نشرت صحيفة "لوفيف" البلجيكية، تقريرا حول موجة الانتقادات التي ضربت جهاز
المخابرات الفرنسي، وخاصة مديره برنارد باجولي؛ لكونه يتحمل جزءا كبيرا من مسؤولية هجمات 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، وعدم القبض على العقل المدبر لها،
عبدالحميد أبا عود.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن حملة الانتقادات طالت أيضا وزير الدفاع الحالي، جان إيف لودريان، الذي أكد أن "بلاده ما زالت في طور فك شيفرة
تنظيم الدولة، الذي لا تزال طريقة تحركاته أمرا مبهما لدى أجهزة المخابرات والدبلوماسيين والجامعيين".
وفي هذا السياق؛ تساءل العديد من المراقبين والناقدين الفرنسيين، عن مدى نجاعة أجهزة استخبارات بلادهم، في حين لم يقدم المسؤولون أي إجابة واضحة إلى حد الآن.
وأشارت الصحيفة إلى أن "ظاهرة الإرهاب" تبدو أقوى من أجهزة الأمن الأوروبية والعالمية، "والدليل على ذلك؛ هو ما وقع مؤخرا في كل من برلين وإسطنبول وبغداد"، مشيرة إلى أن كثيرا من المراقبين لم يخفوا مخاوفهم حول تحول الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة إلى مسرح للعمليات الإرهابية؛ لتوجيه ضربة موجعة أخرى لفرنسا".
ومن الملفت للنظر؛ أن
فرنسا تعد الهدف الأول لتنظيم الدولة، "إذ إن زعزعة أسس الديمقراطية في هذا البلد الأوروبي خلال الانتخابات القادمة؛ سيمثل وحده انتصارا استثنائيا للتنظيم" بحسب الصحيفة.
وأضافت "لوفيف" أن الحرب ضد الإرهاب أصبحت بمثابة هاجس بالنسبة للحكومة الفرنسية، وعلى لائحة أولوياتها، مؤكدة أن الأجهزة الأمنية الفرنسية لا زالت تعاني في الوقت الراهن "من عدة نقائص في ظل ارتفاع سقف التحديات أمامها، على الرغم من نجاحها في إحباط قرابة 17 عملية إرهابية في فرنسا خلال العام الفائت فقط".
وأوضحت أن أجهزة المخابرات في فرنسا؛ تعاني من ضعف تقني في التصدي لتنظيم الدولة، "فقد وظف التنظيم التقنيات الإلكترونية لخدمة دعايته ونشرها، فضلا عن أنها تعد سلاحا أساسيا لتنفيذ عملياته في كل من سوريا والعراق، بالإضافة إلى أن التنظيم أحدث تطبيقات وبرامج على الهواتف الذكية بهدف نشر تعاليمه وأفكاره، في الوقت الذي تعاني فيه أجهزة الاستخبارات الفرنسية من ثغرات فادحة".
ونقلت الصحيفة عن مسؤول أمني مختص في مكافحة الإرهاب قوله إن "المشكل الأساس لأجهزة الاستخبارات لا يكمن في عملية التنصت، وإنما المشكل الحقيقي يتعلق بعملية التتبع"، مشيرة إلى أن بعض الدول المحاذية لفرنسا "نجحت في تجاوز هذه العقبة".
وقالت الصحيفة إن السؤال الجوهري الذي أسال كثيرا من الحبر حول هذه المسألة هو: "أين العملاء والجواسيس؟"، خصوصا أن "مصدر حوالي نصف المعلومات الاستخباراتية التي تمكنت المخابرات الداخلية الفرنسية من تجميعها؛ هي دول أجنبية، لعل أهمها الولايات المتحدة الأمريكية".
وأكدت على تواجد العقل المدبر لهجمات باريس، عبدالحميد أبا عود في اليونان، متخفيا وسط قرابة الثلاثة ملايين شخص، ومستعملا اسما مستعارا، "وقد وقع تحديد مكانه في العاصمة أثينا تحديدا في ميناء "بيرايوس" جنوبا، والحي الشمالي لمدينة ماروسي. وتبعا لذلك، تحولت اليونان إلى مرتع للجواسيس التابعين لأجهزة المخابرات الفرنسية والأمريكية والموساد الصهيوني، التي تراقب تحركات أبا عود بدقة".
وأشادت الصحيفة بنجاح المخابرات الفرنسية في الحصول على عدة معلومات هامة وثمينة تتعلق بأبا عود، بمساعدة من حلفائها، "وبعد هذا الإنجاز؛ نسقت المخابرات مع الشرطة اليونانية لتسليمهم أرقام هواتف جوال يحتمل أن أبا عود قد استعملها".
وفي هذا الإطار؛ طالبت السلطات الأمنية في اليونان بإمهالها بعض الوقت للتحري حول كل ما يخص هذا الرجل. وفي الوقت ذاته؛ وضع الأمن البلجيكي رقابة صارمة على شخصين كانا يقاتلان في سوريا قبل أن يعودا للاستقرار في مدينة "فرفيي" البلجيكية "يشتبه أن لديهما علاقة مباشرة بأبا عود".
وأفادت الصحيفة على لسان محققين، بأن "هذين الرجلين يعملان تحت قيادة شخص يدعى عمر، وهو اسم مستعار يستعمله أبا عود. وفي ليلة 15 كانون الثاني/ يناير؛ أيقن البلجيكيون أن عملية إرهابية بصدد الحدوث داخل أراضيهم، وخصوصا بعد التأكد من أن الرجلين قد باركا سابقا عملية شاري إبدو في فرنسا".
وأكدت المصادر ذاتها أن "هذين الرجلين حصلا على سلاح من نوع كلاشنكوف، ووصلا من فرنسا إلى شقتهما في فرفيي، قبل أن تعلن وحدات مكافحة الإرهاب البلجيكية عن إطلاقها عملية أمنية من أجل اقتحام الشقة".
وقالت الصحيفة إن الأمن اليوناني نجح في تعقب مكالمة لأبا عود، مع تحديد مكانها في ميدان أمونيا المعروف بأشد الأماكن ازدحاما في العاصمة أثينا، "وكان من المفترض أن تبحث قوات الأمن عن أبا عود داخل هذا الازدحام، تماما مثل من يبحث عن إبرة في كومة قش".
وتابعت: "اقتحمت قوات الأمن الميدان وفتشت بعض المشتبه بهم، لكن من دون جدوى، فلم تعثر على منفذ
هجمات باريس".
وبينت أن أحد القضاة أعرب عن خيبة أمله وتحسره لهروب أبا عود من قبضة الأمن خلال واحدة من أفضل الفرص للقبض عليه، ليضاف هذا الإخفاق إلى قائمة هزائم الأمن الأوروبي، مشيرة إلى أن "هذا الإخفاق منح فرصة أخرى لأبا عود ليحتاط أكثر، ويتوارى عن أنظار الأمن الأوروبي".
وأكدت الصحيفة أن أبا عود قد نشر على الإنترنت في 12 شباط/ فبراير 2015، بيانا جاء فيه الخطاب الآتي: "لقد أعمى الله سبحانه بصيرتهم، ومكّنني من الرحيل للالتحاق بمقاتلي الشام، رغم أنني ملاحق من كل أجهزة الأمن والمخابرات في أوروبا".
وأردف أبا عود: "لقد أصبحت صورتي وهويتي حديث الشارع. ولكن؛ تذكروا جيدا أنه بإمكاني البقاء في أوروبا، أخطط وأدبر لعمليات تطال أجهزة أمنكم".