قال موقع "ميدل إيست آي" بلندن، تقرير له عن أزمة الجنيه
المصري: "في زيارة إلى القاهرة في نهاية نيسان/إبريل كان سعر الصرف للجنيه المصري مقابل الدولار بنسبة 10.5 جنيه للدولار الواحد. وفي هذا الأسبوع وصل سعر الدولار إلى 18.25 جنيها مصريا في السوق الموازي".
وتابع التقرير أنه مع ذلك ذلك، ففي التصريحات العامة وفي اليوم نفسه اعتبر رئيس الوزراء المصري أن "المشكلة ليست
اقتصادية"، مستدركا أن ما كان متوقعا حدث، فقد تم
تعويم الجنيه المصري ونزلت قيمته إلى حوالي 48% ، ومن هنا فالآثار ستكون هائلة ولا أحد لديه شك في هذا.
"ومع تزايد الأسعار بشكل يومي، فالمواطن المصري العادي كمن يواجه فيلا يسحقه"، يقول تقرير "ميدل إيست آي".
ونقل الموقع عن صحفي يعمل مع منظمة معروفة، ما كتبه على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ تحدث "عما لا يمكن الحديث عنه" وسماه "ذعرا"، موضحا أنه كلما انهار الجنيه المصري، زاد الحديث عن التضخم الجامح الذي يحمل معه الكثير من المصاعب، ووضع انهيار الجنيه وخطة تعويمه المحللين، والناس العاديون أمام طريق غير واضح. ورغم استعداد البنك الدولي لوضع نقوده على الطاولة، إلا أن مديرته كريستين لاغارد، تحدثت نهاية الأسبوع الماضي وبشكل واضح عن سوق المال المصري قائلة: "حاليا هناك أزمة".
ويعلق الكاتب بأن كلامها صحيح فهناك "100%" تباين بين سعر الصرف الرسمي 8.8 جنيه للدولار مقابل 18 جنيها للدولار في السوق السوداء، وأثر التداخل بين السعرين وبشكل كبير على المواد المستوردة، بشكل قاد وزير التموين خالد حنفي للطلب من البرلمان هذا الأسبوع، في معرض شرحه لنقص الأزر "ساعدوني الله يساعدكم".
ويشير الموقع إلى أن انهيار العملة لا يشكل في حد ذاته المشكلة، لكنه انعكاس لمشكلة اقتصادية بنيوية عميقة. موضحا أن الكيفية التي يؤثر فيها كل من سوق العملة وشروط صندوق النقد الدولي وأسعار الاستهلاك والتضخم، بعضه على بعض ،سيقرر دون شك فيما إن كانت حكومة السيسي قادرة على النجاة من العاصفة.
ونقل الموقع رأي محمد الدهشان، الاقتصادي الذي تدرب بجامعة أوكسفورد والزميل غير المقيم في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، الذي يقول فيه إن الأسوأ آت: "نحن في جهنم والطريقة الوحيدة هي الخروج منها". ويرى الكاتب أن هناك موضوعين يؤثران على الرأي عندما يتعلق باقتصاديات مصر، وهما غياب الشفافية والوضوح من السلطات والتشوش الناجم على الرأي العام.
ويقول إن المشكلة ببساطة تشبه وجع الأسنان، ومشاكل كهذه لا تحل نفسها بنفسها وكلما طالت زاد ألمها. وفي النهاية كلما تأخرت معالجة الألم فإن الطبيب يقترح خلع السن أو عملية جراحية في الفم.
ونتيجة الجراحة عادة ما تكون مؤلمة حالة انصاع المريض الذي يريد التخلص من الوجع إلى أمر طبيب غير مجرب. وفي الحالة المصرية فالعلاقة بين المريض والطبيب مأزومة، فالعلاقات بين صندوق النقد الدولي ومصر إشكالية في أحسن حالاتها، ويدخل فيها موضوع الثقة وغيابها.
