فر علي وسارة اللذان ولدا في "دولة الخلافة" التي أعلنها
تنظيم الدولة في شمال
العراق إلى مخيم للنازحين ليواجههما تحد جديد، فلا توجد وثائق تثبت هويتهما وأصبحا مهددين بالانضمام إلى جيل من الأطفال "البدون" أي بلا جنسية.
فبعد أن سيطر التنظيم على مساحات واسعة من الأراضي العراقية والسورية في عام 2014 فرض تفسيره المتشدد للشريعة الإسلامية وبدأ يقيم أطر عمل أساسية للدولة مثل فرض الضرائب وتنظيم الأنشطة.
غير أن هذا المشروع بدأ يتهاوى في مواجهة حملة عسكرية في العراق لسحق التنظيم لها نتائج غير متوقعة على الناس العاديين الفارين من قبضة رجاله.
فقد تم تسجيل المواليد لدى السلطات في المناطق التي تخضع لسيطرة تنظيم الدولة، غير أن هذه السلطات ليست لها أي صلاحية خارج تلك المناطق الآخذة في الانكماش، أو أنهم لم يسجلوا على الإطلاق.
ويعني هذا انضمام مئات وربما آلاف الأطفال دون سن الثانية والنصف للأعداد المتنامية من الأطفال الذين أصبحوا "بدون" جنسية في أنحاء مختلفة من الشرق الأوسط أي أنهم يفتقرون للاعتراف الرسمي بهم كمواطنين في أي دولة.
وتقول الأمم المتحدة إن الأطفال "البدون" مهددون بأن تفوتهم فرصة التمتع بحقوقهم الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية، ومن المرجح أن يواجهوا صعوبات عندما يكبرون في الحصول على وظيفة، كما أنهم معرضون للاستغلال وأن يصبحوا سلعة في تجارة الرقيق.
وتنذر الحرب الدائرة في
سوريا منذ أكثر من خمس سنوات والتي كانت سببا في نزوح 10 ملايين شخص عن ديارهم بوجود عدد أكبر من الأطفال الذين ولدوا في مناطق خارج سيطرة الحكومة السورية أو في مخيمات للاجئين خارج الحدود.
ولدت سارة في الوقت الذي اقتحم فيه مقاتلو التنظيم العراق في عام 2014. أما شقيقها الصغير علي فقد ولد بعدها بعامين قبل أيام من هروب أسرتهما إلى مخيم ديبكة من قريتها الواقعة جنوبي
الموصل آخر المعاقل الكبرى للتنظيم والذي تقاتل القوات العراقية الآن لاستعادة السيطرة عليه.
ويقول والد الطفلين واسمه محمد إنه لم يسجلهما لدى تنظيم الدولة.
وأضاف: "إذا جئت لهم بطفل فسيصدرون شهادة ميلاد تحمل اسم دولتهم".
وسجل بعض الآباء مواليدهم لدى الدولة التي أصدرت لهم شهادات ميلاد تحمل شعار التنظيم باللونين الأسود والأبيض وعبارة "لا إله إلا الله".
وعرض فراق البالغ من العمر 22 عاما وهو من منطقة الموصل وثيقة خفيفة وردية اللون أصدرها التنظيم عندما ولد ابنه ياسر ابن الثمانية أشهر. وتشبه الوثيقة إلى حد كبير وثائق الميلاد العراقية.
وقال مهدي الوائلي المدير العام لدائرة الجنسية إن آباء الأطفال الذين ليس لهم شهادات ميلاد سيتمكنون من الذهاب إلى مكاتب وزارة الصحة لترتيب تسجيل مواليدهم.
ومع ذلك لم يتم إعادة الخدمات الحكومية المحلية حتى الآن في بعض المناطق من شمال العراق بعد مرور أشهر على استردادها من تنظيم الدولة.
ويقول آباء آخرون سرا إنهم حصلوا على وثائق تنظيم الدولة لأطفالهم لكنهم مزقوها عندما طردت القوات العراقية المسلحين وذلك خشية أن يتعرضوا لأعمال انتقامية لما يمكن اعتباره تعاونا مع التنظيم.
وتحدث عراقي يدعى علي ولد له أول أطفاله داخل الموصل الأسبوع الماضي وهو يحمل طفلته أمل ابنة التسعة عشر شهرا التي ولدت بعيب خلقي في الدماغ منعها من تعلم المشي.
وقال إنه حصل على شهادة ميلاد للطفلة من جار له يعمل في المستشفى المحلي لكنه رفض السماح للتنظيم بتوثيقها بخاتمه الرسمي.
وقال علي: "قال لي الطبيب: لا تدع أحدا يعلم بأمر الشهادة وإلا سيذبحوننا نحن الاثنين".
وقال أب لخمسة أولاد عمره 41 عاما قدم نفسه باسم أبي سعود إنه قرر عدم تسجيل ميلاد ابنه في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2014 في قرية جنوبي الموصل كانت خاضعة في ذلك الحين لسيطرة التنظيم.
وأضاف خارج خيمته في ديبكة: "سأذهب مع أولادي الآخرين إلى دائرة الإقامة لتسجيلهم بالصورة والختم... فهذا يثبت ما إذا كان طفلي أم طفلك أم طفله. لكن في الوقت الحالي ليس له بطاقة هوية".
وتقول وكالة الأمم المتحدة للاجئين إنها تريد أن تصدر السلطات العراقية شهادات ميلاد للأطفال الذين ولدوا في المناطق التي خضعت لسيطرة التنظيم.
وقال أحمد عبده مدير مخيم ديبكة إن فريق العاملين معه يتعاون مع الأمم المتحدة ومنظمة أهلية سويدية والحكومة العراقية لمحاولة تسوية المشكلة وإن وكالة الأمم المتحدة قدمت مساعدات قانونية حتى الآن لتسوية 175 حالة.
غير أن متحدثا باسم الوكالة قال إن من المتوقع حدوث زيادة ملحوظة مع خروج حوالي 1.5 مليون شخص مازالوا يعيشون داخل الموصل من تحت حكم تنظيم الدولة.
وقالت بلقيس ويل، الباحثة العراقية بمنظمة هيومن رايتس ووتش، إن السلطات العراقية عليها التزام قانوني دولي بمنح الجنسية لكل من ولد بدون جنسية على الأراضي العراقية.
وأضافت: "يجب عليها أن تعطي الأولوية للسماح لهذه الأسر بإعادة الاندماج وتيسير دخول المدارس والحصول على امتيازات لأبنائها بأسرع ما يمكن".