سنذكر بالخير دائماً، كتفاصيل مُتممة لحلم نجاح ثورة 25 من يناير، أن القوى، التي كانت آنذاك تبدو ثورية ـ سواء أكانت كذلك بالفعل أم أوضحت الأيام أنها غير هذا تماما ـ كانت ما تكاد تُبدي أو تُظهر دعوة إلى التجمع في مليونية في "ميدان التحرير" قبلها بأيام قليلة، الأحد على سبيل المثال على أن تكون المليونية كالعهد الجمعة التالية، كانت قوى، آنذاك، ما تكاد تعلن حتى ينبري المجلس العسكري مسرعاً بالإعلان عن قبوله بمطالب للمليونية قبل ميعادها.
ولم يكن المجلس العسكري الذي تسلم مقاليد البلاد من المخلوع حسني مبارك ينفذ المطالب، ولا حتى ينوي التنفيذ بشكل عملي، ولكنه كان يحرص على أن لا يهب الثوار. كان العسكر يهابونهم وهمّ التأثير والسيطرة، وطالما ثملت قوى ثورية وغير ذلك بالأوهام عقب 11 من شباط/ فبراير 2011م.
وتطورت الأمور، من أسف، إلى فوضى داخل "ميدان التحرير" أثناء حكم الرئيس "محمد مرسي"، وتواجد بعض شباب غير معلومي الهوية، وادعاء الداخلية عدم القدرة على صرفهم، رغم ما فعلته من قبل في أحداث "محمد محمود" الدامية، التي توشك ذكراها الخامسة أن تحل علينا، حتى وصلنا إلى مرحلة عقب الانقلاب العسكري لا تستطيع قوى، ولو كانت ثورية حقيقية، الاقتراب من الميدان، مهما حاولت وبذلت الدماء، وهل ينسى شريف طوفان الدماء التي سالت بعد 3 من تموز/ يوليو 2013م لمحاولة إثبات أن ما يحدث في مصر انقلاب عسكري، في مواجهة افتراءات العسكر والمغيبين في مصر بأن هناك ما يسمى "ديمقراطية الجموع" في مواجهة "دديمقراطية الصناديق"، وما أهون الدم "الإسلامي" على عالم اليوم.
ما يقارب 5 آلاف متظاهر من المتعارف على تسميتهم بالليبراليين والعلمانيين يخرجون للتظاهر في 25 من نيسان/ أبريل الماضي، فتعلن الولايات المتحدة مراقبتها للأمور في مصر من أجلهم، فيما يخرج الملايين عقب عزل الجيش للرئيس "محمد مرسي"؛ إلى الشوارع ليُقتل الآلاف بدم بارد، ويُصاب أكثر، ويعتقل أكثر دون، أن يهتز جفن للعالم لا الولايات المتحدة وحدها، ولعل خطأ الطرح الماضي، رغم كونه واقعيا لا خطأ فيه، هو اعتبار أن هذا العالم الذي لا قلب له، برأي الراحل "فتحي يكن"، يمكن أن يُحرك ساكناً لشيء إلا لانحيازاته ومن قبلها مصالحه.
ولكن مع تطور القمع وإرهاب السلطات المصرية، ودوام القتل والإصابة والاعتقال لمَنْ يجرؤ على معارضتها بصورة سلمية، ومع فشل القوى الثورية بعد 25 كانون الثاني/ يناير 2011، وعلى رأسها الإخوان، من أسف، في التصدي إلى بوادر الانقلاب، وبالتالي له في أيامه الأولى، وإعادة أجواء كانون الثاني/ يناير ، شباط/ فبراير 2011م، مع محاولات تكرار السيناريو، عبر اعتصام رابعة العدوية والنهضة، والمظاهرات التالية لوحشية فضهما، والتجمعات التي لفت وجه مصر بصورة أسبوعية بعدها، ثم تحولت إلى مواقيت معلومة في أيام ذات دلاله من مثل 25 من كانون الثاني/ يناير 2014م، و2015م، و2016م، و6 من /تشرين الأول/ أكتوبر 2013 و2014، وهلم جرا، ومع النتائج الكارثية المُترتبة على خروج الآلاف إلى الشوارع، قلت الأيام الثورية، وقلت التجمعات المُناهضة للاتقلاب؛ أو التي تحاول أن تكون كذلك.
ولكن الحقيقة القائلة بأن الدعوة إلى الخروج يجب أن تصدر عن داخل مصر، ومن أحرارها ورجالها بل نسائها وفتياتها، مع الأيام صارت تحتمل وجهة نظر غير مريحة، من أسف، بخاصة مع الدعوة إلى خروج 25 من كانون الثاني/ يناير 2015، وهي الدعوة التي صدرت من غير ذي سابقة ثورية واضحة، وتمت المبالغة في الدعوة وثمارها، واستمرارها بل مشاركة صاحبها بنفسه الجموع عبر غرفة عمليات من مكان مجهول في مصر، والقول بأن هناك 70 طريقة ثورية لفرض واقع جديد يعصف بالانقلاب، وهو ما ثبتت عدم صحته، تماماً فيما بعد، ومر الأمر بسلام على قائله والمحيطين به.
