رصدت منظمة "هيومن رايتس مونيتور" (جهة حقوقية مستقلة) استمرار السلطات الأمنية بمصر في إزهاق أرواح المواطنين
المصريين، حيث قامت بقتل 111 مواطنا مصريا خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وذلك عن طريق التصفية المباشرة، والتي تزعم فيها الدولة "اشتباكها المسلح" مع المواطنين أو محاولتهم الهروب، بالإضافة إلى جرائم القصف العشوائي على المدنيين في سيناء.
ووثقت المنظمة – في بيان لها الاثنين بعنوان "تشرين الثاني/ نوفمبر المُر"- وفاة 11 مواطنا داخل مقار الاحتجاز، نتيجة للتعذيب حتى الموت الذي أسفر عن قتل ثلاثة مواطنين، وثمانية آخرين نتيجة للإهمال الطبي الذي وصفته بالمتعمد.
وأشارت إلى وجود 30 معتقل يواجهون
الإهمال الطبي "المتعمد" الذي قد يؤدي بهم إلى الوفاة في أي لحظة، مضيفة:" بالرغم من ذلك، ترفض وزارة الداخلية الاعتراف بمثل تلك
الانتهاكات وتعتبرها حالات فردية لا تعبر عن المؤسسة الأمنية".
وأكدت استمرار السلطات المصرية في انتهاج
الاعتقال التعسفي والعشوائي للمواطنين، وهو الأمر الذي شمل آلاف المواطنين على مستوى الجمهورية، لافتة إلى أنه لم يتسن لها تحديد العدد الدقيق للمعتقلين خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، "نظرا لازدياد حالات الاختفاء القسري التي حلت محل الاعتقال التعسفي في كثير من الأحيان".
وقالت "مونيتور": "لم يسلم المواطنون من التعذيب، فقد تعرض 93 معتقلا للتعذيب داخل مقار الاحتجاز، ولم يتم التحقيق في تعرضهم للتعذيب وانتزاع اعترافات منهم تحت التهديد".
ووثقت المنظمة 132 حالة تعرضت للاختفاء القسري، مؤكدة أن قوات الأمن المصري تعمل جاهدة على تكريس جريمة الإخفاء القسري التي تمارسها بمنهجية تجاه المواطنين، مخالفة بذلك مواد الإعلان العالمي لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري.
وأدانت "مونيتور" استمرار السلطات المصرية في انتهاكاتها بحق المواطنين، واستخدام الطرق غير القانونية التي تنتهك حقوق المواطنين وحرياتهم، بالاختفاء القسري والاعتقال التعسفي وتلفيق التهم الواهية، مطالبة المقرر الخاص بلجنة الأمم المتحدة المعني بحالات الاعتقال التعسفي بتخفيف وطأة المُعاناة التي يعيشها المعتقلون بمقار الاحتجاز.
واستنكرت "مونيتور"، "الانتهاكات غير القانونية وغير المُبررة بحق المواطنين، واستمرار مُمارسات التعذيب وامتهان الكرامة الإنسانية داخل مقار الاحتجاز الرسمية التي تتم تحت مرأى وعلم الدولة والقائمين عليها، وهو ما يضع السلطات المصرية في موضع مُمارس للجريمة ومُشرعن قانوني لها".
وطالبت الجهات المعنية بالإفراج الفوري عن المعتقلين الذين تم اعتقالهم "دون سند قانوني من النيابة العامة، وهو ما يبطل جميع إجراءات القبض التالية لواقعة اعتقالهم ويُبطل القضية المُسندة إليهم"، محملة السلطات مسؤولية سلامة المعتقلين النفسية والبدنية والعقلية.
وأدانت منظمة "هيومن رايتس مونيتور" دأب السلطات المصرية "على التنكيل والتعذيب المُستمر واستخدام أذرع الدولة الأمنية والقانونية في تلفيق التهم للمعتقلين".
وشجبت "تقنين كافة الجرائم القانونية المُمارسة من قبل الدولة، مثل الاعتقال التعسفي والتعذيب والاختفاء القسري، وغيرها من حالات انتهاك القانون التي أصبحت روتينا يوميا تُباشره السلطات نكاية بالمواطنين، بهدف قمع حرية الرأي والتعبير وتحويل الدولة لدولة عسكرية لا تحترم حقوق الإنسان".
وقالت: "تعاني دول العالم الثالث من غياب حقوق الإنسان بها، على الرغم من انضمام الكثير من تلك الدول للمعاهدات الدولية، إلا أنه يعتبر انضماما شكليا ولا يتم العمل فيها ببنود تلك المعاهدات، وتعاني مصر من تلك الانتهاكات منذ ثورة تموز/ يوليو 1952 وحتى الآن".
وأوضحت أن السلطات المصرية "تنتهج سياسة
التصفية الجسدية، والإخفاء القسري، والاعتقال التعسفي، بجانب انتهاكات السجون اليومية تجاه المواطنين، دون الاكتراث لأمرهم المدني والسياسي أو وضعهم الاجتماعي أو الاقتصادي، غير آبهة بتكريس جرائم تنتهك القانون المحلي والدولي، وفي استباحة كاملة لكافة المواثيق الدولية والمحلية المُقرة لحقوق الإنسان".
وأكملت "مونيتور": "يعيش عدد كبير من المصريين في خوف، بسبب الممارسات القمعية من قوات الأمن، منذ أن عادت السلطة العسكرية لإحكام قبضتها بشراسة على مقاليد الحكم في مصر".
ونوهت إلى تقرير سابق للمجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي)، يؤكد أن الكثافة في أماكن الاحتجاز تصل إلى 300% من طاقتها الاستيعابية، وأن النسبة في السجون وصلت إلى 150%.
وقالت: "بعدما بدأ المشهد المصري الداخلي يتغير بسرعة، تواصل النيابة العامة بدورها التغاضي عن جرائم وزارة الداخلية المُستمرة والتي لا جديد فيها، لكن هذه الاعتداءات تترافق مع واقع اقتصادي صعب يعيشه المصريون، وهو الأمر الذي أدى لتزايد حالة الغضب المجتمعي ضد الدولة بشكل عام ووزارة الداخلية بشكل خاص".
وأشارت "مونيتور" إلى إعلان معتقلي سجن "الوادي الجديد" شديد الحراسة (وهو أسوأ سجن في صعيد مصر، ويُطلق علية "عقرب الصعيد"، ويقع في صحراء "الخارجة"، ويبعد عن القاهرة حوالي 630 كم)، الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر، احتجاجا على سوء المعاملة وأوضاعهم داخل السجن.
وذكرت أن المعتقلين بسجن "الوادي الجديد" يشكون من وضعهم مع سجناء جنائيين، بجانب حملات التفتيش المتكررة للزنازين، والاعتداء عليهم بالضرب والسب من قبل إدارة السجن، ومصادرة أغراضهم الشخصية، خصوصا الأغطية مع دخول الشتاء، وقلة كميات الطعام المُقدم إليهم من إدارة السجن ورداءته ومنع دخول الكثير من أنواع الطعام في الزيارات، فضلا عن انتشار العديد من الأمراض والأوبئة بين المعتقلين".