نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا تحت عنوان "صاحب السمو الشيخ دونالد آل
ترامب" للكاتبة إليزابيث ديكنسون، تبحث فيه السبب الذي يجعل من الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب يحظى بشعبية في دول
الخليج.
وتقول الكاتبة: "أخبرني أحد أعضاء العائلة الكويتية المالكة مرة بأن لا أحد في منطقته مغرم بالرئيس الأمريكي باراك
أوباما، بالتأكيد، فقد اختلف القادة هنا مع سياساته، واكتشفوا أنه ساذج، وليس مستعدا لاستخدام القوة الأمريكية، لكن أبرز ما أزعجهم هو طريقة تعامله، وقال إن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش دائما ما كان يتصل للسؤال وقول (مرحبا)، ويرسل رسائل هاتفية عندما كان يفوز فريق الأمير في المباريات المهمة، أما أوباما فكان يتصل عندما يريد شيئا".
وتضيف ديكنسون في مقالها، الذي ترجمته "
عربي21": "بعد ثلاث سنوات من هذا الحوار، فلا عجب أن الملكيات العربية فرحة بانتخاب ترامب، في الوقت الذي يدعو فيه مؤيدو ترامب (لتنظيف المستنقع)، والتخلص من ثماني سنوات من سياسة أوباما وعهده، فإن حلفاء أمريكا يأملون في الشرق الأوسط بشيء مماثل، تفكك السياسة الخارجية، التي وصفها المثقفون والمسؤولون عادة بعبارات مثل: الكارثة التامة والفشل الذريع".
وتتابع الكاتبة قائلة: "في حوار المنامة، الذي عقد في المنامة في نهاية الأسبوع الماضي، وهو مؤتمر أمني سنوي، ينظمه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، والذي يشارك فيه مسؤولون عسكريون وأمنيون وصناع السياسة من أنحاء المنطقة كلها، كان المزاج فيه يحمل صورة انتصارية، ونقل عن الباحث غير المقيم في المجلس الأطلسي، ومستشار السفارة
السعودية في لندن محمد اليحيى، قوله: (هناك بالتأكيد شعور بأن الأمور لن تكون أسوأ مما كانت في عهد أوباما)، فإن أي تغيير بعده في البيت الأبيض سيكون مرحبا به".
وتستدرك ديكنسون بأن "نسخة ترامب من الانقلاب المتطرف جعلت من العرب السنة في الخليج يفتتنون به، ويأمل القادة هنا أن يقوم بإعادة كتابة سياسة واشنطن مع
إيران، ومعاقبة طهران على نشاطاتها خلال العالم العربي، ودعمها للمليشيات والسياسيين والحكومات المنبوذة في العراق وسوريا واليمن، وبمستوى متراوح من الدعم في البحرين، وعبر معظمهم عن تجاوز المواقف الكارهة للإسلام، وعدوا ذلك من حماقات الحملة الانتخابية، وأكدت التحركات الأولى لترامب ذلك، ويبدو أن القادة والمحللين في الخليج مستعدون لتجاهل المعلومات التي لم تكن".
وتشير الكاتبة إلى أن "حكومة ترامب تضم عددا من المسؤولين الذين كانوا ناقدين بشدة لإيران، فالقائد السابق للقيادة المركزية الجنرال جيمس ماتيس، والجنرال المتقاعد مايكل فلين، ويرى اليحيى أنه (بالنسبة للسعوديين والناس في المنطقة، فإن بعض اختياراته مطمئنة)، ويرى الكثيرون أن آراء الجنرال ماتيس حول المنطقة معقولة وعقلانية، ويفكر أيضا المرشح لـ(سي آي إيه)، (مايك) بومبيو بطريقة أكثر واقعية من إدارة أوباما".
وتجد المجلة أن "الحماس الخليجي لترامب تنبع من شخصيته بصفته رجل أعمال، فخلافا لأوباما المثقف، الذي يحسب خطواته، فإن ترامب ينجح من خلال العقود والصفقات والسياسة، ويقول الكاتب في صحيفة (أخبار الخليج) البحرينية عبدالله المناعي، إن (من السهل التكهن بتحركات رجل الأعمال، ما الحد الأدنى وما الذي يشعره بالسعادة، وبصفته رجل أعمال، والخليج مستعد للتعامل معه، يعني أن هناك فرصا لأن تتعامل دول الخليج بطريقة جيدة مع ترامب)".
