يرى أمين عام
مجلس المنظمات الإسلامية الأمريكية أسامة الجمال أن هناك تفاعلا غير مسبوق من الجالية المسلمة مع الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بعد شعورهم بالخطر من ازدياد ظاهرة الإسلاموفوبيا واحتمال صعود المتطرفين لسدة الحكم في الولايات المتحدة.
وأشار في
حوار خاص مع صحيفة "
عربي21" أنهم في المجلس يتواصلون بشكل مكثف مع الأقليات، التي تتعرض للاضطهاد والعنصرية مثل الأفارقة واللاتينيين، لتشكيل تحالفات في الانتخابات.
وكشف أن ترامب سعى لحضور تجمع المسلمين في صلاة عيد الأضحى في مدينة شيكاجو، إلا أنهم رفضوا هذا الأمر قبل أن يجلس ممثلو الجالية المسلمة معه ويعبروا عن موقفهم من تصريحاته، مؤكدا انفتاح المجلس للحديث والتواصل مع جميع الأطراف في أمريكا.
وعزا الجمال ازدياد جرائم الكراهية إلى عدة أسباب؛ منها الجرائم والعمليات التي ترتكب باسم الإسلام، ووجود منظمات صهيونية كبيرة تعمل لهذا الغرض وتنمي ظاهرة الإسلاموفوبيا في أمريكا.
يشار إلى أن مجلس المنظمات الإسلامية الأمريكية يضم عددا من هذه المنظمات والهيئات التي تدافع عن المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية، مثل مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير)، وجمعية الأمريكيين المسلمين، والجمعية الإسلامية الأمريكية من أجل فلسطين، والدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية، والتحالف الإسلامي في أمريكا الشمالية، وغيرهم من المنظمات.
وفيما يلي نص الحوار:
-
كيف تقيم تفاعل المسلمين مع الانتخابات الرئاسية الأمريكية؟ وإلى أي مدى ترى أهمية مشاركتهم فيها؟
في هذه الانتخابات نرى تجاوبا فوق العادة، حيث جرت العادة أن تشارك الجالية المسلمة بغير حماس، ولكن في هذه الانتخابات بسبب تفاقم الخطاب العدائي لهم من قبل بعض المرشحين، أثيرت المخاوف من صعود تيار متطرف يؤثر على حياة المسلمين ومستقبلهم، لذا آثرت الجالية بعد دعوة المجلس الأمريكي للمنظمات الإسلامية، وبعد الشعور بالخطر خصوصا بعد أحداث سان بردانيدو، المشاركة بفاعلية، وأهم ما يؤشر على ذلك استجابة الجالية المسلمة غير المسبوقة لحملة المليون مصوت، التي أطلقناها في المجلس لدعوة المسلمين للتسجيل للانتخابات. وسيقام يوم الأربعاء القادم مؤتمر صحفي نعلن فيه عن نتائج المؤتمر.
ورغم أني لا أستطيع أن أصرح بنتائج الحملة قبل المؤتمر الصحفي، إلا أني أؤكد لصحيفتكم أن هناك مؤشرات إيجابية تجعلنا نثق بالجالية المسلمة أنها تتحمل مسؤولية تطور الأوضاع السياسية في البلد وتتفاعل معها بالشكل الذي يناسب، لذا هذا الإقبال الكبير على التسجيل في الانتخابات، إنما هو دليل خطر الخطاب المعادي والمتطرف للمسلمين والصاعد على الحياة السياسية الأمريكية على جميع الفئات، وليس المسلمين فقط.
- هل حاولتم كمنظمات إسلامية التواصل مع المجموعات الأخرى التي تتعرض للعنصرية والاضطهاد ؟
لنا علاقات قديمة مع الجالية اللاتينية والجالية الإفريقية بالنسبة للعمل السياسي والانتخابات، وخاصة في الانتخابات المحلية والمقاطعات التنفيذية، والبلدية والمدارس، أي إن هناك تعاونا قديما، إلا أنه ازداد واشتد في الفترة الأخيرة، خصوصا بعد الهجمة العنصرية على الأقليات، لذا نحن على تواصل وحوار مع الجاليات خصوصا في تسجيل الناخبين والحث على ذلك، والآن نحن نقود حملة التصويت والمشاركة بإدلاء الصوت.
