نشرت مجلة "ايكونوميست" تقريرا، بدأته بذكر ما حدث في حماة عام 1982، على يد الرئيس السوري حينها حافظ
الأسد، حيث دك المدينة بالطائرات لأسابيع قبل أن تدخل دباباته وجرافاته لتسوي حارات بأكملها، وقتل النظام وقتها ما لا يقل عن 25 ألف شخص.
وتقول المجلة: "الآن، وبعد حوالي 30 عاما من مذبحة حماة، يأتي ابنه بشار الأسد ليواجه الثورة التي بدأت بالمظاهرات السلمية في مختلف أنحاء
سوريا عام 2011، واعتقد البعض أن اختصاصي العيون الذي يتحدث بلطف سيكون أكثر ضبطا لنفسه من والده، حتى أن البعض سمى الرئيس الشاب مصلحا، ووصف بأنه رئيس مستعد لتقديم تنازلات لمعارضيه، لكن بعد خمس سنوات من الحرب، تبين أن هذا الرأي غير صحيح، فالأسد الابن قام، وبشكل ممنهج، بالتجويع والقصف وقتل شعبه، وحاصر المدنيين في المناطق التي يسيطر عليها
الثوار، وقصف مستشفياتهم وأسواقهم ومدارسهم، وقتل تكتيك الأرض المحروقة، الذي يتبعه الأسد، أكثرية ضحايا الحرب، الذين يزيد عددهم على 400 ألف شخص، بالإضافة إلى الملايين الذين هاجروا إلى الخارج، ما يجعل ما فعله الأب في حماة متواضعا مقارنة بما فعله الابن".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه "يبدو أن هذه التكتيكات، بالإضافة إلى القوة الجوية الروسية، والخبرة العسكرية، هي ما أوصل الأسد إلى أكبر انتصار له إلى الآن، حيث قامت القوات الموالية للنظام، من مليشيات شيعية من العراق ولبنان، بمحاصرة قوات الثوار في مساحة ضيقة من شرق
حلب، التي كانت تعد أكبر مدن سوريا قبل الحرب، وكانت هناك تقارير ليلة 13 كانون الأول/ ديسمبر، تشير إلى نجاح الجهود لإقناع روسيا بالسماح للمقاتلين المتبقين (حوالي ستة آلاف مقاتل) بالخروج من المدينة، لكن ليس هناك أي تأكيد لهذه التقارير، وكان السفير الروسي للأمم المتحدة قد أعلن توقف الأعمال العدوانية؛ لأن الحكومة السورية تسيطر الآن على المدينة، وتشير تقارير غير مفصلة إلى صحة ما قاله".
وتتساءل المجلة: "فماذا يحصل لبقية الشعب في شرق حلب، الذي يصل إلى حوالي 100 ألف شخص؟ إن فشل بقيه العالم في وقف المذبحة في حلب يعرض آلاف المدنيين لوحشية قوات الأسد، ففي أحياء أخرى قامت القوات الموالية للنظام لدى سيطرتها عليها بإعدام الناس في بيوتهم، بحسب تقارير وصلت إلى الأمم المتحدة ومصادر داخل المدينة، وفيما وصف بـ(الانهيار الكامل للإنسانية) في حلب، قالت تقارير الأمم المتحدة بأنه تم إعدام ما لا يقل عن 82 مدنيا، بما في ذلك 11 امرأة و13 طفلا في الأيام الأخيرة، بالإضافة إلى أن القوات الحكومية تحتجز مئات الرجال، بحسب ما ذكرته الأمم المتحدة، في الوقت الذي تم فيه تجنيد آخرين في الجيش السوري".
ويلفت التقرير إلى أنه "في الوقت الذي تدفع فيه قوات النظام باتجاه آخر جيوب الثوار، فإن المدنيين العالقين هناك يواجهون خيارا مستحيلا، إما أن يُسلموا لحكومة لطالما اعتقلت وعذبت وقتلت كل من تشك في مساعدته للمعارضة، بما في ذلك الأطباء والمعلمون، أو أن يجلسوا وينتظروا معرضين أنفسهم لسخط مليشيات الأسد".
