أثارت خسارة المعارضة لإحدى أهم المدن السورية الكبرى مدينة
حلب والتي تعرف بمعقل الثورة تساؤلات حول الخطوات الواجب على المعارضة اتخاذها لإعادة ترتيب أوراقها استعدادا لأي مواجهة قادمة وتفاديا لخسارة المزيد مما كسبته خلال السنوات الست الماضية.
وكانت فصائل الثورة السورية انتزعت السيطرة على أحياء حلب الشرقية منذ عام 2012 وطردت قوات النظام التي تمركزت في المناطق الغربية من المدينة وواصلت من هناك قصف المدينة بكافة أنواع الأسلحة.
وتعرضت حلب خلال السنوات الماضية لمئات المجازر بحق المدنيين ودمرت قوات النظام وحلفاؤها من الروس والمليشيات
الإيرانية أجزاء كبيرة من المدينة وجعلت من الصمود فيها أمرا صعبا علاوة على ضرب كافة نقاط العلاج والمستشفيات في المدينة وكذلك الحصار الخانق الذي ضرب عليها وترك السكان فريسة للجوع والأمراض.
ويشير مراقبون إلى أن خسارة حلب تفرض على المعارضة السورية إعادة حساباتها في المرحلة المقبلة وتغيير استراتيجياتها وطريقة عملها بما يضمن إعادة ترميم الخسائر الاستراتيجية للثورة.
العقيد المنشق عن النظام أحمد حمادة قال إن المطلوب في هذه اللحظة من المعارضة السياسية والفصائل المقاتلة إعادة تقييم شامل لهذه المرحلة من عمر الثورة السورية في ظل دخول مفردات جديدة على الساحة مثل الروس والإيرانيين والمليشيات الأفغانية والعراقية الطائفية.
جيش وطني
وأوضح حمادة لـ"
عربي21" أن الثورة السورية أصبحت اليوم بكل وضوح في مواجهة احتلالين روسي وإيراني، وهذا يفرض تغيير الاستراتيجية العسكرية للثورة وتشكيل جيش وطني يقوم بهذه المهمة.
وشدد على "لزوم الاستعانة بالضباط المنشقين عن قوات النظام نظرا لخبرتهم في الأعمال الحربية وكيفية إعادة هيكلة العمل العسكري ليكون فاعلا وفق استراتيجية واضحة وأهداف محددة وطنية تحت راية واحدة لنفي الذرائع التي تقول إن هناك جماعات إرهابية تعمل في
سوريا".
وأضاف حمادة: "المقاتلون القلة الذين حرروا 85% من مدينة حلب وهزموا 17 فرعا أمنيا وقوات الحرس الجمهوري والسرايا المسلحة للنظام كانوا مجرد طلاب لكنهم كانوا على قدر التحدي وحملوا هم الثورة واستطاعوا الصمود سنوات طويلة في حلب وغيرها".
لكنه شدد على أن المقاتلين "تم خذلانهم ومنع الدعم عنها بالإضافة لحملة الإبادة التي شنتها
روسيا وإيران ضد حلب والتي أتت على الأخضر واليابس في المدينة" وفق قوله.
وأشار إلى أن النظام استطاع "استقطاب كل الجهات الطامعة في سوريا"، لافتا إلى أن "الروس لديهم مشروع في سوريا وكذلك إيران والمليشيات الطائفية الحاقدة لكن في المقابل المعارضة لم تجد سوى الخذلان وحرمانها من أبسط المساعدات العسكرية التي تسمح لها بالوقوف على قدميها في وجه العدوان".
حل الفصائل
بدوره قال عضو المجلس الوطني السوري والمحلل السياسي محمود عثمان إن المعارضة السورية الآن أمام استحقاق "إعادة المحاسبة والمراجعة عن الفترة الماضية بشكل كامل".
وقال عثمان لـ"
عربي21": "الثورة السورية التي مضى عليها ستة أعوام لا يعقل أن تبقى بلا قيادة ورأس يحركها، والمرحلة الماضية شهدت تكسير قيادات ساهمت فيها قوى محلية وعوامل خارجية".
ولفت إلى أن القيادة خلال الفترة الماضية "استنكفت عن العمل بسبب عمليات الحرق الحقيقية آلت إلى الصف الثالث من المعارضة خاصة في الشق السياسي وهذا ما ثبت فشله لاحقا".
وأوضح أن قوى إقليمية وغربية لم تكن ترغب في وجود قيادات كبيرة للثورة السورية وكان مطلوبا "حرق" كل شخص تقدم للصفوف الأولى وهو ما صعد بالقيادات الضعيفة إلى الواجهة.
وعلى صعيد العمل العسكري على الساحة السورية، قال عثمان إن الفصائلية جرت الويلات على الثورة السورية وثبت فشل هذه الطريقة ويجب إعادة النظر بالشكل الفصائلي للثورة السورية نحو تشكيل جيش وطني جامع بعيدا عن حرب الأجهزة المخابراتية والحرب الدولية لتصفية قيادات الثورة.
ودعا عثمان إلى "إيجاد تشكيل عسكري واحد يقوده عسكريون محترفون لهم أجندة واضحة بعيدا عن الفصائل العابرة للحدود مثل تنظيم القاعدة، وهو الأمر الذي تسبب بأذى كبير للثورة السورية".
بدوره شدد المحلل السياسي رامي الخليفة العلي على "وجوب انتقال فلسفة المعارضة السورية من شعار إسقاط النظام إلى مرحلة التحرر الوطني والسعي لهزيمة الاحتلال الروسي والإيراني للأراضي السورية".
وقال العلي لـ"
عربي21" إن سوريا أصبحت اليوم دولة محتلة من قبل روسيا وإيران، وأبرز مثال القواعد البحرية والبرية التي تبنيها موسكو على الأرضي السورية.
ولفت إلى أن القوات التي دخلت حلب كانت مليشيات أجنبية من أفغانستان وإيران ولبنان، وهذا الأمر يلزم أن "تتعدى الشعارات المطالبة بإسقاط الأسد بل يفرض على المعارضة خوض معركة تحرير وطني تشارك فيها كافة المكونات السورية تحت شعار واحد".
واعتبر العلي أن الوقت حان لإعادة الحياة للائتلاف الوطني السوري، الجهة الوحيدة المعترف بها دوليا، لكنه أشار إلى أنه "يعاني من خلل بنيوي وضعف وصعوبات جوهرية تمس عمله".
ورأى أن المرحلة تفرض الآن "وضع استراتيجية متكاملة لتحل محل الاستراتيجيات السابقة التي أوصلت الوضع إلى ما هو عليه الآن في ظل متغيرات الاحتلال الروسي والإيراني المكشوف للأراضي السورية".