تثير تشكيلة الإدارة الأمريكية للرئيس المنتخب دونالد
ترامب التي ظهرت حتى الآن تساؤلات حول مدى تجانس مكوناتها وقدرتها على إدارة ملفات كبيرة تشرف عليها أمريكا حول العالم بالإضافة إلى العلاقة مع دول الشرق الأوسط ودول عظمى مثل
الصين وروسيا.
ولعل من أبرز المناصب التي أعلنت حتى الآن وزارة الدفاع والتي رشح لها الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس، وإدارة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي أيه" والتي رشح لها النائب الجمهوري مايك بومبيو، بالإضافة لمرشح وزارة الخارجية ريكس تيلرسون.
وتظهر أسماء المرشحين تناقضات في النظرة لما يجب أن تكون عليه السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وهو ما ينذر بوقوع فوضى في إدارة هذه السياسة وما سيترتب على ذلك على الصعيد العالمي.
ومن المعروف أن الجنرال ماتيس، والذي ينتظر موافقة الكونغرس كونه متقاعدا لشغل منصب الدفاع وبومبيو المرشح للاستخبارات المركزية، من خصوم روسيا ونظرتهم إليها نظرة ندية، لكن على الطرف الآخر ينظر لوزير الخارجية المقبل تيلرسون على أنه من أنصار التحالف مع روسيا وتحسين العلاقات معها.
المحلل السياسي والمختص في الشأن الأمريكي أسامة أبو ارشيد قال إن التوقعات لطريقة عمل إدارة ترامب وتجانس مكوناتها سلبية ونظرا للأسماء التي ظهرت حتى الآن والتي تتناقض مكوناتها في ظل "الفقر السياسي لترامب".
وأوضح أبو ارشيد لـ"
عربي21" أن عدم تجانس فريق ترامب يحمل رسالتين، الأولى أنه سيرتكب أخطاء فادحة وكبيرة في السياسة الخارجية والملفات المعقدة التي تتعامل معها الولايات المتحدة، والأخرى أنه سيلجأ للتغطية على نقص خبرته بدفع عدد من الجنرالات العسكريين لإعطاء صورة أن أمريكا قوية وسياستها لا تعاني من مشكلات.
ولفت إلى أن بعض أعضاء إدارة ترامب "خصوم لروسيا لكن في المقابل جاء بوزير خارجية يؤيد التحالف معها وهذا ما سيشكل تناقضا في اتخاذ القرارات حين يتحول شخص ند لروسيا مثل الجنرال ماتيس إلى مؤيد للتقارب معها".
وشدد على أن رؤية ترامب السياسية غامضة حتى الآن ويصبح على المحللين التنبؤ بما يمكن أن يقوم به وهو يتعامل مع السياسة بمنطق التاجر الذي يحصل على ما يريده حين يقرر ذلك بطريقة الصفقات، وهذا ينفع في التجارة لكن على مستوى إدارة الدول فغير مقبول.
وقال أبو ارشيد إن "إحدى الملفات التي تكشف تناقضات إدارة ترامب هو ملف العلاقة مع الصين والتي يسعى عدد من مستشاريه إلى رفع سقف التحدي معها".
اللعب مع الصين
وأضاف: "هناك من يقنع ترامب على إعادة تأسيس العلاقة مع الصين على مبدأ التكافؤ في التبادل التجاري في ظل ارتفاع صادرات بكين لواشنطن وانخفاضها في الجانب المعاكس".
ورأى أن ترامب "يغريه في هذا الملف كونه رجل أعمال، لكن السؤال المثار الآن هل يستطيع ترامب لعب لعبة بهذا الحجم مع اقتصادية كبرى مثل الصين؟".
ولفت إلى أن ترامب يصعد اقتصاديا مع الصين وفي الوقت ذاته يأتي بحاكم ولاية ايوا سفيرا وهو شخصية مقربة من الصين وله علاقات جيدة معها".
وتابع: "لكنه في المقابل يأتي بمستشارين لمنطقة المحيط الهادي من المتشددين مع الصين ويحاولون دفعه لتغيير للمبادئ الاقتصادية التي تنتهجها الولايات المتحدة مع الصين منذ عام 1972".
وعلى صعيد ملف الشرق الأوسط قال أبو ارشيد إن عددا من أعضاء فريق ترامب "يدفعون باتجاه إعادة تعريف الخصوم والحلفاء في المنطقة لكن دوافعهم شخصية ومبنية على أهواء وليس بناء على نظرة فريق واحد".
وأعاد أبو ارشيد التذكير بتصريحات ترامب عن الشرق الأوسط والتي قال فيها إن دكتاتوريات مثل نظام صدام حسين ومعمر القذافي كان يجب أن تبقى للمحافظة على الاستقرار في المنطقة، وهو الشيء ذاته الذي طالب به للنظام السوري وبشار الأسد خوفا من البديل.
وأوضح: "ترامب يقول إن الدكتاتوريات القمعية أفضل من محاولة تغييرها لكن في المقابل يقول إنه يريد تعطيل الاتفاق النووي واستمرار العداوة مع إيران وهذه مواقف لا يمكن التوفيق بينها وتكشف عن تخبط".
وأضاف: "كذلك الأمر بالنسبة للملف الفلسطيني وملف السلام فترامب يقول إنه رجل السلام المقبل، وهو في الوقت ذاته يدفعه مستشاروه لتعطيل قرار تأجيل نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس"، متسائلا: "كيف سيدفع مسيرة السلام هو يحاول إثارة مزيد من التوتر؟".
وعلى مستوى التوقعات المستقبيلة لطريقة إدارة السياسية الأمريكية قال أبو ارشيد إن المعطيات تشير إلى أن إدارة ترامب ستكون "فوضى عارمة".
أسوأ من مرحلة بوش
وشدد على أن "فريقا غير متجانس كالذي انتقاه ترامب في ظل انعدام الخبرة السياسية والتفكير بعقلية رجل الأعمال والصفقات التجارية يضعنا أمام مرحلة أسوأ بعشرات المرات من مرحلة إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن".
وقال أبو ارشيد إن فريق بوش على الرغم من "اختلاف أجنداته وخلقه الفوضى في العالم وتقديمه نظريات أيديولوجية إلا أنهم جميعا كانوا رجال دولة وأبناء المؤسسة التقليدية للمحافظين وكانوا يعرفون ما يريدون".
وأضاف أن شخصيات مثل "دونالد رامسفيلد في الخارجية وكولن باول في الدفاع وعلى الرغم من الاختلافات بينهما والأخطاء التي ارتكباها مع بوش لكنهما لم يكونا متناقضين وكان مسار الإدارة واضحا وكانوا رجال دولة يتقنون ألعاب الدولة وتسيير الأمور".