وتقول ديكنسون إن "حماس المسؤولين الخليجيين لترامب بطرق مختلفة نتاج لخيبة أملهم من أوباما، فقادة الخليج مستعدون للاعتراف بمدى احتقارهم للرئيس رقم 44، الذي في طريقه لمغادرة البيت الأبيض".
وتبين الكاتبة أن "قائمة شكاواهم طويلة، لكنها تتركز على خلاف أساسي حول دور أمريكا في المنطقة، فقد تحدث أوباما، الذي انتخب ليخرج أمريكا من حروب المنطقة، عن حدود الولايات المتحدة، وقاوم الدعوات للتحرك العسكري، خاصة في سوريا، وبالمقارنة، فإن قادة الخليج رأوا القوة الأمريكية حقيقة واقعة وليس موضوعا نخبويا للنقاش، ويثبت هذا وجود 58 ألف جندي أمريكي متمركزين في المنطقة".
وتلفت المجلة إلى أنه "باختيار أوباما عدم التحرك في سوريا، يناقش هؤلاء المسؤولون أن أوباما أعطى الضوء الأخضر لإيران وروسيا للدخول إلى المنطقة، ودون خوف من العقاب، كما تقال القصة هنا فقد أدى تخلي الولايات المتحدة عن دورها إلى سلسلة خطيرة من التأثير الإيراني، وكارثة إنسانية مدمرة في العراق وسوريا، ونصف دزينة من دول المنطقة التي تستقبل اللاجئين الآن".
وتقول ديكنسون: "كما كشف حوار المنامة، فإن المشاركين لفتوا الانتباه إلى ما يرونه تتويجا لفشل السياسة الخارجية: وهو سقوط حلب الشرقية، التي كانت في يد المعارضة، بمساعدة من حلفاء النظام الروس والإيرانيين، وقد علق مئات الألاف من المدنيين في المدينة منذ تشرين الأول/ أكتوبر، تحت قصف عشوائي وحصار غير إنساني".
وينقل المقال عن ممثل المعارضة السورية في مجلس التعاون الخليجي أديب الشيشكلي، الذي التقت به ديكنسون على هامش حوار المنامة، قوله: "لن يكون أسوأ من إدارة أوباما".
وتعلق الكاتبة قائلة: "بطريقة ما، فإن المشاعر متبادلة، فلم يخف أوباما إحباطه من (قلق) دول الخليج من إيران، حتى عندما بدأت إدارته بالتفاوض لوضع اتفاق يحد من نشاطات إيران النووية، وباعت أنظمة مضادة للصواريخ لأعداء إيران".
وتنوه المجلة إلى ما قاله أوباما في لقائه مع جيفري غولدبيرغ في مجلة "ذا أتلانتك"، وجاء فيه: "إن التنافر بين السعوديين والإيرانيين.. يستدعي منا القول لأصدقائنا وكذلك للإيرانيين إنهم بحاجة للبحث عن طريقة فاعلة ليشتركوا في المنطقة"، ووصف أوباما في لقائه هذا، الذي نشر في نيسان/ أبريل، السعودية وحلفاء آخرين بمن "يمتطون صهوة الحصان" الأمريكي مجانا، وأضاف الرئيس: "نقول لأصدقائنا: نعم، أنتم محقون، إيران هي مصدر المشكلات كلها، ونحن مستعدون لدعمكم في التصدي لإيران، لكن ذلك لا يعني بالضرورة استمرار النزاعات الطائفية".
