أثار فوز دونالد
ترامب بالسباق الرئاسي مخاوف عدة في
إيران، لا سيما عقب تهديداته بانسحاب الولايات المتحدة من
الاتفاق النووي، وما لذلك من أثر قد يخدم موقف التيار المتشدد في الداخل الإيراني، المعادي لأمريكا والغرب.
"الشيطان الأكبر".. الوصف الذي اعتاد المسؤولون الإيرانيون إطلاقه عند الحديث عن أمريكا، التي باتت على موعد مع رئيس لا يملك خبرة سياسية، راح يطلق التهديدات والوعيد لطهران خلال حملته الانتخابية قبل إعلان فوزه.
وأحدث نبأ فوز ترامب الأربعاء الماضي "زلزالا سياسيا"، وفق ما وصفته الصحف والمواقع الأمريكية في تغطيتها، وهو ما يثير توجسات في إيران من أن يصلها تأثير هذا الزلزال، فالمسؤولون في الحكومة الإيرانية لا يعرفون كم من تصريحاته "الطنانة" ستترجم إلى بنود في السياسة الأمريكية.
إلا أن التيار المتشدد الموالي لزعيم الثورة الإيرانية، علي خامنئي، والحرس الثوري صاحب النفوذ الواسع في البلاد، أبدوا تأييدهم لترامب في الأسابيع القليلة الماضية.
ويشارك ترامب
التيار المحافظ في إيران انتقاده الاتفاق النووي والانفتاح المتبادل في العلاقات بين البلدين، فالمتشددون الموالون لخامنئي أبدوا في مناسبات عدة غضبهم من الاتجاه البراجماتي لروحاني، وتوقيعه الاتفاق النووي مع أمريكا والغرب، باعتبار أن أي وفاق مع الغرب قد يعرض "ثورتهم الإسلامية للخطر".
فكيف سيستفيد التيار المتشدد "الأصولي" في إيران من فوز ترامب، وما تأثيره على الإصلاحيين، والرئيس روحاني؟
يسيطر المحافظون على أجهزة المخابرات والحرس الثوري، بالإضافة إلى أجهزة الرقابة القضائية، والأجهزة المنوطة بحماية الثورة عموما، وهي أهم مراكز النفوذ في البلد، التي ينافسون بها روحاني وتياره في الهيمنة.
اقرأ أيضا: روحاني يواجه "إمبراطورية الحرس الثوري" بالمنافسة على الهيمنة
اقتصاد الحرس الثوري
ولكن إيران التي عانت كثيرا على المستوى الاقتصادي جراء عزلتها لتمسكها بالبرنامج النووي، شهدت انفتاحا على أمريكا والغرب من خلال إنجاز الرئيس روحاني الاتفاق النووي مع أمريكا ودول الغرب، ليقدم سياسة اقتصادية منفتحة توقف العقوبات الدولية، وتجذب المستثمرين الأجانب.
وقد يسبب فوز ترامب انهيار ما بناه الرئيس الإصلاحي، إذ قال مسؤول كبير في وزارة الاقتصاد الإيرانية لوكالات الأنباء: "الآن بعد فوز ترامب ستتردد الشركات الأوروبية في الاستثمار في إيران.. وفي أحسن الاحتمالات ستتبنى سياسة التريث".
وقد لا تجد إيران مهربا من الخسائر المتوقعة إلا بأن تلجأ لـ"إمبراطورية الحرس الثوري" لمساعدتها في الاقتصاد، إذا ما قررت الشركات الغربية الابتعاد عن إيران، ما سيعطي قوة اقتصادية وسياسية أكبر للحرس.
فوز ترامب يخدم التيار المحافظ
من جهته، أكد المتخصص بالشأن الإيراني، الدكتور نبيل العتوم، لـ"
عربي21"، أن فوز ترامب يخدم بالفعل التيار المحافظ المقرب من خامنئي، ما قد يدفع الإيرانيين إلى أن يميلوا أكثر نحو التشدد.
وأضاف أن الإيرانيين يعرفون بأن "فترة شهر العسل مع الولايات المتحدة قد انتهت بفوز ترامب، وأن هذا الأمر لن يتكرر ثانية".
وأشار إلى أنه في حال اتجهت أمريكا إلى سياسات معادية لإيران، وفرض عقوبات تعيد إيران إلى عزلتها، فإن الغرب لن يضحي بعلاقاته مع الولايات المتحدة لصالح إيران.