- هل حاولتم التواصل مع المرشح الجمهوري لرئاسة الولايات المتحدة دونالد ترامب أو مع حملته ومناقشة تصريحاته العنصرية ضد المسلمين والاعتراض عليها؟
بالرغم من تصريحاته المعادية للمسلمين، إلا أننا لم نغلق الباب أمام أي من المرشحين بغض النظر عن حدة الخطاب الذي يوجهونه نحو الجالية المسلمة، نحن ننظر للمصلحة العامة، بغض النظر عن المرشح، وذلك للتفاهم على قضايا محددة وقضايا أساسية. نعم، كان هناك اتصالات من الطرفين من المرشحين الجمهورين من بداية السباق، وحاولنا عدة مرات أن نفتح الأبواب ونتناقش في قضايا الجالية ومستقبلها (وهذه يتم بصورة مستمرة مع الديمقراطيين وخصوصا مؤخرا مع حملة بيرني ساندرز)، أما بالنسبة للجمهوريين فمع السيد ترامب كان هناك محاولة من قبل مديريه في ولاية إيلينوي قبل صلاة العيد في مدينة شيكاجو للجالية المسلمة، التي تقام في ملعب كبير ويحضرها نحو 20 ألف مسلم، وطلب ترامب الحضور والحديث مع المسلمين، إلا أننا رفضنا قبل أن نجلس على طاولة الحوار ونتناقش في تصريحاته ونوضح موقفنا، حيث يبدو أن السيد ترامب لا يعرف الكثير عن الإسلام أو أن معلوماته خاطئة عنه.
- إلى أي مدى ترى تصريحات ترامب تشكل خطرا على المسلمين، خصوصا انعكاساتها على المجتمع؟
لو كان ترامب من المرشحين التقليدين؛ أي يلتزم بالسياسات والخطوط العريضة والعامة الموضوعة للسياسيين، أو حتى لأفراد المجتمع الأمريكي، لكننا تجاوزنا عن بعض العبارات واعتبرناها جزءا من الحملة الانتخابية فقط، إنما نحن نعتقد أن السيد ترامب مرشح "متكيس"، تخطى كل الخطوط الحمراء في السياسة الأمريكية والمعايير المحلية، وتجاوزه هذا قد يشكل تهديدا حقيقيا للمسلمين، وهو شخص معتدّ بنفسه وآرائه، ولا يجامل، ويتخطى البروتوكول الذي يمارسه أصحاب السياسة خصوصا في دولة مثل الولايات المتحدة، لذا ما فعله يثير حفيظة الأمريكيين أنفسهم وحتى الطبقة الحاكمة والسياسيين، فهو مرشح يثير مخاوف الجميع، نحن نأخذ كل ما يقوله وما يفعله على محمل الجد، ولا بد من التحضير له من الآن في حالة وصوله للرئاسة. ومن هذه التحضيرات، الترتيبات مع الجاليات الأخرى لمواجهة خطر ترامب.
ولابد من الإشارة إلى أن هناك خطرا على انقسام المجتمع الأمريكي، ليس في حال نجاحه، بل وحتى في حال رسوبه بالانتخابات.
