نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا، للمتخصص في التاريخ الفرنسي الأستاذ روبرت زاريتسكي، تحدث فيه عن المنصة الانتخابية، التي يسعى نيكولاي
ساركوزي للعودة إلى الرئاسة من خلالها.
ويبدأ زاريتسكي مقاله بالقول إن "طرح ساركوزي، مرشح الجمهوريين، جعل المراقبين يقارنونه بدونالد
ترامب، وهذه المقارنة ليست فقط من منافسيه في الوسط واليسار، مع أن رئيس الوزراء الاشتراكي مانويل فالس تحدث عن تحول الرئيس السابق إلى مذهب ترامب، بل حتى أصدقاؤه سابقا، فمثلا قال صديقه ومعاونه السابق جين فرانسوا كوبي مداعبا: (بعض المرشحين يشاهدون الكثير من العروض مع السيد ترامب)، وذلك لأن ساركوزي رغم ادعائه بأنه صديق لهيلاري كلينتون، إلا أنه يزاحم المرشح الجمهوري الأمريكي في رسم صورة قاتمة كل لمستقبل بلده".
ويضيف الكاتب أنه "بحسب ساركوزي، فإن
فرنسا بلد متورط في حرب أهلية بين أولئك الذين لا مانع لديهم أن تفقد فرنسا هويتها، وأولئك الحريصين على الحفاظ على تلك الهوية، ويريد الرئيس الفرنسي السابق أن يقود الفريق الثاني، كما يشير في كتاب حملته، الذي يحمل عنوان (الجميع لأجل فرنسا)، الذي نشر هذا الصيف، فقال: (لا يمكن أن تكون هناك هوية سعيدة ما لم نؤكد أن الهوية الفرنسية ليست أكثر أهمية من هويات معينة)".
ويشير المقال، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "ساركوزي ذهب خلال حملته بعيدا، لشرح كيف يمكن لهم أن يقوموا بهذا التأكيد إن تم انتخابه رئيسا، ويصر على أن الفرنسيين، بغض النظر عن خلفيتهم العرقية، يعدون الغاليين أجدادهم، بالإضافة إلى أنه وعد بمنع لبس النقاب في الأماكن العامة، ووعد بمحاربة البوركيني بحماس جديد، ووعد بإلقاء الإرهابيين المحتملين كلهم في مراكز تقوم باجتثاث التطرف لديهم، مراكز أشار إليها رئيس حزب ساركوزي دون أي تحرج بـ(معسكرات اعتقال)، دون أن يأبه لصدى هذه العبارة في التاريخ الفرنسي عند العودة إلى نظام فيشي في فرنسا (تحت الاحتلال النازي)".
وتقول المجلة: "سواء كان الأمر متعلقا بقناعات فكرية أو ملاءمة سياسية، والأمران متشابكان في حالة ساركوزي، ويصعب فصل أحدهما عن الآخر، فإن الرئيس السابق يراهن على أن الناخب الفرنسي سيتبنى تصورا يقوم على أنه في بلد يتقهقر، لكن ساركوزي ليس وحده، فبالإضافة إلى زعيمة الجبهة الوطنية ماريان لوبان، التي دائما ما دعت إلى (صفر هجرة)، ووصفت المسلمين الذين يصلون خارج مسجد في باريس بأنه (احتلال)، فإن الرئيس فرانسوا هولاند بدأ يصور فرنسا والهوية الفرنسية على أنهما مهددتان، ففي كتاب مقابلات نشر الشهر الماضي، الذي أعطي العنوان المناسب (يجب ألا يقول الرئيس هذا)، يشير هولاند إلى أنه (لا أحد يشك في أن فرنسا تعاني من مشكلة مع الإسلام)، لكن يجب عدم الخوف: فإن الرئيس الاشتراكي يكرر ما قاله رئيس الوزراء فالس، الذي يصر على أن (النساء المسلمات المنقبات اليوم سيكن ماريان الغد)– في إشارة إلى الأنثوية الفرنسية، التي في العادة ما تظهر كاشفة الصدر، وتمثل الحرية بالنسبة للفرنسيين".
ويلفت زاريتسكي إلى أنه "لمنح ترشحهم شرعية، من خلال الدفاع عن الهوية الفرنسية التقليدية، فإن ساركوزي ولوبان وهولاند انضموا إلى تيار من المفكرين متورطين فيما أصبح اليوم خطابا معهودا حول المرض الذي أصاب الدولة، فرواية التراجع هذه تصور فرنسا على أنها بلد تزحزح من مكانته التاريخية العظيمة بأثر رياح العولمة والهجرة غير المضبوطة".
