حذرت دراسة اقتصادية حديثة من تسبب القرارات التي أعلنتها
الحكومة المصرية مؤخرا في انهيار النظام المالي لمصر، وتعرضها لمزيد من الأزمات، في الوقت الذي يجد فيه غالبية المصريين صعوبة بالغة في توفير مستلزمات الحياة.
الدراسة التي أعدها الخبير المصرفي أحمد أدم، تشير إلى أن قرارات الحكومة المصرية جاءت في إطار تنفيذ اشتراطات صندوق النقد الدولي للحصول على القرض الذي تم الإعلان عنه بقيمة 12 مليار دولار على 3 سنوات بواقع 4 مليارات دولار سنويا.
ما تجاهلته الحكومة
لكن في الوقت نفسه، سلطت الدراسة الضوء على العديد من المحاور التي غابت في البرنامج الإصلاحي الذي أعلنت عنه الحكومة، حيث تجاهل كيفية تعديل القوانين واللوائح والإجراءات بما يسمح لوزارة المالية تحصيل مبالغ التهرب الضريبي الضخمة والتي تعلن وتؤكد وزارة المالية أنها تبلغ 90 مليار جنيه، كما أنه لم يتطرق لكيفية مواجهة التهرب الجمركي الواضح والذي توضحه أرقام المتحصلات الجمركية إذ بلغت المتحصلات الجمركية نهاية العام المالي 2014/2015 ما نسبتة 4.7% فقط من إجمالي الواردات.
وأيضا لم يتطرق البرنامج لكيفية تنشيط الهيئات والشركات الحكومية لضخ عوائد ملكية تتزايد بها إيرادات الموازنة.
شهادات تدمير الاقتصاد
وفي إطار قرار تعويم
الجنيه وتحرير سوق الصرف، أصدرت البنوك المصرية شهادات ثلاثية بعائد شهري 16% بخلاف إصدار شهادة لمدة 16 شهرا بعائد ربع سنوي 20% أملا في أن يقوم صغار المضاربين بالسوق الموازية في بيع ما لديهم من دولار وإيداع الحصيلة بالبنوك، وهو ارتفاع تاريخي في سعر
الفائدة سيؤدي إلى حالة من التغيير الكامل لاستثمارات البنوك خلال الفترة القادمة، هذا بخلاف أن ارتفاع أسعار الفوائد على الودائع بهذا الشكل سيرفع من نسبة المخاطر على استثمارات البنوك خصوصا في منح الائتمان.
وأوضحت أنه في ضوء ارتفاع أسعار الفائدة سترتفع أسعار العائد على أدوات الدين من أذون وسندات خزانة وهو ما سيزيد من عبء خدمة الدين.
انعدام الائتمان
وذكرت الدراسة أنه ومع استمرار قيام البنوك في قبول إصدار شهادات ادخار بفائدة 20% فمن المتوقع عزوف الشركات عن التقدم للحصول على قروض وتسهيلات ائتمانية من البنوك وبالتالي عدم إجراء أي توسعات للاستثمارات القائمة بمصر، بل وسيتجه بعض المستثمرين للإغلاق أو الحد بشكل كبير من أنشطتهم والاعتماد على فوائد إيداعاتهم في البنوك لتسيير أعمالهم.
وهو ما سيزيد من حالة الكساد بالسوق ويكون عاملا شديد التأثير على أية استثمارات تفكر في الدخول للسوق المصرية، هذا بخلاف التأثير السلبي الشديد على الصادرات المصرية والتي تعاني في الأساس وتنخفض انخفاضا متتاليا وبشكل كبير ستجعلنا لا نستطيع التصدير بما قيمتة مليار دولار فقط شهريا من الواردات غير البترولية وهذا الوضع سيدفع البنوك دفعا للاستثمار في أدوات الدين المحلي الأكثر أمانا.
نمو وهمي للودائع
وبينت أنه مع انخفاض سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، فمن المتوقع حدوث نمو كبير في الودائع والقروض، ولكنها ستكون معدلات نمو ناتجة عن الارتفاع في تقييم الدولار أمام الجنيه وليست ناتجة عن إيدعات حقيقية لودائع أو منح البنوك لقروض وتسهيلات ائتمانية للعملاء.