- كشفت دراسة أعدها باحثون بجامعة كاليفورنيا في سان بيرناردينو، أن معدل جرائم كراهية المسلمين في أمريكا، وضد الأهداف الإسلامية في الولايات المتحدة قد ارتفعت بنسبة 78% في عام 2015، وهو أعلى معدل تبلغه هذه الكراهية منذ تفجيرات 11 سبتمبر 2001.. ما تفسير ذلك برأيك؟
لا ننكر أن العمليات الإجرائمية التي لا تنتمي للإسلام بأي صلة أو أي مفهوم، مثل حادثة سان برداينيو أو فلوريدا أو بعض المحاولات التي فشلت، وحتى فرنسا وبلجيكا وتركيا وحتى ما حدث في الأراضي المقدسة في المدينة المنورة، كانت المغذي الرئيسي لظاهرة الإسلاموفوبيا الموجود قبل ترامب، التي تعمل على تخويف المجتمع الأمريكي من المسلمين، وتتجاوز هذه المخاوف كل معايير الحقيقة.
على سبيل المثال، المسلمون هم أول ضحايا هذا التطرف. الإسلاموفوبيا تأخذ نصف الحقيقة وتزور حقائق أخرى، فهناك أشخاص يعلنون انتماءهم لتنظيمات إرهابية ويتبنون العمليات، وهذا ما يظهره الإعلام وتركز عليه الإسلاموفوبيا، بينما تتناسى أن أكثر ضحايا التطرف هم المسلمون في كل مكان.
في الحقيقة هناك حملة مدروسة ممنهجة، تساهم فيها مؤسسات صهيونية قديمة وحديثة، انتماؤها معروف ومسجل وغير مخفي، ولديها حقد دفين على الإسلام، تغذيها بعض العمليات المتطرفة. هذه الأمور مجتمعة دفعت العنصريين للانتقال من دائرة الكلام والانتقاد إلى دائرة الفعل والهجوم؛ ولذا نرى تصاعد عمليات الكراهية ضد المسلمين.
- هناك بعض المؤسسات العنصرية التي تناهض الإسلام في أمريكا مثل "SIOP" و "Act for America" واستطاعت أحيانا الفوز بقضايا ومنع تمرير قوانين المسلمين في أمريكا.. كيف تواجهون خطابها وتفندونه؟
كما ترى، أصبح هناك تحد وجودي للمسلمين في أمريكا، فمثل هذه المؤسسات مدعومة دعما كبيرا بمئات الملايين من الدولارات، ويقومون بحملات مستمرة ويستفيدون من الإعلام، لذا المسلمون يواجهوا حملة شعواء، في مقابل دعم محدود للمنظمات الإسلامية، ومع هذا فهناك جهود كبيرة نقوم بها لمواجهة الخطاب المعادي.
تتوزع الجهود في عدة أنشطة منها حوار الأديان، والتعامل مع جيراننا أصحاب الأديان الأخرى، بالإضافة للتواصل مع القيادات السياسية المنتخبة من قبل الشعب أو حتى الحكومة نفسها، ولكن رغم ذلك، فإن الخطر مازال كبيرا.
- كانت هناك جهود لتجريم الإسلاموفوبيا على غرار قانون معاداة السامية، أين وصلت هذه الجهود، ولماذا لم تنجح حتى الآن؟
اعتماد هذا الأمر يحتاج إلى ضغط إعلامي على المشرعين في الكونغرس، ومع الأسف في هذه الفترة فإن الكونغرس يحظى بأغلبية من المحافظين، وهم ليسو من المتضامنين مع المسلمين، لذلك لا يوجد حماسة لتشريع قانون يجرم الإسلاموفوبيا على غرار معاداة السامية.
لكن حملة ترامب واستخدامه للعبارات المعادية ضد المسلمين، قد تساهم في جنوح الكثير من أعضاء الكونغرس لأن يعلموا أن الإسلاموفوبيا ستشكل خطرا على المجتمع الأمريكي ووحدته إذا استمرت هذه اللغة، وقد نصل إلى فترة نجرم فيها الإسلاموفوبيا ضد المسلمين، وهذا الأمر يضع على عاتقنا جهودا أكبر، وعلينا أن نستغل هذه اللخظات وأن نستغل الظروف السياسية الحالية؛ كي نؤكد خطر الإسلاموفوبيا ويهدد استقرار المجتمع الأمريكي.