وتشير ديكنسون إلى أن "البيت الأبيض كان له على ما يبدو موقف آخر من دعم التحالف الذي قادته السعودية في اليمن، الذي هدف للإطاحة بالمتمردين الحوثيين المدعومين من العاصمة طهران، وبعد عام من الغارات الجوية التي دمرت معظم اليمن، وأدت إلى كارثة إنسانية، مع أن خطوط القتال لم تتغير أبدا في السنوات الأخيرة، وأشارت وكالة أنباء (رويترز) في 13 كانون الأول/ ديسمبر، إلى أن الولايات المتحدة ستوقف بيع السلاح للمملكة العربية السعودية، وستركز على تدريب القوات الجوية السعودية من أجل التهديف الجيد، وهي مهارات تؤدي إلى تجنب الضحايا المدنيين، ووبخ وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر، في رحلته الأخيرة إلى المنطقة، المسؤولين العسكريين في الخليج؛ بسبب (شكواهم) إلى نظرائهم الأمريكيين، بأن على واشنطن أن تفعل المزيد، وقال: (أطلب منكم التخيل ماذا يفكر به قادة الدفاع والعسكريون الأمريكيون عندما يستمعون بأن علينا عمل المزيد، مع أنه من الواضح أن من يشتكون هم أنفسهم لا يفعلون ما يكفي)، حيث تحدث أمام منبر حوار في المنامة".
وتقول الكاتبة إنه "في رد كارتر على الأسئلة كان صوته أحيانا يميل للاحتقار، وذكر مستمعيه عدة مرات بأنه رد على الأسئلة التي طرحوها، لكنه عندما تحدث عن التوتر بين دول مجلس التعاون الخليجي بدا إحباطه بشكل واضح ، قائلا: (إن حقيقة قلق دول المنطقة حول النشاطات الإيرانية من زعزعة استقرار المنطقة -وهي حقيقة توافق عليها أمريكا- يجب أن تشارك في اللعبة، وهذا يعني أن تكون جادة للتعاون بشكل جدي فيما بينها)، وكان رد فعل الحضور هو هز رؤوسهم على النبرة المتغطرسة للوزير، أو تلفظوا بين أنفسهم بعبارات (بلا رجعة) يا إدارة أوباما".
وتضيف ديكنسون أن "قادة دول الخليج يأملون من ترامب وإدارته أن يقوموا بوقف التأثير الإيراني في المنطقة، ويقول المسؤولون هنا إن الاتفاق النووي الإيراني قد أدى إلى مفاقمة تصرفات إيران السيئة، ففي الجلسة الافتتاحية قال رئيس المخابرات السعودي السابق الأمير تركي الفيصل: (لم تثبت إيران أنها دولة هادئة، وتريد التعاون مع جيرانها، وعلى خلاف هذا، فقد زادت نشاطاتها)".
وتذكر المجلة أن "ترامب ردد هذه الآراء، فقد أدى الاتفاق إلى (تقوية) إيران، بحسب ما قال لشبكة (فوكس نيوز) في كانون الثاني/ يناير، و(لم يجف بعد الحبر وها هم يقومون بخرق الاتفاق)، وعبر مستشاروه عن مواقف أكثر تشددا، ففي شهادته أمام لجنة القوات المسلحة في الكونغرس عام 2015، قال المستشار المقبل للأمن القومي الجنرال المتقاعد مايكل فلين إن إيران (تمثل خطرا واضحا على المنطقة، وبالتالي على العالم)، وفي المقابلة ذاتها اقترح ترامب أن على السعودية (مساعدتنا اقتصاديا)، مقابل توفير الحماية لها من إيران، وقال المناعي إن (العلاقات الاقتصادية ستكون بسيطة: ادفعوا لي وسأبعد عنكم إيران، وهي صيغة صغيرة: ومهما قدمتم لي سأعطيكم مقابله)".
وتقول الكاتبة إن "قادة دول الخليج لديهم قائمة من الأزمات التي يريدون من ترامب معالجتها، ويأملون أن تحافظ على الاتفاق النووي، لكنهم يربطون رفع العقوبات عنها بالتصرف الإيراني الجيد في المنطقة، وفي الوقت ذاته تريد دول الخليج استغلال فترة الـ15 عاما، التي حددها الاتفاق؛ لتعزيز دفاعاتها العسكرية، وقال الأمير تركي: (تحتاج دول المنطقة لاتخاذ الإجراءات، وأن تكون حذرة، وتحضر نفسها للمرحلة التي تأتي بعد الاتفاق)، وأضاف: (نحن بحاجة إلى برنامج خلال الـ15 عاما المقبلة)".
وتضيف ديكنسون أنه "في سوريا، فهم يأملون بأن تصغي الإدارة لهم، وتقوم بملاحقة الحكومة السورية وحلفائها الإيرانيين، بالإضافة إلى تنظيم الدولة، ويقول الرئيس السابق للائتلاف الوطني السوري هادي البحرة: (أستطيع القول إن هناك مجالين للتعاون)".