وأكد أن الأوروبيين لا يستطيعون أن يواجهوا الضغوطات الأمريكية إذا قررت واشنطن سياسة معادية لطهران، فترامب يعتقد بأن إيران تقدم دعما للمليشيات الإرهابية، وبأنها تشكل تهديدا على الأمن العالمي، وكل ذلك يدعم توجه التيار المحافظ بالانعزال عن الغرب وأمريكا.
انتخابات الرئاسة الإيرانية
ويأتي فوز ترامب مع اقتراب انتخابات الرئاسة الإيرانية، الأمر الذي قد يستغله المحافظون للتوجه نحو شخصية يمينية متشددة للتعامل مع أمريكا بوجهها الجديد المتمثل بفوز المرشح المعادي لطهران.
ويوافق العتوم هذا التوجه بالنسبة للتيار المحافظ، وذلك لأن روحاني راهن على إنجازاته التي يأتي في مقدمتها توقيع الاتفاق النووي مع الغرب، ورفع العقوبات عن إيران، الأمر الذي يهدده اليوم ترامب.
وكان ترامب وصف الاتفاق النووي مع إيران خلال حملته الانتخابية بالـ"كارثي"، مؤكدا أن إلغاءه سيكون في صدر أولوياته.
ونقلت وكالات الأنباء عن الخارجية الأمريكية قولها، الجمعة، إنه ليس هناك ما يمنع الإدارة الأمريكية المقبلة من الانسحاب من اتفاق إيران النووي الذي أبرم عام 2015، إذ إنه ليس ملزما من الناحية القانونية، لكن ذلك يعني استئناف إيران العمل على إنتاج السلاح النووي.
وقال المتحدث باسم الوزارة، مارك تونر، إنه بينما يحرص على عدم التكهن بما ستفعله الإدارة المقبلة برئاسة دونالد ترامب، الذي سيتولى مهامه الرئاسية 20 كانون الثاني/ يناير المقبل، فإنه يؤكد أن "أي طرف يمكنه الانسحاب" من الاتفاق الذي أبرمته الدول العظمى وإيران العام الماضي.
اقرأ أيضا: ما هي حدود تهديد انتخاب ترامب للاتفاق النووي مع إيران؟
وعلّق العتوم بأن إيران تدرك حجم هذه الضغوط الأمريكية، وأنها قد تلجأ إلى تجربة مثل تجربة أحمدي نجاد الذي يعد رئيسا متشددا، ضد سياسات الغرب.
وبذلك سيكون أمام روحاني مهمة شاقة للحفاظ على شعبيته، من خلال التمسك بالاتفاق النووي مع أمريكا، وضمان نقطة القوة الأخرى لديه، والحفاظ على تنامي نفوذ رجال الأعمال الإيرانيين المرتبطين بصلات قوية بالغرب.
في المقابل، رأى المحلل السياسي المختص بالشأن الإيراني، الدكتور محمد صالح صديقان، بأنه يمكن القول من خلال انتخابات الرئاسة الإيرانية السابقة، أن الانتخابات الأمريكية لم تؤثر يوما ما على توجه الناخبين في إيران.
وقال لـ"
عربي21" إنه لا يعتقد بأن فوز ترامب سيؤثر على انتخابات الرئاسة الإيرانية في أيار/ مايو المقبل، "إذ إن المؤشرات تشير إلى أن روحاني صاحب حظوظ جيدة في ولاية ثانية، ولا أظن أن فوز ترامب سيغير في هذا الأمر"، وفق قوله.
وأشار إلى أن إيران لم تتدخل في الانتخابات الأمريكية منذ عام 1979، عندما رفضت الإفراج عن الدبلوماسيين عقب الثورة الإيرانية، مضيفا أن هذه الانتخابات لها أهميتها على الصعيد السياسي والاقتصادي من خلال الاتفاق النووي.
ولفت إلى أن ترامب يعد أفضل الخيارين بالنسبة للإيرانيين، فالمرشحة الديمقراطية كلينتون وقفت مع إسرائيل، ومقربة من إدارة أوباما التي تربطها علاقات وثيقة به، إلى جانب أن المسؤولين في إيران يرون كلينتون بأنها متورطة بصناعة تنظيم الدولة، وأن فوزها لا يصب في المصلحة الإيرانية.
وقال: "على الرغم من أن لدى ترامب تصريحات شاذة وقوية، إلا أنه بات من المعروف أن الخطاب الانتخابي يختلف عن الخطاب بعد الفوز، وأنه ليس من السهل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي".