجين المعروفين، وتشجيعهم على إنتاج أفلام تتعرض إلى الإسلام، بشكل فجّ صريح، لا الذي اعتدنا عليه إبان حكم المخلوع "حسني مبارك" من تعرض إلى شيء من الثوابت، مع الإبقاء على شعرة معاوية، وعدم الإفراط في تناول الأصول، إذ كان النظام يدّعي أنه لا يحارب الدين، ولكنه يترك أذرعه في جميع المؤسسات المعنية تفعلها!
فيلم "مولانا" جديد
السينما الانقلابية إذا، تم طرحه في 4 من كانون كانون الثاني/ يناير في مصر في دور العرض السينمائي، وقالت جريدة "النبأ" المصرية الموالية للنظام إن بطله يدور مع نسخه في دور العرض، "كعب داير" لجذب الجماهير، فيما حضر عرضه الأول الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، أحد قادة جبهة الإنقاذ سابقا، والذي مهد للأحدث الدامية اليوم في مصر. وكان الفيلم قد تم عرضه في مهرجان "دبي" في كانون الأول/ ديسمبر فلم يحقق رد فعل، ولا مجرد تناول، فضلا عن إشادة.
لكن الأهم أن الفيلم تم حجزه في العلب لمدة عام كامل، تم منعه من العرض بقرار من قائد الانقلاب "عبد الفتاح السيسي" نفسه، ويبدو أن أجهزة المخابرات أرادت طرحه في وقت تكون الدعوة فيه إلى ما يُسمى تجديد الفكر الديني، على مذهب الإمام "السيسي"، قد تم "طبخها على نار هادئة"، ويأتي الدور على السينما لكي تتناول "اللواء" من "الأزهر الشريف"، وهو ما استشعره كبير أئمة وزارة الأوقاف الدكتور "منصور مندور" مُطالبا بوقف منع الفيلم، وهو الأمر الذي ضاع أدراج الرياح وسط تبني الدولة والنظام له!
ما وراء الأخطاء
حفل الفيلم بأخطاء تمس العقيدة الإسلامية في جوهرها، وانشغل المتصدون له، على قلتهم بالتركيز على سخرية الفيلم من بعض الشيوخ المعاصرين، وانشغلوا بدلالة بطله "حاتم الشناوي" أهي تسقط على مالك قناة فضائية من علماء الدين أم غيره؟ وتركوا في الحالين سوءات الفيلم نحو ما هو أخطر من تناول العقيدة الإسلامية على أنها تحولت إلى سياسية فور وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، في مقابل المسيحية التي تحولت إلى سياسة فور خروجها من بيت لحم، أما ما هو أسوأ فإقرار الفيلم، على لسان بطله، الداعية رقم 1 في مصر، بحسب إصرار المحيطين بالشيخ "حاتم" أو الممثل "عمرو سعد" على القول له، ليُشنف الأخير بالجملة الفريدة من نوعها:
ـ الجنة ليست حكرا على أحد، الجنة سيدخلها الجميع من مسلمين ومسيحين وملاحدة وأولاد (هرمة)!
هكذا يختصر الفيلم تجديد الفكر الديني، وفق مذهب الإمام العسكري "السيسي"، فالإقرار بأنه لا أحد يعرف مَنْ سيدخل الجنة، وهو الإقرار المُمثل لجوهر الدين الإسلامي، إذ إنها حكر على المخلصين، حتى من المسلمين، وهؤلاء لا يعلمهم على حقيقتهم إلا الله، يضاده حكم "السيسي" العسكري صاحب الدبابة المُنقلبة، بأن الجنة سلعة ينالها الجميع، برأيه ورأي إعلامه، ولو ألحدوا، ولو ارتكبوا الموبقات، كما بطل الفيلم نفسه المتورط في علاقات غير طاهرة مع النظام السياسي المصري الأسبق، ورجال المال والأعمال، وأيضا مع فتاة كومبارس في الأفلام، وهو صاحب العمامة الأولى في مصر!
مولانا وعمنا
كتب "إبراهيم عيسى"، الصحفي الذي يطرده الانقلابيون حاليا من حظيرتهم، الرواية، كما يطلق هو شخصيا عليها، ونشرتها إحدى دور النشر، ممثلة المفارقة المضنية في مجتمعاتنا، من عدم تصنيف الأعمال الأدبية من عدمها وفق جودتها، بل وفق شهرة كتابها.. كتب "عيسى" الرواية منذ 4 سنوات، عقب الثورة المصرية، مضمنها آراءه في علماء الدين من مسلمين، ورجال الدين من شيعة ومسيحيين، ثم لما أراد المخرج " مجدي أحمد علي" الإعداد للفيلم أمهل "عيسى" ليكتب حواره، أو ليكتب "نفسه" كما يقول البعض.