ومجدداً يعود طرف من ذوي الصلة بأصحاب الدعوة الأولى إلى الواجهة من تركيا من جديد، داعين إلى (ثورة للغلابة) في 11 من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وهكذا تطور الواقع الثوري أو "محاولاته" سلبياً، فمن دعوات من الداخل المصري إليه، معلومة الاتجاه، أياً ما كان، ومسبوقة بمدى زمني قريب، إلى تباعد في فترات الدعوات الزمنية، وإلى خروجها المكاني عن مصر من الأساس، ومع تكرار عدم المردود الواضح للخروج، بل مجيئه عكسياً يزج بالمئات في أتون المعتقلات، وشرف الشهادة والإصابة، ومع افتقاد استراتيجية واضحة لدحر الانقلاب وترنحه، كما أعلن البعض مراراً وتكراراً، وبالتالي التكتيك المناسب مرحلياً، تباعدت الدعوات إلى الخروج في مظاهرات حتى وصلت إلى حد خروجها من خارج مصر، ومن أسف دعوتها إلى التظاهر لا للحرية والكرامة والعزة والرفعة للأوطان قبل النفس بل لمجرد البحث عن لقمة العيش..!
ومع تنامي المنحنى النازل للدعوات إلى التظاهر، مع تسجيل اعتراض صاحب هذه الكلمات التام على دعوات الخروج من خارج مصر، سواء من منتسبين إلى القوى الثورية، او إعلاميين، ففيما هم منعمون في الغرف المُكيفة يوجهون بشراً مثلهم إلى احتمال المخاطر الشديدة، غير أنني لا أشكك في وطنية أحد، رغم هذا.
واستبق قائد الانقلاب "عبد الفتاح السيسي" يوم 11 من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل عبر التحذيرات المستمرة من أبواقه الإعلامية من الخروج في ذلك اليوم، وهو ما اعتبره بعض الرموز الشبابية المدعاة لمحاولة الثورة في25 يناير تورط من النظام المصري في الدعوة إلى الخروج لإحباط الآمال (موقع رصد في 25 من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري تحقيق تحت عنوان: بعد تخليهم عن "ثورة الغلابة"..هل يستجيب الليبراليون لـ"نداء البرادعي")؛ ووصل الأمر إلى خروج "عبد الفتاح السيسي" من مدينة مؤتمرات "مبارك" المفضلة، في شرم الشيخ الثلاثاء الماضي، أيضاً، ليقول بأن ثلاجة بيته، وهو العسكري، كانت تظل 10 سنوات بلا شيء إلا المياه، وعلى افتراض صحة الأمر، فإن كان مناسباً في الصيف مع حرارة الجو فلماذا تبقى الثلاجة لتعمل في الشتاء؟ ولماذا القسم من قبل؟
على أن أقوى ما في الأمرين (الدعوة إلى ثورة للغلابة ـ المقدمة المفترضة لثورة الجياع من ناحية ـ وتصريحات السيسي في مؤتمر شرم الشيخ الأول للشباب وغيره من الاحتفالات ذات البهرجة المعدومة النتيجة) هو تمام وازدهار وضع العربة أمام الحصان في مصر بهما، بل تعويق الآمال عن مجرد حلحلة الأحوال فيها لا الوصول إلى نتيجة، ولو عبر مدى بعيد.
فلم يعد السؤال الذي يشغل صاحب هذه الكلمات عن المفترض أنه ثورة للغلابة في 11 من تشرين الثاني/ فبراير المقبل؛ بعد اندحار الآمال في ثورة للشرفاء ومن ضمنهم الغلابة، لم يعد السؤال هو نتيجة ما سوف يحدث في ذلك اليوم، وبالفعل فالغيب يعلمه ويعرفه الله وحده وإن دلت الشواهد عليه، لكني أقول بوضوح أن الأمر سيمر بسلام، لا بالنسبة لعظيم الأمور التي يدعي المنادون بالخروج به إليها، بل بالنسبة إلى سقف الآمال الكبير الذي يرفعه البعض حيال ازدهار الأمر في مصر في يوم وليلة وعبر يوم، ولو كان يوماً ثورياً حقيقياً، وكأن أحداً يملك عصاً سحرية لتعديل ما مال من أمور البلاد عبر عشرات السنوات، وهذه هي النتيجة التي لا أشك في أنها ستكون قليلة جداً، بل لا تقارن عقب هذا اليوم.
ومن ناحية أخرى أرى بوضوح في كلمات "السيسي" في مؤتمر مدعى للشباب، وعشرات الاحتفالات الزائفة غير ذات المعنى فضلاً عن الجدوى، أراه يمحو الآمال تماماً في وجود دولة مصرية، او مجرد أمل في وجودها مستقبلاً، وأنه لا توجد مجرد مقومات لهذا، ولا اعرف في أي كتاب أو تاريخ فعل رئيس دولة أو حتى زعيم عصابة ما يفعله الرجل ويردده على قومه، خالطاً الهزل بالجد.. معلناً ألا حياة لهم.. ولا جدوى من وجودهم.. فلماذا (تشرفوا) بمعرفتك إذن؟
وما بين سقف آمال يرفعه البعض من حين إلى آخر، وعلى فترات متباعدة، وإن صدرت من غير ذوي الدراية، وبين حط للآمال من شبه رجل يدعي حكم مصر ونظامه الانقلابي.. نسأل الله الصبر على واقع مصر الذي لا يعيي ويتعب المصريين وحدهم بل الأمة بأكملها!