وتعلق الكاتبة قائلة إن "الكثير من تصريحات ترامب أثناء الحملة الانتخابية وبعد انتخابه قللت من التوقعات المرتفعة، فإعجاب ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو التناقض المثير للإعجاب، ففي سوريا تعمل موسكو مباشرة مع الإيرانيين لاستعادة المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، ويقوم الطيران الروسي بضرب الجماعات التي تدعمها دول الخليج، ومع ذلك يتمسك الكثيرون هنا –الخليج- بالأمل، ويقول الشيشكلي: (نأمل بأن يدفع قرب إدارته مع موسكو إلى حل، وربما استطاع الأمريكيون إقناعهم بالابتعاد عن رئيس النظام السوري بشار الأسد)".
وتلفت المجلة إلى أنه في مقابلة ترامب مع "وول ستريت جورنال"، تساءل عن دعم الولايات المتحدة للمعارضة السورية، قائلا: "ليست لدينا فكرة عمن نقوم بدعمهم"، وذهب بعيدا بالقول إن الولايات المتحدة يجب أن تتحالف مع أي قوة تقاتل تنظيم الدولة، بمن فيها روسيا وحكومة الأسد، مشيرة إلى أن قول البحرة: "لا أعتقد أنه سيقوم باتخاذ ذلك القرار بعد وصوله إلى السلطة"، وأضاف: "سنحكم على استراتيجيته بعد وصوله إلى المكتب، ونقرأ الحقائق كلها، وبعد ذلك سنتخذ القرارات الحكيمة"، وقال الأمير تركي: "ربما لم تكن لدى ترامب المعلومات الكافية"، وأضاف: "آمل أن يحصل على المعلومات".
وتفيد ديكنسون بأن "قادة الخليج يريدون من ترامب أن يوقف التأثير الإيراني في العراق، الذي تأخذ عشرات المليشيات فيه أوامرها من طهران، ويأملون بتعزيز التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، أو على الأقل التغاضي عنه، ويقول المناعي إن ميل ترامب للتدخل وبحسم ضد إيران (سيكون مشجعا)، ويضيف: (عندما يقوم ترامب باتخاذ قرارات حاسمة وسريعة فإنها قد تورط أمريكا أكثر مستقبلا، لكنها ستحل المشكلات التي نواجهها)، وقد يكون تورط أمريكا في المنطقة مكلفا، لكن دول الخليج ستنتفع من هذا التورط".
وترى الكاتبة أن "هذا لا يعني عدم وجود قلق من مظاهر العداء للإسلام، لكنهم مستعدون لتجاوز موقفه من الإسلام، خاصة من ترامب ومستشاريه للأمن القومي، طالما خدمت مصالحهم القومية، وقال محلل يقيم في الخليج، إن قادة الخليج براغماتيون، (فقد اكتشفوا أن معظم ما قاله هو كلام حملة انتخابية)، ومع ذلك، فإنه من خلال الهمس والأحاديث، يبدو أن هناك قلقا، فترامب ليس أوباما، ولا أحد يعرف طبيعته بعد، ويرى المحاضر في كلية الدفاع الوطنية الإماراتية في أبو ظبي البدر الشاطري أن (القلق متعلق باندفاعه)، وقد أحاط ترامب نفسه بمجموعة من الصقور، وأسوأ من هذا هو أن عددا من مستشاريه هم من المعادين للإسلام، وهذه التعيينات تصل إلى تعيين معادين للسامية في مواقع عليا في الحكومة".
وتخلص "فورين بوليسي" إلى القول إنه "مهما يكن من سياسات ترامب القادمة، وما سيفعله أو لم يفعله، فإن الشيء الظاهر هو أن قادة دول الخليج مستعدون للتعاون على المستوى الشخصي مع ترامب أكثر مما فعلوا مع أوباما، ففن الصفقات نشط وبحالة جيدة هنا، ويقول المناعي: (نحن تجار بالفطرة)، ويضيف: (قد لا يفهم الأوروبيون لأنهم مهتمون بحقوق الإنسان وقواعد المساواة الأخلاقية، لكننا عمليون، ونأخذ ما نستطيع عليه)".