نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا لأستاذ العلوم السياسية في جامعة جون هوبكنز، والأستاذ في معهد الدوحة للدراسات العليا البروفيسور خليل العناني، حول التطرف المتنامي تحت حكم الرئيس
المصري عبد الفتاح
السيسي.
ويبدأ العناني مقاله بالقول: "على أي شخص يبحث عن دليل على تنامي التطرف الإسلامي في مصر تحت الحكم
القمعي للرئيس عبد الفتاح السيسي، أن ينظر أبعد من تفجير الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية في القاهرة في العاشر من كانون الأول/ ديسمبر".
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن
تنظيم الدولة، الذي أعلن مسؤوليته عن الهجوم، الذي تسبب بمقتل 25 شخصا، وجرح حوالي 50، أن المشتبه بتنفيذ التفجير الانتحاري هو محمود شفيق محمد مصطفى (22 عاما)، كان قد اعتقل عام 2014 عندما كان يمر هو وأحد زملائه الطلاب بجانب مظاهرة للمعارضة، وتم تعذيبه وسجن لمدة عام، دون توجيه تهمة له، بحسب أحد محاميه، لافتا إلى أن الطريقة التي تحول فيها مصطفى إلى التطرف تظهر كيف يستغل المتطرفون سياسات السيسي القمعية للحصول على دعم الشباب المصري.
ويقول العناني إن "علماء الاجتماع والسياسيين ناقشوا على نطاق واسع العلاقة السببية بين قمع الدولة والتطرف، وهناك أدلة على أن هناك علاقة بين الأمرين في حالات الجزائر والشيشان ومصر وليبيا، وفي بعض الحالات، مثل الصين وكازاخستان والعراق تحت حكم صدام حسين، وجد العلماء أن القمع البالغ يمكن أن يخفف من المعارضة والثورة، وفي غيرها، مثل مصر، فإنه يثير تصرفات متطرفة وعنيفة".
ويضيف الكاتب أن "لمصر تاريخا طويلا مع
الإرهاب والعنف السياسي، الذي بدأ في بداية السبعينيات من القرن الماضي، واستمر حتى نهاية التسعينيات، لكنها اليوم وصلت إلى مستويات لم تشهد على مدى عقدين، فمنذ أن تسلم السيسي الرئاسة عام 2014، قام الإرهابيون بتفجير بنايات الأمن، واغتالوا مسؤولين كبارا وجنودا، ودمروا عربات عسكرية، واختطفوا وقتلوا مدنيين وعسكريين، فبحسب تقارير مختلفة وموثقة، فإن عدد الهجمات والضحايا ارتفع بشكل كبير على مدى عامين، وبحسب مؤشر الارهاب العالمي، فإن مستوى الإرهاب في مصر هو الأعلى منذ عام 2000، ففي عام 2015، كان هناك 662 قتيلا، وهذه زيادة بنسبة 260% عن 2014، وعلى خلاف السنوات من 2000 وحتى 2012، حيث كان أكبر عدد قتلى سجل في عام واحد هو 92 شخصا، وكان ذلك عام 2005".
ويعتقد العناني أن "قمع السيسي غير المسبوق وفر للمعارضة السلمية بيئة خصبة لنمو المتطرفين وللأفكار الراديكالية، مثل (
ولاية سيناء) المرتبطة بتنظيم الدولة، وكانت تلك المجموعة قبل انقلاب تموز/ يوليو 2013، تسمي نفسها أنصار بيت المقدس، وكانت تركز على العمليات في سيناء، واستهدفت إسرائيل بشكل رئيسي، ووسعت بعد الانقلاب مجال عملياتها لتشمل قلب مصر في القاهرة والمدن الأخرى، حيث استهدفت مسؤولي النظام وقوات الأمن، واستنزفت هجماتها موارد إدارة السيسي، وأضعفت من صورته بصفته نظاما قويا ومستقرا".
ويلفت الكاتب إلى أنه "بالإضافة إلى هذا، قامت جماعات من الإسلاميين الساخطين بتشكيل مجموعات التمرد الخاصة بهم والشبكات التي تستهدف المسؤولين الحكوميين والمؤسسات والمؤيدين، فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، قامت حوالي 12 مجموعة وشبكة، من بينهم أجناد مصر وحركة المولوتوف ولواء الثورة، بعمليات، وتستخدم المجموعات المختلفة تكتيكات مختلفة، كإعادة التجمع، واتخاذ اسم جديد بين الفترة والأخرى؛ لتجنب قمع النظام، ولمقاومة حملاته، وأثبت أفرادها أنهم أذكياء، وكلفوا نظام السيسي الكثير".
ويفيد العناني بأنه "خلافا لـ(ولاية سيناء)، التي يرفض الكثير من الإسلاميين في مصر فكرها المتطرف ويدينونه، فإن شبكات التمرد الصغيرة تعمل بدوافع مظالم سياسية، ويرى مؤيدوها فيها طلائع في وجه النظام، وكثير من الشباب يؤيدون عملياتها ضد قوات الأمن، وهذه المجموعات تحصل على الدعم من المتضررين من نظام السيسي، أو ممن فقدوا أقاربهم بعد الانقلاب، خاصة في مذبحة رابعة، حيث قتل حوالي 800 شخص في 14 آب/ أغسطس 2013، وبعض تلك المجموعات تستخدم شعار رابعة لتبرير هجماتها".
