أكد المتدخلون في الذكرى الرابعة لرحيل مؤسس
جماعة العدل والإحسان المغربية،
عبد السلام ياسين، السبت، بسلا (وسط)، على ضرورة
الحوار بين جميع الأطياف من أجل بناء مشترك مؤسس لدولة ديمقراطية تحترم الإنسان وكرامته.
الحوار ليس إرادة للهيمنة
في مداخلته حول "مفهوم الحوار في فكر الراحل عبد السلام ياسين"، اعتبر مدير مركز ابن غازي للدراسات والأبحاث، إدريس مقبول، أن الحوار "ليس إرادة للهيمنة بقدر ما هو اكتشاف جماعي لحقيقة تشغل هؤلاء، في مصيرهم المشترك".
وشدد مقبول على أن "الأصل في الحوار الذي يجري بين طرفين أساسه هو التقارب وليس التغالب الذي يعكس ثقافة الحرب والإقصاء".
وخلص الباحث المغربي إلى أن مؤسس الجماعة الراحل اعتمد على ثلاثة مفاهيم أساسية للحوار وهي "الذّكر والتذكير والمذاكرة"، واعتبرها "تجليات كل أشكال الحوار التي مارسها وفكر فيها وأقرها عبد السلام ياسين".
وأوضح مقبول أن الذكر عند "ياسين" هو الصلاة باعتباره تجربة روحية، وهي في الأساس حوار الإنسان مع خالقه، فيما تجلى التذكير عند مؤسس الجماعة، الذي كان رجل دعوة، في "الدلالة على الله المطلق بلطف". أما المفهوم الثالث وهو "المذاكرة"، فيقول مقبول، إنه "مشاركة تعكس إيمان الراحل بأن هذا العالم في سعينا لإعادة صياغته لا يمكن فعل ذلك بشكل منفرد".
وشدد على أن الحوار "يكون مع الجميع في جميع المجالات من أجل بناء مجتمع وتقارب أفضل"، داعيا إلى ضرورة "أن نؤسس لحوار على الأساس الذي بني عليه الداعي لدين الله الذي نحن حملته لا الجغرافيا أو التاريخ"، مشيرا إلى أن من يدعو إليه "هو وجود المروءات والفضلاء في هذا العالم رغم وجود الانتهازيين وأصحاب المصالح".
وأكد مقبول أن "نصب الجسور في اتجاه الآخر ينبغي أن يحضر معه الوعي بطبيعة الاختلافات النفسية والثقافية والاجتماعية التي تدعو إلى مزيد من التفكير في طبيعة هذه الجسور التي نمدها في اتجاه الآخر، حتى نتمكن من المحافظة على هذه الجسور من أن تنهار في المستقبل". مؤكدا أن عبد السلام ياسين دعا إلى عدم تأجيل الحوار أو استعجال الوفاق.
وخلص الباحث المغربي إلى أنه "حتى ننجح في الحوار ينبغي أن تتوفر لدينا ثلاثة عناصر وهي: الرغبة، والقدرة، والفرصة".
وأوضح أن الرغبة باعتبارها تجسيدا للوعي "لا يمكن أن ندعي الحوار ما لم يكن الإنسان واعيا وراغبا فيه ومدركا لأهميته"، مستدركا: "علينا أن نشارك الآخر في تطلعاته كأنها جزء من تطلعاتنا..".
في حين اعتبر مقبول العنصر الثاني للحوار وهو "القدرة" بأنه "شجاعة في اقتحام القرار بمسؤولية"، بينما العنصر الأخير "الفرصة"، فاعتبر استثمارها "بداية مشاريع تاريخية عظيمة".
الاستبداد يستفيد كثيرا من حالة التفرقة السياسية
من جانبه، عرض الأمين العام لحزب البناء الوطني التونسي، رياض الشعيبي، لتجربة الحوار السياسي في تونس، مستعرضا الحوار الوطني لعام 2005 و2013.
وقال إن الإسلاميين والعلمانيين في 2005 اتفقوا على إيجاد مسارين للحوار، حوار فكري وآخر سياسي.
وأوضح أن الحوار الفكري بين الطرفين تجلى في أربع قضايا "المرأة، والحرمة الجسدية، والديمقراطية، وهوية ودين الدولة"، التي شهدت تباينا بين الإسلاميين والعلمانيين حول مفاهيمها. وأشار إلى أنه بعد هذا الحوار، أتت وثيقة لتطمئن الجميع عن مخرجاته، غير أن انتخابات 2009 أوقفته.
ولفت الشعيبي إلى أن "الاستبداد يستفيد كثيرا من حالة التفرقة السياسية"، وقال إنه "كلما تفرق الفاعلون السياسيون كلما تقوى الاستبداد واستحكم أكثر في رقاب الناس".