إلا أن الدهشان يرى أن مصر لا خيار أمامها: "فقد تجاوزنا مسألة ترف اختيار الحل فظهورنا للجدار"، واعترف المصرف المركزي المصري اليوم بالواقع. ويضيف الدهشان أن عملية تعويم متدرجة كان يمكن أن تكون جيدة فإن الإجراء الوحيد النافع الآن -وهو الذي وصفته لاغارد ومعظم المحللين- هو تخفيض قيمة العملة من خلال العلاج بالصدمة.
ويقول الموقع إنه في أثناء فحص السيناريوهات المحتملة، فإن البعض قد يرى الكأس نصف مملوءة، إلا أن طبيعة هذه الأزمة خطيرة وهو ما يعترف به الخبراء الاقتصاديون. ففي نقاش مع فاطمة الأسيوطي، الاقتصادية والباحثة المصرية، ركزت في حديثها على المستهلك المصري ولسبب وجيه. ومع أنها كانت متفائلة أكثر من غيرها بشأن التضخم، إلا أنها تعتقد أنه سيصل إلى نسبة 20%، ولكنها تحذر أن تخفيض العملة المصرية "سيترك أثرا سلبيا على الأسعار، ويجب والحالة هذه حماية الفقراء".
وفي العادة، فإن شبكات الحماية الاجتماعية هي جزء من الرزمة التي يمنحها صندوق النقد الدولي مع الحل، لكن في الحالة المصرية لن تكون حلا بسبب الفساد المنظم في البلد. ومن هنا فالكثير من الناس الذين يستحقون المساعدة يتم تجاهلهم، كما يقول دهشان، ولهذا فمظاهر القلق عالية نظرا لاستشراء الفساد في حزمة الأمان.
وهنا علينا طرح السؤال إن كانوا يتخلون عن الفقراء الآن. وكيف ستتم حماية الضعاف لاحقا دون تغييرات بنيوية يمكن فرضها؟ ويجب أن نتذكر أن دور الإخوان المسلمين كشبكة حماية اجتماعية للفقراء، وهو دور أدته الجماعة بشكل جيد في عهد مبارك أصبح أمرا من الماضي.
وربما كنت نائما في مغارة كي لا تعرف عن أشرطة الفيديو والمدونات والصور، التي تظهر معاناة قطاع كبير من المصريين الذين يئنون من ثقل ارتفاع أسعار الأرز والسكر والطحين، من بين عدة بضائع والأمور مرشحة للسوء أكثر.
ويقول الكاتب، إن هناك الكثير من الأمور الدقيقة المتعلقة بسوق البضائع الغذائية التي تخفى على الإنسان العادي ولكنها مهمة لفهم الوضع العام. وكما شرح نعمان خالد الذي يعمل في "سي آي كابيتال مانجمنت"، فإن نسبة ما بين 60-70% من البضائع المتوفرة في السوق المصرية هي مستوردة بناء على سعر السوق السوداء. فمعظم المواد الأساسية التي تعتبر حياة أو موتا بالنسبة للناس المحتاجين جدا، تباع بناء على سعر الصرف الرسمي للجنيه. ومع تخفيض قيمة العملة المصرية فإن الأثر سيكون ضخما كما يقول خالد. فسيتم تسعير هذه البضائع مرة أخرى بناء على السعر الجديد، ومن هنا فالنتيجة ستكون كارثية وارتفاع بنسبة 40% تقريبا. ويزيد عدد المحتاجين عن عشرات الملايين لا يجدون شيئا.
ويقول الكاتب إن آخر مرة انتفض فيها المصريون ضد ارتفاع الأسعار كانت في كانون الثاني/ يناير 1977، عندما أصابت زيادة لها علاقة بخطط لصندوق النقد الدولي كل قطاع الخبز المستورد، وترى الأسيوطي أن غياب التواصل مع الحكومة لا يساعد في الوضع. ولكن في الوضع الحالي، فإن الزيادة ستؤثر على معظم القطاعات غير الخبز. وإن كان هناك شيء؛ فالتواصل بين طارق عمار، مدير المصرف المركزي والناس والسوق في أدنى مستوياته. وعندما يتم النظر وبسرعة لما يوضع على وسائل التواصل الاجتماعي في العشرة أيام الماضية، فإننا أمام صورة من التشوش والذعر: "هل تعرف ما يجري؟" هو السؤال العام المشترك بين الجميع.