ويذكر المقال أن ساركوزي أشار في تعليقاته السابقة إلى أعمال المفكر ألين فينكيلكروت "تيار المحافظين الجدد"، الذي صور كتابه، المنشور عام 2013 بعنوان "الهوية التعيسة"، فرنسا على أنها بلد مقسم إلى جيوب دينية وإثنية، وقال المؤرخ الفرنسي روبرت فرانك، الذي كتب كتابه المشهور "الخوف من التراجع"، الذي نشر عام 1994 في مقابلة حديثة، إن فكرة التراجع قديما تحولت اليوم إلى "الانحلال"، فالخطر بالنسبة للكثير من الناس في فرنسا "لم يعد غزوا من الخارج، لكنه تخفيف الهوية الفرنسية".
وتستدرك المجلة بأنه "مع ذلك، فإن عددا من الاستطلاعات يظهر أن العديد من المواطنين الفرنسيين غير مقتنعين بهذا الطرح، ففي 18 تشرين الأول/ أكتوبر، نشرت مجلة (إكسبرس) نتائج استطلاع حول شعبية المرشحين الرئاسيين، وكان في أعلى القائمة العمدة الحالي لمدينة بوردو ألين جوبيه، وكان جوبيه عمل رئيسا للوزراء خلال رئاسة جاك شيراك في منتصف التسعينيات، وهو ما أكسبه سمعة سيئة؛ بسبب جهوده التي لم تنجح في النهاية في التخفيض من نفقات الرعاية الاجتماعية السخية، وبعد سقوطه عندما كان رئيسا للوزراء، قام جوبيه بالعودة عمدة، وقام بإحياء مدينة إقليمية كانت كئيبة، ما أكسبه دعم الحزبين الرئيسين".
ويبين الكاتب أنه "عندما يهاجم ساركوزي المروجين لفكرة (الهوية السعيدة) فإنه يضع جوبيه في المرمى، وكان جوبيه أول من صاغ هذا التعبير عام 2014، كرد فعل على كتاب فينكيلكروت، وأصبح هذا التعبير الشعار غير الرسمي لحملته الانتخابية، (وعندما سئل هولاند عن رأيه، فإنه أجاب بحصافة بأن فرنسا ليست سعيدة ولا تعيسة –وهي الحسابات العاجزة ذاتها التي أدت إلى تدهور شعبيته إلى 4%)، وبدلا من التراجع أمام سخرية ساركوزي، فإن جوبيه قام بالتلويح بعبارته بقوة أكبر، وبدلا من النكوص في وجه التعددية الدينية والاثنية، أعلن جوبيه أنه يسعى إلى (التوفيق) بين حقيقة المجتمع الفرنسي والمثل الجمهورية، وتحدث عن (تسويات خاصة) يجب أن تتوصل لها الدولة مع المسلمين الفرنسيين، وركز على قضايا عملية، مثل توفير الوجبات الحلال في المدارس، كما أنه شجب (سعار المثقفين)، الذين دعا بعضهم إلى إلزام الآباء بإعطاء أبنائهم أسماء فرنسية فقط، وبسبب حكمته هذه فإن جوبيه كسب تأييد الناخبين في الاستطلاعات".
وينوه المقال إلى أنه "في المقابل، فإن سخرية ساركوزي من جوبيه، ووصفه بالساذج والملائكي، لم تكسبه الكثير، حيث بيّن استطلاع (أودوكسا) في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر، لقياس شعبية السياسيين الفرنسيين، أن ساركوزي يأتي في المرتبة 14، حيث أيده أقل من ربع المستطلعة آراؤهم، في الوقت الذي أبدى فيه 55% من المستطلعة آراؤهم بأنهم لا يؤيدونه، والسياسيان الوحيدان اللذان يشاركانه نسبا مشابهة من عدم التأييد، هما مارين لوبان وقريبتها ماريون لوبان، وما لم يحصل حدث عظيم، مثل وقوع هجوم إرهابي كبير، فإن حلم ساركوزي في العودة إلى الإليزيه بعيد المنال، ويبدو أنه أساء تقدير المزاج العام الفرنسي".
وتختم "فورين بوليسي" مقالها بالقول إن "ما يشير إلى أن الوسط هو التيار الذي يحظى بالشعبية، هو أن اليسار يأتي في الدرجة الثانية بعد جوبيه، حيث حصل وزير الاقتصاد السابق إيمانيويل ماكرون، خلال رئاسة هولاند، على نسبة دعم وصلت لـ34%، ويدعو كل من جوبيه وماكرون إلى جمهورية أكثر تسامحا".