تشديد سياسة فرنسا في التعامل مع المهاجرين، ومحاربة "الاستبداد الإسلامي"، وتعزيز العلاقات مع روسيا وإيران، والتفاوض مع الحكومة السورية. ماذا تعني رئاسة فيلون لفرنسا؟
يعزى فوز "فرانسوا فيلون" بترشيح الجمهوريين اليمينيين في فرنسا لانتخابات الرئاسة على الأغلب إلى برنامجه المتعلق بالقضايا المحلية أكثر مما يعزى إلى آرائه حول المسائل الدولية.
يبدو مستقيما وقادرا على بث نسائم جديدة في الحياة السياسية الفرنسية، بالإضافة إلى ذلك فإن فترة تكليفه برئاسة الوزراء ما بين 2007 و2012، والتي مرت بسلام، تشعر الكثيرين بالاطمئنان والارتياح إليه.
إلا أن آراء "فيلون" حول قضايا السياسة الخارجية تستحق التوقف عندها، وخاصة أن ادعاءه بأن خلفيته السياسية تعتبر كافية بالنسبة له ليتمتع بخبرة دولية راسخة ينطوي على قدر غير قليل من المبالغة. صحيح أن كثيرا من أدواره، وخاصة كرئيس لهيئة الدفاع البرلمانية ما بين عامي 1986 و1988 وكذلك كرئيس للوزراء سمحت له بالسفر إلى الخارج، إلا أنها لا تضمن حصوله على مستوى رفيع من المعرفة بالعلاقات الدولية وبالشؤون السياسية.
ومع ذلك، وعلى الرغم من "مواطن عجزه" الواضحة، إلا أن "فيلون" يتمتع برؤية واضحة ولديه أفكار محددة المعالم حينما يتعلق الأمر بالسياسات الدولية، سواء فيما يخص الاتحاد الأوروبي أو العلاقات ما بين القوى الدولية أو حتى بالموقف الذي ينبغي تبنيه تجاه الصراعات الرئيسية الكبيرة.
تشديد السياسة الفرنسية تجاه المهاجرين
كان من الصعب في المرحلة السابقة تشكيل فكرة واضحة عن المسار الدبلوماسي الذي من المتوقع أن ينتهجه "فيلون"، أما وقد فاز الآن في الدورة الثانية من التصفيات على المرشح الوسطي "ألان جوبيه"، فقد نسمع منه تفصيلا أكبر عن نواياه فيما يتعلق بالسياسة الخارجية.
إلى أن يحدث ذلك، بإمكاننا التأمل في أمرين اثنين حتى يتسنى لنا فهم رؤيته. من جهة، تتوفر لدينا معرفة ببعض مواقفه بفضل ما هو معلوم من ماضيه وبفضل ما صدر عنه مؤخرا من تصريحات. ومن جهة أخرى تتشكل لدينا المزيد من الانطباعات عن أفكاره وبرامجه التي من المحتمل أن يتبناها في المستقبل بفضل ما سطره في كتابه الصغير والمثير "محاربة الاستبداد الإسلامي".
من الواضح أن برنامج "فيلون" الرسمي يتداخل مع برنامج الجبهة القومية اليمينية المتطرفة. فعلى سبيل المثال، يرى "فيلون" أن فرنسا ستكون قادرة على الترحيب بالمهاجرين فقط عندما تكون في وضع يمكنها من ذلك، وهذا ما يحدده البرلمان كل سنة بسنتها. كما سيكون هناك بالإضافة إلى ذلك إعادة هيكلة لنظام اللجوء حتى يغدو أسرع وأكثر صرامة في التعامل مع تلك الطلبات التي تقابل بالرفض. وأخيرا، سوف تمنح الجنسية الفرنسية فقط لأولئك الذين يجتازون بنجاح اختبار الاندماج والاستيعاب.
ما من شك في أن رئاسة "فيلون" سيكون هدفها الرئيس هو تعزيز وضع فرنسا في الاتحاد الأوروبي بحيث يكون صوتها مسموعا، وهذا فيه ما يدل على أن "فيلون"، المدافع السابق عن اتفاقية "ماستريخت"، لن يسمح للأوروبيين بالإملاء على فرنسا ما الذين ينبغي أن يكون عليه دورها.