ويستدرك الكاتب بأنه "مع أنه لا توجد أرقام رسمية لأعداد الأشخاص الذين انجرفوا نحو التطرف وانضموا لتلك المجموعات، إلا أن الهمجمات المعقدة، التي وصلت إلى معدل 100 هجمة في الشهر، بحسب بعض التقارير، تشير إلى أن المشكلة لا تزال تطارد النظام، وعلى غير شاكلة التنظيمات الراديكالية خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، مثل الجماعة الإسلامية والجهاد الإسلامي، التي كانت منظمات هرمية وقائمة على هياكل وتسلسل في آليه الأوامر والقيادة، فإن أكثر هذه المجموعات الجديدة مبهمة وذكية، وهذا ما تحتاجه لتتفوق على النظام".
استراتيجية تولد الإرهاب
ويرى العناني أن "استراتيجية السيسي لمكافحة التطرف لم تثبت فقط أنها عديمة الجدوى، لكنها ذات نتائج عكسية، وهناك روايات تشير إلى ازدياد التطرف بين الإسلاميين بفضل تكتيكاته، وأكد إسلاميان سابقان قابلتهما هذه الحقيقة المرة، أحدهما قضى 11 شهرا في سجن محلي دون محاكمة، ووصف الظروف بأنها (مثالية للمتطرفين ليقوموا بتجنيد الشباب الإسلاميين وتلقينهم الفكر المتطرف)، وذكر الآخر أن شابا عمره 18 عاما كان قد سجن بسبب التظاهر بشكل غير قانوني ضد النظام، وتم تجنيده من المتطرفين، لدرجة أنه توقف عن مقابلة والديه خلال زيارة السجن، بحجة أنهما (كافران)، وهناك قصص مشابهة تم طرحها في الإعلام المصري والأجنبي".
ويورد الكاتب أنه "بحسب تقرير نشرته صحيفة (الشروق) في شهر نيسان/ أبريل الماضي، قالت فيه إن سجن طرة سيئ السمعة أصبح (المركز الحكومي للتجنيد في تنظيم الدولة)، حيث تعلم قوات الأمن وإدارة السجن هذه الحقيقة، بل تيسرها بالسماح للمتطرفين بالاختلاط بالوافدين الجدد للسجن، وبحسب أحد الأشخاص الذين تمت مقابلتهم، فإن هذا التكتيك يساعد النظام على تصوير السجناء على أنهم (إرهابيون) لتبرير سجنهم".
ويجد العناني أنه "لذلك، فإن حرب السيسي على الإرهاب تولد المزيد من الإرهاب، بالإضافة إلى أنها تعطي مصداقية لرواية معارضيه المتطرفين، بأن النظام يشجع على التطرف ليبرر سياساته القمعية، ومع وجود آلاف الإسلاميين المسجونين، سيستطيع المتطرفون بالتأكيد تجنيد مئات العناصر الجدد".
ويؤكد الكاتب أن "لدى مصر مشكلة أمنية كبيرة، وعلى حكومة السيسي فعل شيء لمحاربتها، لكن كان بإمكان السيسي موازنة حربه على الإرهاب ضد المجموعات ذات الفكر المتطرف، مثل تنظيم الدولة، مع وجود إصلاحات سياسية ومؤسساتية تستوعب المجموعات السياسية، مثل حركة 6 ابريل والإسلاميين المسالمين واليساريين، فمثلا، وبدلا من إضاعة مليارات الدولارات في مشاريع ضخمة مشكوك بجدواها، كان بإمكان السيسي تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لملايين المصريين، الذين يناضلون لسد حاجتهم الأساسية، وبدلا من إنفاق ملايين الدولارات على بناء سجون جديدة، كان بإمكانه إيجاد آلاف الوظائف للشباب المصريين، الذين يشعرون بالغربة والإهمال بشكل متزايد، وبدلا من تحسين الإمبراطورية الاقتصادية للجيش، كان بإمكانه تشجيع المستثمرين المصريين ورجال الأعمال الشباب للعمل والنجاح".
وينوه العناني إلى أن "أكثرية الشباب المصري، الذين أسقطوا حسني مبارك عام 2011، يريدون حرية كلمة ووظائف، ويريدون حياة أفضل, معظمهم أصبح يشعر بالمرارة والتهميش تحت حكم السيسي، وهو ما يصب في مصلحة الراديكاليين والمتطرفين".
ويبين الكاتب أن "آثار سياسة السيسي الاستبدادية تصل إلى أبعد من حدود مصر، وتتسبب بمخاطر إقليمية وعالمية، ففي خريف عام 2016 أسقطت (ولاية سيناء) طائرة روسية فوق صحراء سيناء، وقتلت 224 شخصا على متنها، بالإضافة إلى أنها تبنت تفجير القنصلية الإيطالية في مصر في تموز/ يوليو 2011، الذي قتل فيه شخص واحد على الأقل، وأشارت السلطات المصرية مؤخرا إلى أن آثار متفجرات وجدت على جثامين المسافرين على طائرة مصر للطيران رحلة رقم 804، التي سقطت في البحر الأبيض المتوسط في تاريخ 19 أيار/ مايو 2015، وقتل 66 راكبا على متنها، ولم تعلن أي منظمة إرهابية مسؤوليتها عن إسقاط الطائرة، لكن ليس من المستبعد أن يكون سقوطها بسبب عمل إرهابي".
ويخلص العناني إلى القول إنه "من المستحيل إنكار أن التطرف أصبح مشكلة أكبر في مصر منذ انقلاب 2013، ومن الساذج أن نتوقع أن تنتهي المشكلة دون معالجة دور نظام السيسي فيها، فكلما استمرت الحكومة المصرية في سياساتها القمعية زاد إسلاميوها تطرفا وعنفا".