وأشارت الدراسة إلى أن كل زيادة في سعر صرف الدولار تؤدي لابتعاد أصحاب الفوائض المالية للاتجاه للاستثمار في الذهب والعقار والتمسك بالدولار كمخزن للقيمة وهو ما يعود سلبا على معدلات نمو الودائع.
وأوضحت أن انخفاض حجم الودائع سوف يدفع إلى انخفاض معدل نمو الأصول، إذ أن هناك علاقة طردية بين معدل نمو الودائع ومعدل نمو إجمالي الأصول وكذا إجمالي الاستثمارات، وبالتالي فإن تحقيق معدلات نمو متعاظمة للودائع تتيح للبنوك تحقيق معدلات نمو متعاظمة بإجمالي أصولها، وكذا استثماراتها، وهو ما يؤثر وبالتبعية إيجابا على صافي أرباحها والعكس صحيح حال انخفاض معدل نمو الودائع.
أزمة طباعة النقد
وذكرت أن انخفاض معدل نمو الودائع مع زيادة المصدر من أذون الخزانة سيؤثر على السيولة المتاحة بالبنوك وهو ما سيدفع البنك المركزي لزيادة النقد المصدر، وخلال النصف الأول من العام الحالي زاد النقد المصدر والمتداول بواقع 44.7 مليار جنيه، حيث ارتفع النقد المصدر من 324.6 مليار جنيه بنهاية العام الماضي إلى 369.3 مليار جنيه في نهاية حزيران/يونيو الماضي بنسبة زيادة تقدر بنحو 13.7%.
كما ستؤدي إلى مشكلة حادة بالسيولة المتاحة للبنوك خلال الفترة القادمة وهو ما يحد من قدرة البنك المركزي على الاستمرار في تدعيم الاحتياطيات الدولية لمصر من العملات الأجنبية من خلال ودائع البنوك بإصدار أذون خزانة بالدولار وكذا قبول ودائع من البنوك بالعملة الأجنبية، مع الوضع في الاعتبار أن آخر تقرير صادر عن معهد التمويل الدولي يؤكد تحول صافي الأصول الأجنبية للبنوك المصرية إلى السالب وهذه الظاهرة تحدث لأول مرة على الإطلاق، وهو ما أثر سلبا على معدلات الإيداع بالعملات الأجنبية بالبنوك المصرية وبخاصة بنوك القطاع العام.
وأوضحت أن زيادة سعر صرف الدولار ستؤدي إلى تحقيق بعض البنوك المصرية لفروق تقييم عملة سلبية ستحتاج لتكوين مخصصات لفروق تقييم العملة مما سيؤثر سلبا وبالتبعية على معدلات نمو صافي الأرباح.
مخاطر تواجه البنوك
وأكدت أن الارتفاع بأسعار العائد على الودائع بهذا الشكل سيرفع من نسبة المخاطر على استثمارات البنوك، خصوصا في مجال منح الائتمان وهو ما سيؤدي لزيادة حجم المخصصات بالبنوك وهو ماسيؤثر على صافي أرباحها.
مشيرة إلى أن الارتفاع بأسعار العائد على الودائع وكذا سعر الائتمان والخصم سيرفع من تكلفة الموارد بما ستتزايد معه أسعار الفائدة على القروض والتسهيلات الائتمانية، وهو ما سيؤدي لعزوف العملاء الجادين عن التعامل مع البنوك مما سيؤدي لانخفاض معدلات نمو القروض سواء كانت قروض التجزئة المصرفية أو القروض المقدمة للشركات الكبرى، وهو ما سيزيد من الكساد بالأسواق بما سيؤثر سلبا على معدلات نمو الاستهلاك وبالتبعية على معدلات النمو الاقتصادي.
وشدت على أهمية أن تمتلك الحكومة بدائل حال قيام صندوق النقد الدولي بعدم استكمال سداد دفعات القرض لأي سبب من الأسباب، إضافة إلى وضع برنامج آخر للإصلاح يتم تنفيذه وفورا حال ظهور مؤشرات تشير إلى فشل البرنامج الحالي في تحقيق النتائج المرجوة منه على عجز الموازنة.