وبنفس الطريقة تراه يدعو أوروبا إلى تخصيص حصص لكل دولة أوروبية من أعداد اللاجئين. مع العلم أن موقفه بشأن اللاجئين يتناقض مع صورة فرنسا المتحملة للمسؤولية، وهي الصورة التي يرغب في ترسيخها والدفاع عنها.
تقييم وضع فرنسا: محاربة الاستبداد الجديد
يعتبر "فيلون" محافظا ليبراليا (فهو يحبذ الإعفاء الضريبي وأن تلزم الدولة نفسها بالاقتصار على وظائفها السيادية فقط لا غير)، ولديه آراء واضحة فيما يتعلق بوضع العالم وكيف ينبغي لنا التعامل معه. ولا ريب في أن كتابه "محاربة الاستبداد الإسلامي" يسلط الضوء على بعض الأفكار الواضحة ذات العلاقة برؤيته ونواياه.
على الرغم من أن فيلون يقول وبشكل مباشر إن تنظيم الدولة يمثل الاستبداد إلا أنه يوسع من دائرة من تشملهم هذه الصفة بحسب ملاحظاته، ولذلك تراه يخصص جزءا كبيرا من كتابه للحديث عن مدى خطورة الإسلاميين، بزعمه، بغض النظر عن التيار الذي ينتمون إليه، بل ويقول إن غيرهم من المسلمين يمكن أن يشكلوا نفس الخطورة.
لم يعد هذا المفهوم خاصا بالجبهة القومية ولم يعد موضوعا يقتصر الاهتمام به على التيار اليميني، فحتى الأحزاب اليسارية التقليدية باتت تستخدم نفس الحجج. ولا أدل على ذلك من أن الرئيس "أولاند"، عندما ينتقد الإسلام قائلا إنه دين لديه هو مشكلة معه، حسب رأيه، فما ذلك إلا انعكاس لموقف طبقة سياسية فرنسية تسعى عن قصد أو عن غير قصد لفرض نوع من الشمولية على المجتمع الفرنسي، ظنا منها أن الأيديولوجية التي تحملها يدعمها غالبية الفرنسيين.
يبدو أن الفجوة بدأت تضيق بين مواقف وآراء أحزاب اليسار ومواقف وآراء أحزاب اليمين في فرنسا. يستخدم "فيلون" نفس هذه الأطر المرجعية – من مناهضة الإسلام والعداء للمسلمين – لكي يبرر نوع السياسة الخارجية التي يرغب في تبنيها.
يقول "فيلون" في كتابه إنه ينبغي لفرنسا أن تعزز من قدراتها الدفاعية، وفيما لو أصبح "فيلون" رئيسا فسيكون لفرنسا علاقات أفضل مع روسيا وسوف تتفاوض مع الحكومة السورية في سبيل إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة. ويشير ضمن ما يورده من حجج إلى الدفاع عن الجاليات المضطهدة في الشرق الأوسط، وبشكل خاص النصارى. ومن الواضح أيضا أن "فيلون" منحاز لإيران على حساب أقطار الخليج العربية.
إعادة توجيه محدودة
يعلن "فيلون" أنه "ديغولي" التوجه ويدافع عن وجهة نظر سيادية تقليدية تمس واقع اليوم، تقوم على أنقاض الحكومة التي توشك أن تنتهي فترتها (حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن "فرانسوا أولاند" لن يحصل على أكثر من 4 بالمائة من الأصوات).
إذا ما أخذنا بالاعتبار أحكام ونظم الاتحاد الأوروبي، وكذلك إذا ما أخذنا بالاعتبار حقيقة أن فرنسا بلد تعددي من الناحية الاجتماعية والعرقية، وإذا ما أخذنا بالاعتبار واقع تدفق سيول اللاجئين (والتي لا يبدو أنها تتجه نحو الانحسار)، وأخيرا وليس آخرا لو أخذنا بالاعتبار النمط الحالي من علاقات فرنسا بدول الخليج، والتي تعتبر من أهم شركاء فرنسا تجاريا وعسكريا، فسيكون صعبا على فيلون الوفاء بوعوده.
إذا ما أصبح "فيلون" رئيسا لفرنسا فسيجد نفسه أمام واقع يفرض عليه إعادة النظر فيما ينوي تبنيه من سياسة خارجية. دعونا لا نضحك على أنفسنا، ففرنسا في الساحة الدولية ما هي إلا دولة من الوزن الخفيف نسبيا.