بينما يحيي
التونسيون الذكرى السادسة لثورتهم، بثّت قناة "التاسعة" الخاصّة، مقابلة مُباشرة مع بلحسن الطّرابلسي، صهر الرّئيس المخلوع زين العابدين
بن علي، وهي مقابلة أثارت جدلا واسعا في تونس، لا سيما أنها اعتبرت بمثابة "تلميع" للطرابلسي، مع اتهامات للإعلامي الذي أجرى الحوار بأنه لم يوجه أسئلة "جدية" لضيفه الذي بدا أنه هو من "يدير" الحوار، وفق المنتقدين.
وفي هذه المقابلة التي عُرضت الاثنين، قال الطرابلسي إنه تعرّض مع عائلته "لمظالم كبيرة"، معتبرا أن لفظ "الطرابلسية" (نسبة لاسم عائلته) أصبح "لفظا عنصريا في تونس، ويتّم تمريره في وسائل
الإعلام دون مراعاة العائلة"، باعتباره وصفا أصبح يشير للسرقة والنهب، كما قال.
وأحدث تزامن مقابلة صهر بن علي مع ذكرى الثورة التونسية؛ جدلا واسعا في الأوساط التونسية، حيث انقسمت الآراء بين من يرى في مثل هذه المواد الإعلامية سبقا صحفيا من الطّبيعي أن تبحث عنه وسائل الإعلام، وبين من اعتبرها مُحاولات لتبييض صورة من أفسد في حق التونسيين.
تبييض وتطبيع وتشكيك
ويرى الكاتب والصحفي التونسي، منذر بالضيافي، أن البرنامج لم يكن سبقا صحفيا؛ لأنه لم يقدم أي جديد، "وكل ما صرح به الطرابلسي قديم ومستهلك، وهذا ما يؤكد أن الغاية منه كانت التطبيع مع الطرابلسية، والتأكيد على أن ما حدث ليس ثورة، خاصة وأنه تزامن مع ذكراها السادسة"، وفق تعبيره.
وأضاف لـ"عربي21" أن "الإعلام التونسي عموما غابت عنه الجدية والمقاربة الموضوعية؛ لصالح حضور الإثارة والابتزاز، وحتى لعب أدوار مشبوهة، من مثل ما حصل الاثنين من استدعاء مجرم فار من العدالة (بلحسن الطرابلسي) وتقديمه كما لو أنه مناضل سياسي مظلوم"، على حد وصفه.
وتابع: "البرنامج كان عملية تبييض وتطبيع وتشكيك في ثورة 14 كانون الثاني/ يناير 2011"، معتبرا أن هناك "رفضا مجتمعيا واضح لظهور بلحسن، ويمكن قياس ذلك من خلال تفاعل التونسيين مع الحلقة في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك".
الصحفي يحاور من يشاء
في المقابل، اعتبرت الصحفية منى البوعزيزي؛ أن من حق أي صحفي أن يحاور من يشاء، وقالت إن مُهاجمة الإعلاميين لمجرّد استضافة شخصيّة ما، ولو كانوا من عائلة الرئيس السابق، "هي مُجرّد شيطنة للإعلام والإعلاميين لم تتوقّف منذ اندلاع الثورة"، على حد وصفها.
وقالت لـ"عربي21": "من حق أي صحفي أن يحاور اي شخصية مهما كانت، سواء عائلة الطرابلسية أو بن علي أو زوجته أو غيرهم"، كما قالت إنه "يحق للصحفيين أن يختاروا الوقت المناسب لبث الحوار".
لكن البوعزيزي أكدت في المقابل؛ أنه "لا يحق للصحفي أن يترك الضيف يدير الحوار كما يشاء، وأن يحصل على مدة زمنية كبيرة للتلاعب بالحقائق وسط صمت الإعلامي".
وتابعت: "ما وقع في قناة التاسعة يعتبر خطأ مهنيا كبيرا؛ لأن بلحسن طرابلسي لم يكن ضيفا، بل كان صاحب الحوار"، وفق قولها.
وحول وجاهة الاتهامات التي وجّهها البعض لقناة التاسعة، بأنها بحثت عن تبييض صورة صهر بن علي، أكدت البوعزيزي أنها لا تتهم البرنامج ولا العاملين بالمحطة بأنهم بحثوا عن هذا التبييض، لكنا أشارت إلى أن "الحلقة سيطر عليها الضيف دون إحراجه بأي سؤال صحفي، وهو ما لا يُمكن أن يُقبل".
سبق صحفي تحوّل لعملية تبييض
من جهته، قال الإعلامي خليل الكلاعي؛ إنه "من الطبيعي أن يبحث الصحفي عن السبق وعن التميّز من خلال محتوى المادة التي يقدمها أو من خلال الضيوف، بل إن التميّز في العمل الصحفي يعتمد أساسا على قدرة الصحفي على الوصول إلى شخصيات أو معطيات غير متاحة".
وأضاف الكلاعي لـ"عربي21": "من هذا المنطلق، أعتبر أن استضافة الإعلامي معز بن غربية لصهر الرئيس السابق كان من الممكن أن يندرج في سياق السبق الصحفي؛ فقط لو توفّر الحوار الّذي دار بين الضيوف على الحد الأدنى من التوازن، إذ لا يمكن الحديث عن سبق صحفي عندما لا تُحْترَمُ أبجديات العمل الصحفي".
واعتبر الكلاعي أن الحوار "غاب عنه التوازن والموضوعية"، فلم تُوجّه فيه "الأسئلة الحقيقية والمحرجة لصهر الرئيس الفار، وهو ما حوّل البرنامج إلى ما يُشبه عمليّة التبييض لشخصه، خاصّة مع المساحة الزمنية التي أتيحت له ليرد على أسئلة غير جدية، وغياب الطرف القادر على إحراجه و مجابهته بما ارتكب وإخوته وعائلته؛ من
فساد ومن انتهاكات بحق التونسيين"، وفق تعبيره.
يُذكر أنه تم الحكم على بلحسن الطرابلسي بعد الثورة بالسجن لـ26 سنة، وصدرت بحقه مذكرة توقيف دولية، وذلك في إطار محاكمات عائلة الطرابلسي وبن علي بعد الثورة.
وأشارت مذكرة للسفارة الأمريكية بتونس تعود إلى حزيران/ يونيو 2008، ونشرها موقع ويكيليكس، إلى أنه الطرابلسي "عرف بتورطه في فساد واسع النطاق، من بنك تونس إلى الاستيلاء على أملاك وتلقي رشاوى".
وبعد فراره إلى كندا عقب الثورة التونسية، قدّم طلبا باللجوء السياسي جوبه بالرّفض من المحكمة الاتحادية الكندية التي حدّدت تاريخ 24 أيار، مايو 2016 لترحيله إلى تونس، إلا أن السلطات الكندية أعلنت قبل أسبوع من هذا التاريخ أنه غادر شقته الفاخرة بمونتريال وأنها فقدت أثره.
ورفض الطرابلسي الإفصاح عن مكان تواجده حاليا، وما إذا كان في السعودية أو ما زال في كندا.