رغم كل حملات التشويه وانتشار الافكار المعادية للاديان عامة وللاسلام بشكل خاص، يبدو ان الاهتمام الشعبي بالدين وبالاسلام والحركات الاسلامية يزداد يوما يعد يوم، ولا يزال الناس العاديون والنخب الثقافية والفكرية تعطي الاولوية للبحث في جوهر الاديان وفي كيفية مقاربة الحركات الاسلامية ودراسة تجاربها السياسية والفكرية، سواء كانت في الحكم او في المعارضة.
ويشكّل معرض الكتاب العربي والدولي في بيروت الذي انهى نشاطاته في اليومين الماضيين، نموذجا لحجم الاهتمام المتزايد بالاديان عامة وبالدين الاسلامي والحركات الاسلامية خاصة، ان من خلال العدد الكبير من الاصدارات التي تهتم بهذه الموضوعات أم لجهة الندوات والحوارات والنقاشات التي اقيمت في اطار نشاطات المعرض او بالتزامن معه.
ومن يتجول بين رفوف دور النشر اللبنانية والعربية يكتشف الحجم الكبير والمتزايد للاصدارات الدينية او الاسلامية ولحجم الاسئلة والاشكالات التي تطرح من قبل الكتّاب والباحثين بشأن الظاهرة الدينية وتجربة الحركات الاسلامية والسلفيات المتنوعة وبدور المذاهب والطوائف وتواريخها وادوارها المتنوعة، ورغم انتشار العنف الديني والتشدد والتنظيمات المتطرفة وكل الصراعات والازمات والحروب في المنطقة، فان ذلك لم يؤد لابتعاد الناس العاديين او المفكرين والباحثين عن الاهتمام بالدين او البحث عن الابعاد الحقيقية للايمان وكيفية الخلاص من الازمات التي نواجهها اليوم، بل زاد الاهتمام بهذه الموضوعات.
وفي الاطار نفسه وخلال انعقاد مؤتمر اصلاح المجال الديني في الحمامات في تونس قبل اسبوعين، تحدث رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي عن ازدياد حضور الدين على الصعيد العالمي وفي كل دولة عربية او اسلامية وحتى في بلاد الغرب، واعطى الغنوشي مثالا على ذلك، انه في تونس اجري احصاء مؤخرا حول الوسيلة الاعلامية الكثر استماعا فتبين انها اذاعة القرآن الكريم، رغم ان البعض يصف المجتمع التونسي بأنه مجتمع علماني وفيه حركات سياسية وفكرية ترفض دور الدين في المجتمع.
ويؤكد الشيخ الغنوشي، ان الحضور الديني في العالم يزداد يوما بعد يوما ومن هنا الحاجة لدراسة العلاقة بين المجالين السياسي والديني.
وبالعودة الى بيروت ومعرض الكتاب وزيادة الاهتمام بالحركات الاسلامية والموضوعات الدينية، فقد لوحظ مؤخرا ازدياد مراكز الدراسات والابحاث التي تعنى بالحركات الاسلامية ودورها في المجتمع، وكذلك زيادة الاهتمام الاوروبي والغربي بدعم المؤسسات التي تعنى بالاديان وحوار الاديان ودور الحركات الاسلامية والحريات الدينية وكيفية مواجهة العنف الديني الى غير ذلك من الموضوعات الحارة والمنتشرة في عالمنا اليوم.
لكن الملفت ان الدراسات الجديدة حول الاديان والحركات الاسلامية والموضوعات الطائفية وخصوصا تلك التي صدرت من خلال دور النشر اللبنانية والعربية بدأت تتسم بحس نقدي كبير وبحرص علمي لفهم الظواهر الدينية والاسلامية بشكل عميق دون اتخاذ مواقف مسبقة او اصدار احكام حاسمة على هذه الحركات وادوارها، وكل ذلك يؤكد ان المرحلة المقبلة قد تشهد ادبيات جديدة عن الظواهر الدينية او الاسلامية بعيدا عن البروباغندا او الدعاية وكذلك لا تتسم بالروح السلبية المسبقة، وهذه التوجهات يمكن ان تفتح الباب امام ابحاث علمية حقيقية حول الاديان والحركات الاسلامية، ان من خلال المنظور الاجتماعي او الفكري او السياسي او الفلسفي.
وكل هذه الاصدارات والابحاث والمؤتمرات والدراسات التي تعنى بالاديان وبالاسلام وبالحركات الاسلامية يمكن ان تشكل مادة مهمة لجميع المعنيين بالساحة الاسلامية من اجل دراستها والاستفادة منها لتطوير التجارب الاسلامية الفكرية والسياسية.
لقد مضى على بروز ظاهرة الاسلام السياسي حوالي المئة عام سواء من خلال تجربة الاخوان المسلمين او التيارات السلفية او غيرها من الجماعات والحركات الاسلامية المتنوعة، ورغم كل ما تعرضت له هذه الحركات والجماعات من اضطهاد او قمع او تضييق فانها لا تزال تحظى بالاهتمام والقدرة على جذب الجمهور ومن هنا اهمية اعادة النظر بكل هذه التجارب وكيفية تطويرها كي تحقق للناس احلامهم وامانيهم بدل ان تكون سببا لمشاكلهم ومآسيهم وويلاتهم.