ونحن الآن على تواصل مع أعضاء من الحزب الجمهوري خارج الدائرة المحيطة بترامب، ونحاول الوصول إلى الفئة التي لا تقبل بتصريحات ترامب.
- ماذا عن الصعيد الحكومي، هل ترون تمميزا أو تضييقا على الحريات والحقوق المدنية تجاه المسلمين أو حتى المجموعات الأخرى؟
الحكومة نفسها لا تستطيع أن تقوم بأي عمل عنصري ضد أي فئة من فئات المجتمع، لأنهم يلتزمون بالقانون، بل إن الحكومة الفدرالية قامت بدعم المسلمين بناء على الحريات المضمونة في الدستور، فمثلا وقفت ضد بعض البلديات المحلية في العديد من الولايات التي رفضت إعطاء تصريح بناء مساجد في مدنهم، وبعد اتصالنا معهم قاموا برفع قضية على القضاة الذين منعوا إقامة المساجد وكسبوها وتمت إقامة المساجد، بناء على الدستور.
حكومة أوباما بالذات أخذت بعض المواقف التي تؤيد المسلمين في أمريكا، مثل زيارة أوباما لمسجد في ميرلاند كانت محاولة منه لدعم الجالية المسلمة والتنويه إلى جهود المسلمين القديمة. إذا بالنسبة للحكومة لا يوجد هناك انتهاكات واضحة أو معروفة ضد المسلمين.
- كيف تقيم انخراط المسلمين في الأنشطة العامة للمجتمع الأمريكي باعتبارهم جزءا منه، وهل ترى هناك أي اختلاف بين الجيل القديم المهاجر والجيل الحديث المولود هنا؟
بالنسبة لي شخصيا، فإن هذا هو مربط الفرس، ففي كل محاضراتي التي ألقيها محليا أو في المؤتمرات الكبرى، دائما ما أركز على "الاندماج المجتمعي"، التواصل المدني. فإذا كان لنا أن نعيش في هذا البلد وأن نكون أمريكيين، فلا بد أن نشعر بقضايا هذا المجتمع الذي أصبحنا جزءا منه، ولن يرتاح ضميرنا وأن نكون موفين بالعهد بما أننا ارتضينا العيش هنا.
الجالية المسلمة مميزة عن الجاليات الأخرى بأنها مهتمة بالعلم، والناحية الاقتصادية جيدة، بالإضافة إلى وجود وازع ديني يحثنا على العمل والاندماج، فهناك كل الإمكانيات والمتطلبات الأساسية لأقلية راقية لأن تعطي عطاء كبيرا للمجتمع الذي تعيش فيه، لذا لابد أن نكون مندمجين في هذا المجتمع وأن نحس بآلامه، وأن نساهم بتوفير حلول لمشاكله، وأن نكون صمام أمان في مجتمعنا.
ولا نستطيع أن نطلق حكما عاما فيما يخص التفاعل داخل المجتمع، ففي الوقت الذي نرى فيها اندماجا من البعض حتى الوصول إلى مناصب سياسية في البلد، نرى أن البعض مازال متقوقعا على نفسه وبيئته في المسجد والحي وأصدقائه المسلمين فقط، ونحن مازلنا ندعو للخروج من الدائرة الضيقة إلى الدائرة الأوسع والمشاركة في حل مشاكل نواجهها نحن بأنفسنا، أو من المحتمل أن نتعرض لها مستقبلا، خصوصا فيما يخص قضايا الشباب.
وعلى العكس من الشائع من أن الجيل القديم هو المتقوقع والجيل الجديد هو المندمج، أرى أن الجيل الأول المهاجر أكثر اندماجا، لكنه لم يستطع نقل اندماجه هذا إلى أبنائه... هذا ليس تعميم طبعا، لكن ما أود قوله إنه على الجيل الجديد الانخراط أكثر في المجتمع وواجبه أكبر الآن.