وأشار الأمين العام لحزب البناء الوطني إلى أن تجربة الحوار في عام 2013 كانت دوافعه مختلفة، فبعد سقوط النظام ورموزه الرئيسية "أصبح الحوار يدور حول تقاسم السلطة الذي كان النقطة الرئيسية"، مؤكدا أن "حوار 2005 أدى إلى اتفاقات فكرية ثقافية وسياسية ذات طابع مضموني في حين أن حوار 2013 أدى إلى تسوية سياسية فقط".
ولفت إلى أنه "عندما حصل توافق فيما بعد لم يكن توافقا علمانيا إسلاميا، ولكنه أدى إلى تسوية حول تقاسم السلطة بين حركة النهضة التي هي القوة الرئيسية الأكبر في البلاد بعد الثورة وبين المنظومة القديمة.. والخلاف بينهما كان خلافا إيديولوجيا ولم يكن خلافا فكريا أو سياسيا".
وخلص الشعيبي في الأخير إلى أن حوار 2005 كان حول "المخرجات" في حين أن حوار 2013 كان حول "المآلات" التي قال عنها، بحسب التقارير البنك الدولي والمنظمات الدولية، إنها "تواطؤ سياسي لحماية الفساد في تونس".
منجيب: الأنظمة أذكت الصراع بين مختلف الأطياف للحفاظ على سلطتها
في حين كشف المؤرخ والحقوقي المغربي، المعطي منجيب، في مداخلته حول "الخلفية العميقة وإشكالية الحوار بين اليسار والإسلاميين" أن الأنظمة العربية سعت للحفاظ على سلطتها "إلى إذكاء الصراع والتقاتل بين مختلف الأطياف خاصة بين الإسلاميين والعلمانيين واستغلت لمدة طويلة خلق الانفصال بين المتصارعين لتبقى المستفيد الأكبر من الصراع بين الاتجاهين اللذين يجب عليهما أن يستوعبا أن خسائر هذا الصراع أكثر تكلفة من التنازلات التي يفرضها كل طرف على الآخر".
وأوضح أن تحديات الحوار هي حول البنية الذهنية التي قال عن واقعها إنه يبقى "سلطويا بالأساس"، مشيرا إلى أن الكواكبي دعا منذ أكثر من قرن إلى "اعتماد التعليم والتنوير فيما أسماه بالحكم الاشتراكي المعني به الديمقراطية التشاركية". في حين أن التحدي الآخر يتجلى في الحريات الفردية والعامة بين الإسلاميين والعلمانيين.
وعلى صعيد آخر، قال منجيب إن اليساريين والعلمانيين يطلبون من جماعة العدل والإحسان (أكبر جماعة إسلامية بالمغرب) توضيح استراتيجيتها بشكل دقيق، وطرح عدة أسئلة اعتبرها جوهرية من قبيل: "هل أنتم ثوريون أم إصلاحيون؟"، ودعاهم إلى توضيح منهجيتهم في التغيير "هل هي الشارع فقط أم الفعل المدني والنقابي أيضا، أم انتظار المساء الكبير؟ (في إشارة إلى الثورة)".
وحول موقف الجماعة من الانتخابات بالمغرب، طالب منجيب بتحديد رؤيتها منها ومدى اهتمامها بها، وهل "ستبقى حبيسة انتظار التغيير الديمقراطي الكامل للمشاركة في اقتراع شعبي يكون كامل الزينة والنزاهة؟"، على حد قوله.
ودعا المؤرخ المغربي الجماعة إلى الإفصاح عن كنه الدولة التي تريد مع تعريف واضح لمفهوم "الدولة الدينية عندها" وهل هي نقيض الدولة العسكرية أم تضمن وتحمي جميع مكونات المجتمع المتدينون منهم وغير المتدينين؟
وحول طبيعة نظام الحكم تساءل منجيب إن كانت الجماعة تريد "الإطاحة بالنظام الملكي والإتيان بآخر محله"، وإن كان كذلك "فما مضمونه، وكذا مؤسساته وهل سيكون الأفضل؟".
كما طلب منجيب من مسؤولي الجماعة التعبير عن موقفهم من "الحريات الشخصية وحرية المعتقد"، وكذا إن كانوا "يعترفون بالمساواة الكاملة بما في ذلك الإرث؟".
وختم كلامه بالقول: "هل يمكن للجماعة أن تتقبل فكرة أن تكون المرأة رئيسة للدولة؟".
وتعرف فعاليات الذكرى الرابعة لرحيل مؤسس جماعة العدل والإحسان، عبد السلام ياسين، المنظمة على مدى يومين (السبت والأحد) حضور فعاليات سياسية ومدنية وحقوقية من بلدان عربية وإسلامية.