وتنقل المجلة عن رئيس الخوذ البيضاء في المدينة عمار السلمو، قوله: "البعض مختبئ وينتظر مصيره، والبعض الآخر يهرب إلى مناطق النظام في المدينة، تخيل أن تذهب عائلة وتسلم نفسها لقاتليها، هذا خيارهم الوحيد الآن: الهروب والتسليم لقاتليهم".
ويفيد التقرير بأن "من تبقى من المدنيين، الذين يصل عددهم إلى 100 ألف، يعيشون حالة من الخوف الشديد، ورفض كثير من عمال الإغاثة والأساتذة والمسؤولين في المعارضة، الذين تدفع الحكومات الغربية رواتبهم، تسجيل أسمائهم مع الصليب الأحمر، فهم خائفون من أنه في غياب اتفاق عن طريق الأمم المتحدة، يضمن خروجهم الآمن من المدينة، وقوع معلوماتهم في يد الحكومة، ما يعرضهم للاعتقال أو ما هو أسوأ، وفي الوقت الذي يبدو فيه أن الأسد على وشك تحقيق انتصار كامل في حلب، فإن خروج هؤلاء يبدو أمرا غير متوقع".
وترى المجلة أن "سقوط حلب، إن هي سقطت فعلا، لن ينهي الحرب، وقد هدد الأسد مرارا بأنه يريد السيطرة على البلد كلها، ومع أن استعادة حلب ستعطي الحكومة السيطرة على المدن الرئيسة في البلد، بما في ذلك المدن الرئيسة الأربع، إلا أن مساحات واسعة من البلاد لا تزال تحت سيطرة
تنظيم الدولة، الذي دخل تدمر مؤخرا، ولا يزال يسيطر على مساحات واسعة قليلة السكان في شرق البلاد، بالإضافة إلى أن الثوار يسيطرون على محافظة
إدلب، وجزء كبير من المناطق الحدودية مع الأردن، وجيوب حول العاصمة، كما استقطع الثوار الأكراد والأتراك مناطق في الشمال".
ويجد التقرير أنه "مع تأمين حلب، فإن اهتمام الأسد سينتقل في الغالب لجيوب المقاومة التي بقيت حول العاصمة في الوقت الذي يتم فيه تأمين الطريق الواصل بين حمص وحلب، وبعدها سيحاول ضرب الثوار في إدلب، حيث تم تجميع معظم الثوار السوريين هناك، وتسيطر على المحافظة مجموعة أحرار الشام، المؤلفة من الإسلاميين المتطرفين وجبهة فتح الشام، المرتبطة بتنظيم القاعدة، ووجود هاتين المنظمتين سيقلل من الدعم الغربي للمعارضة".
وتقول المجلة إنه "من الصعب رؤية كيف يمكن للمعارضة العودة، فقد هدد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بسحب الدعم القليل الذي تقدمه بلاده للمعارضة المعتدلة في سوريا، والتركيز بدلا من ذلك على هزيمة المجموعات الجهادية، مثل تنظيم الدولة، وهذا ما سيناسب الأسد ومؤيديه الروس، ما يحول رياح الحرب لصالح الديكتاتور".
ويورد التقرير نقلا عن المفوض السامي لحقوق الأنسان التابع للأمم المتحدة الأمير زيد رعد الحسين، قوله في 13 كانون الأول/ ديسمبر: "إن سحق حلب نتيجة مرعبة بالنسبة لشعبها، من سفك الدماء، وقتل الرجال والنساء والأطفال والدمار، ولسنا بقرب نهاية الصراع الوحشي، وما يحصل في حلب قد يتكرر في دوما والرقة وإدلب، ولا يمكن لنا أن نسمح لذلك بالاستمرار".
وتختم "إيكونوميست" تقريرها بالقول إنه "مع الشلل الذي أصاب العالم الغربي والمسلمين السنة، فإن هذه الحرب ستستمر دون شك".