ويرى الكاتب أن عامر يجب أن يتحمل جزءا كبيرا من اللوم بسبب غياب التواصل كما يقول خالد: "ظل يرسل إشارات خلال الأشهر الماضية دون اتخاذ تحركات" و" هو ما قاد إلى خسارته لثقة الجميع"، وأثر على مصداقيته. وعندما تغيب الثقة فكيف يمكن تنفيذ عملية حساسة مثل تخفيض قيمة العملة، في وقت تمر فيه البلاد بحالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي؟
ويتساءل الكاتب عن سبب تخفيض العملة المصرية؟ مشيرا إلى أن نسبة تضخم تصل إلى 15.5% وزيادة أسعار الطعام بمعدل لم تشهدها البلاد منذ 5 أعوام، وبلد مجرد من العملة الصعبة ويكافح للاستمرار من أجل تحقيق تخفيض ضروري للعملة، وتلميح صندوق النقد الدولي للحاجة إلى هذا التحرك، ولم يعد هذا الخيار اختيارا ولكنه إجباري، ولهذا السبب فقد رفع الإصبع عن الزناد.
وتساءل الموقع: ماذا نتوقع الآن من تعويم الجنيه المصري الذي يثير قلق كل المصريين ولأسباب متعددة؟ فمن وجهة نظر الأسيوطي فستظل مصر تتخبط حتى تحصل على حكومة أحسن ومدير جديد للمصرف المركزي. وهناك على ما يبدو موضوع متكرر؛ فعامر من المصرف المركزي المصري ليس الرجل المناسب للمهمة، فمنصب حساس كهذا، كان يجب ألا يتولاه رجل من القطاع المصرفي، بل رجل له خبرة اقتصادية حسب خالد.
ولكن اختيار عمار هو تعبير عن آلية اتخاذ القرار النابعة من القيادة المصرية، وفي الوقت الذي توجد فيه مظاهر قلق مبررة، فإن ما كان يمكن أن يتحكم به بسهولة سيتحول إلى كارثة كاملة.
ويقول دهشان، إن التضخم لو تضاعف "في الأشهر المقبلة" فإنه يتوقع وصوله لنسبة 30% بسبب تعويم العملة المصرية وزيادة أسعار المواد الغذائية في الأسواق الدولية. وارتفاع حاد في الأسعار سيزيد من الضغوط على النظام الذي يفقد شعبيته وبأعداد كبيرة.
ويقول الكاتب: قد يحاول النظام استعمال القمع والملاحقة، مستدركا أنه لن يجفل أو يهتم أحد في هذا المناخ المشبع بالشعارات الوطنية. ولكن قل للصقور من كل الطبقات الاجتماعية المختلفة أن سعر الأرز والسكر والطحين الذي يؤثر مباشرة على الخبز سيرتفع بنسبة 30%، وما تقوله بالضرورة إنهم يحملون حياتهم السياسية على أيديهم. فتحت ضغط اقتصادي كاف، لن ينتظر المصريون نتائج إيجابية طويلة الأمد مثل زيادة الاستثمار الخارجي.
وتخيل أن تقوم بحرق بناية فيها شقق يقف على سطحها فقير، فهناك خيار واحد فقط: اقفز وسيحدث لك ضرر، ربما كسر في الرجل أو الذراع لو كنت محظوظا وربما أضلاع مرضوضة. ولكن للبعض – الفقير على سطح البناية- فالقفز قد يكون قاتلا. القفز من الطابق الخامس يقتل، ولكن أن تقفز مصر فهذا ما سيحدث. ولو لم تكن الحكومة مستعدة ولديها شبكة أمان فاعلة، فربما كانت هي نفسها بحاجة لإنقاذ.