أما خطورة الأمر الأخير فهو أنه يساوي المباشرة المطلقة في الكتابة، بل إعادة كتابة النص، الذي قيل إنه رواية ثانية، من نفس الكاتب، وهو ما تحرج منه الراحل "نجيب محفوظ"، إذ كان يشارك آخرين كتابة سيناريو الحوار لأفلام غيره التي أنتجتها مؤسسة السينما المصرية في الستينيات، لم يكن يشارك في كتابة أفلامه بل يعتذر عنها احتراما لنفسه.
وفي النهاية خرج الفيلم زاعقا بمرتبة مقالات "عيسى" السياسية أو برنامجه الذي كان يُذيعه على شاشة إحدى الفضائيات الخاصة (دريم) في رمضان 2010م عن الصحابيين "أبو بكر وعمر"، وإن لم يكن يُسفر عن شاذ آرائه مثل الآن.
الفيلم يتناول عالم دين، وإمام مسجد مصريا "نكرة"، يعرف الطريق إلى الأضواء والشهرة وخداع الجماهير عبر الفضائيات، فيما يدخل ابنه الوحيد في غيبوبة طويلة، ليفقد الشعور بلذة الحياة، ويأخذه صديقه الشيخ مختار (الممثل زين العدل الذي يظهر على الشاشات للمرة الأولى)، لمعالجته من الصدمة في مسجد الحسين ليخاطب البطل قائلاً: رد على "عمك" الندا!
وذكر "الحسين"، رضي الله عنه، لا يفارقنا، فمشايخ مصر العظام، كما يجمعهم الفيلم، ينهشون الطعام، ويصفهم البطل بأصحاب الملهى الليلي والراقصة المصالح، ثم إن بعضهم يرقص على أنغام ابتهالات شيخ رديء الصوت، يمدح الحسين، أو "عمنا" كما يُشهد الشيخ "مختار" صاحب المسجد (الحسين) على مظلوميته، وعدم نصرة بطل الفيلم له!
إحياء "الشعراوي" و"حسن شحاتة"
قال الناقد "طارق الشناوي" عن بطل الفيلم أنه ذكره بالراحل الممثل "أحمد زكي" في تقليده الراحل الرئيس "أنور السادات"، لكنه لم يجرؤ على القول أن "سعد" إنما كان يُقلد اسلوب نطق، وطريقة دعوة، بل قفشات، وملاحة تعليقات الشيخ "محمد متولي الشعراوي"، رحمه الله، في محاولة نسف الهيبة النفسية المستقرة في أعماق ملايين المصريين بل المسلمين للشيخ، وإلباسه خطايا البطل، وشيوخ السلطان.
أما الخطيئة السياسية الأكثر ضراوة للفيلم فهي اختصار مذابح الشرفاء الثوار في مصر، من رابعة وسابقاتها ومماثلاتها ولاحقاتها، بتصوير الصراع على أنه بين مناصري أهل البيت (المتصوفة) في مواجهة (السلفيين)، مع تجسيد صور مماثلة لوفاة الراحل الشيخ الداعية الشيعي "حسن شحاتة" في 2013م.
تلت هذه محاولة الفيلم إحياء النزعة الخلافية بين المسلمين وشركاء الوطن، والدخول في "لعبة خائبة" من مقارنة الدينين ببعضيهما، مع الانتصار للمسيحية كما العلمانية والإلحاد والمذهب الشيعي، في محاولة رديئة لإغاظة الإسلاميين، والحقيقية الشرفاء من جميع أطياف المجتمع المصري، وقد وسع الفيلم دائرة الخلاف والمختلفين، في صراع مع الانقلاب لا مع بعضهم بعضا.
خطايا
يبقى أن الفيلم أخطأ خطايا لا تغتفر في سبيل محاولته إرضاء نظام العسكر الذي لم يتعرض له ببنت شفة أو مجرد مشهد، ولو ملغز، وعاد بزمنه إلى أيام المخلوع "مبارك"، ونسب إلى الإمامين "البخاري ومسلم" آلاف الأحاديث الموضوعة، كما أدعى ان الصحابيين "أبو بكر وعمر"، رضي الله عنهما، لم يكونا واثقين في الصحابة، فمنعوهم من تدوين الأحاديث، وهي الحادثة المغلوطة تماما، وإن كان منع تدوين الأحاديث لعدم اختلاطه بالقرآن الكريم، وأمر به الرسول العظيم من قبل، ثم القول بأن آلاف الأحاديث وضعت لمرضاة الأمويين والعباسيين من صناع فيلم لم يستطيعوا بث صورة مما يفعله العسكر في الشعب المصري، كما ادعى الفيلم وجود آية في القرآن لم ترد به من الأساس "ومن يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه"، ولعله يقصد الآية 85 من سورة آل عمران: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85).
رحمنا الله من خطايا الانقلاب السياسية والسينمائية.. وأعان المخلصين على إحسان التصدي لهما!