في خطابه المشؤوم احتفاء بالمولد النبوي الشريف أكد
السيسي على أن المواجهة العسكرية و الأمنية للإرهاب سوف تستمر ، وهذا خروج عما هو متفق عليه من أن المواجهة مع ما يسمى ب"الارهاب" مواجهة شاملة وليست أمنية فقط . فما الذي دفع السيسي إلى ذلك قبيل ساعات من التفجير الذي ضرب قلب الكنيسة المرقسية التي تقع داخل معقل الكاتدرائية القبطية في منطقة العباسية إحدى ضواحي القاهرة صباح الأحد 11/12/2016 ؟
في تصوري" بعد تقديمي واجب العزاء في ضحايا هذا الحادث الشنيع" أن السيسي لم يعد لديه الكثير من الأوراق ليلعب بها بعد فشل متواصل لثلاث سنوات توفرت له فيها كل عوامل النجاح أو إحداث حالة من النجاح ولو صغيرة ويمكن البناء عليها .
فشل السيسي في كل شئ تقريبا ، في السياسة ، والاقتصاد والأمن ، والعلاقات الدولية ، وعلاقات الجوار ، في إدارة موارد البلاد ، في التعامل مع المعونات والمنح التي لم يحظ مسؤول أو حاكم مصري بمثلها في تاريخ مصر عبر القرون .
فشل السيسي في الوفاء بوعوده باحداث تحسن كبير في معيشة المصريين خلال عامين ، وعلى العكس ساءت ظروفهم ، وزادت الديون ، وهرب المستثمرون ، و اقترضنا يمنة ويسرة ، بكرة وعشية ، وحتى المؤتمر الاقتصادي الذي اعتبره ذراع مصر وهدد من يسعى لقطعه ، قام هو باطلاق النار على هذا الذراع برعونته تارة ، وبقراراته الخائبة تارة أخرى .
فشل السيسي في ادارة علاقته مع قادة الكنيسة الذين أيدوا انقلابه ، وقاموا بتسويقه للغرب ، وغطوا على اخفاقاته ، وتحملوا وبلعوا آلامهم من تصرفاته أملا في أن يقدم لهم شيئا فإذا به يقتل أبناءهم في أقسام الشرطة مثلما فعل مع المواطن الغلبان مجدي مكين .
تحركت الكنيسة الارثوذكسية لمنع تظاهر قادة الكنيسة في أمريكا ضد السيسي أمام البيت الأبيض أثناء زيارته لنيويورك ونجحت ولكنها عادت بخفي حنين .
اليوم يرى السيسي أن تفجير أكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط قد يخفف عنه الضغوط الغربية في انتهاكاته لحقوق الانسان بسبب قبضته الأمنية إذا تم الاعتداء على المسيحيين لأنه سيضمن تحركا غربيا داعما له ولم لا فهو المسؤول الذي يقف ضد الخلافة وهو الذي يعيد تجديد الخطاب الديني وهي النغمة التي يعتقد أن الغرب يطرب لسماعها ولكن الأمور لا تجري كما تشتهي سفن السيسي ولن تجري .
تفجير الكنيسة وفقا للسيسي سيحقق ما يلي :-
1) سيؤكد ما يكرره السيسي بأنه في حرب ضد الارهاب وأنه بحاجة إلى عون ليصرف الأنظار عن فشله من جهة ، وليضمن وجوده كلاعب أساسي للقيام بالمهام القذرة لأي مستبد في العالم . وهنا لا بد أن أسجل أن مصطفى الفقي أحد منظري الانقلاب قال وبالفم المليان في مداخلة مع خالد صلاح على قناة النهار المصرية مساء وقوع الحادث ( الأحد 11/12/2016 ) إن هذا الحادث يجب استغلاله سياسيا وأنه جاء في مصلحة النظام وتحدث عن تحرك وليد فارس مستشار الارهاب لحملة دونالد ترامب . يعني أن الأمور معد لها سلفا.
2) أن يتفهم الغرب أي اجراءات استثنائية يقوم بها السيسي ، ولم لا فالرجل يواجه الارهاب الموجه للأقلية المسيحية في البلاد وهذا يستحق دعمه .
3) اعادة اصطفاف اعلام الانقلاب مرة أخرى معه بعد أن بدأت بعض وسائل الاعلام تنتقد الفشل الحاصل ، ويبدو أنه قد أعد العدة ورسم الخطة للخروج بنصر اعلامي وسياسي غير مسبوق حين أرسل رموزه للكنيسة مستهدفا تحريك مشاعر الاقباط ضد الاخوان المسلمين تحديدا ففوجئوا كلهم أجمعين بغضب قبطي غير مسبوق في تاريخ الكنيسة ليس من الاعلاميين الذين حظوا باستقبال مهين يليق بهم ولكنه غضب على السيسي وعلى وزير داخليته ، وربما ولأول مرة نسمع هتاف "ارحل" ، و"يسقط يسقط حكم العسكر" من داخل الكاتدرائية ومن حولها ، ولأول مرة أيضا هتافات تتحدث عن التعذيب " عبد الغفار ده وزير تعذيب زيه زي الكلب حبيب " وعبد الغفار هو وزير الداخلية الحالي و"الكلب حبيب" هو وزير داخلية مبارك.
لقد حاول أبرز اعلاميي الانقلاب وهو عمرو أديب وهو يتحدث من خارج الكنيسة صباح يوم التفجير أن يؤلب الرأي العام على الاخوان مدعيا أنهم وراء التفجيرات ولكنه انصرف مبكرا قبل أن ينفجر بركان الغضب في وجهه ووجه زوجته وبعض رفاقه من اعلاميي الانقلاب .
ولكن لأسباب عدة من بينها الغباء جرت الرياح مرة أخرى بما لاتشتهي السفن فقد أعاد هذا التفجير إلى الأذهان تفجير كنيسة القديسين في ديسمبر 2010 أي قبل شهر ونيف من خلع مبارك ، وهذه الحادثة التي تبين أن حبيب العادلي هو الرأس المدبر لها من أجل الضغط على البابا شنودة رأس الكنيسة لأنه بدأ يتململ من تصرفات الدولة تجاه الأقباط .
إذ من ناحية الواقع وتحليل ما جرى وصعوبة حدوث اختراق أمني للكاتدرائية من قبل أي قوى متطرفة ، ومع قراءة للواقع السياسي والشاهد على فشل السيسي ، وبقراءة تاريخية لما جرى وهو ليس ببعيد من وزير داخلية مبارك وهو أقل سوء من الوزير الحالي الذي كان أحد اركان الوزارة في عصر مبارك يمكننا تلخيص المشهد في كلمتين " الكنيسة والجنرال " .
بمعنى أن السيسي قضى على كل شئ لكي يبقى وجاء الدور على الكنيسة فلماذا لا يضحي بها وقد ضحي بالأزهر وشيخه من قبل ، و ألقى بالبرادعي والببلاوي رئيس أول وزارة بعد الانقلاب وجبهة الإنقاذ الغطاء السياسي للانقلاب العسكري على قارعة الطريق ، وأغلق الأحزاب وأمم الإعلام ، واعتقل الثوار ، وبدد الثروات وخسر العلاقات مع السعودية ، فلماذا لا يجرب اللعب مع الكنيسة ؟
دعونا ننتظر وسنرى ، ولكن سيكون مشهدا بالغ الإثارة . أعدكم القادم مثير للغاية .