بشار الأسد لا يرضى بخُمس سوريا أو ربعها كما يريد بوتين بل يريدها كلها (!)، مما يفسر قناعة تركية عبر عنها وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو عندما قال إن هناك دوراً ومجموعات تسعى لتخريب اتفاق وقف إطلاق النار وتأزيم الوضع في سوريا.
ورغم أن الوزير التركي لم يسم أحداً باسمه، فإن كلماته كانت واضحة حين أضاف بالحرف الواحد أن روسيا وتركيا هما الضامنان لوقف إطلاق النار، لكن على إيران وبالخصوص حزب الله التابع لها والميليشيات الشيعية والنظام السوري أن تمارس نفوذها بشكل ايجابي لإنجاح الهدنة مثلما وعدت موسكو.
كلام أوغلو صحيح «100 %» ويفسر أسباب رفض إيران إشراكها وحلفاءها في اتفاق الهدنة حتى تبقى في يدها أدوات استخدام القوة دون أن تُتهم رسمياً بانتهاك الاتفاق. لكن خبث حكام طهران وعصاباتهم في سوريا، يظهر جلياً في تكتل كل هذه القوى الشيعية الإرهابية، ضد التوجه الروسي الذي حدده بوتين، خاصة وأن لدى زعيم الكرملين رؤية تقوم على الاستفراد بسوريا بكل أجزائها ودويلاتها المحتملة، وعلى عدم مشاركته أحداً في النفوذ أو السيطرة سواء كانت إيران أو دمشق الأسد.
كنا نتوقع منذ وقت طويل أن يأتي وقت الصدام بين حلفاء الشر، وهو خلاف يُسعد كل صاحب ضمير حي. ورغم أننا لا ندري كيف يمكن للروس أن يتصرفوا تجاه التحدي الشيعي لسلطتهم الاستعمارية في سوريا، فإن بوتين منهمك بالتأكيد في البحث عن تسوية ما تكافئ جميع الذين قاتلوا ولكن ضمن حدود متواضعة لا تتخطى ما يرسمه مخططو الدولة العظمى من تفاصيل وهِبات أو مِنَح.
ومثلما قال باحثون بينهم «سام هيلر» من مؤسسة «سنتشري فاونديديشن»، فإن لدى موسكو وأنقرة مصلحة ملحة في إنجاح وقف النار، لكن لكل المؤشرات تدل حسب تحليله، على أن إيران والنظام السوري يريدان الاستمرار في الحل العسكري.
ولا تنتهي العراقيل عند هذه النقطة، ذلك أن «جيش الفتح» وهو تحالف فصائل إسلامية على رأسها جبهة فتح الشام يسيطر على كامل محافظة إدلب، وأن نسبة مقاتلي الجبهة تصل إلى «60 %» من مجموع مقاتلي المعارضة في إدلب.
وكما تُجمع وكالات الأنباء، فإن استثناء جبهة فتح الشام سيشكل عائقاً هائلاً أمام تنفيذ الهدنة، نتيجة التحالفات الواسعة بين الجبهة والفصائل المعارضة، وذلك في الوقت الذي بدأت فيه موسكو الاستعدادات السياسية لعقد «محادثات سلام» الشهر الحالي «يناير» في الآستانة عاصمة كازاخستان تمهيداً لاستئناف مفاوضات جنيف في الثامن من فبراير كما قالت الأمم المتحدة.
وتعمدت جبهة فتح الشام كما يبدو تطيير أنباء متناقضة حول نواياها وموقفها من الاتفاق الروسي التركي على إنهاء القتال. لكن الشيء المؤكد أن «القيصر مولِّع على الآخر»، ولا بد أن نتوقع منه مفاجآت تؤمِّن له «النصر» المزعوم الذي يسعى لإعلانه في «سورياه»!