نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا للأستاذ المتخصص في شؤون الشرق الأوسط ستيفن كوك، يبحث فيه ما يقوم به الرئيس
المصري عبد الفتاح
السيسي في مصر، وأثر ذلك في البلدان العربية المجاورة، وبالتالي في المنطقة كاملة، وما يمكن لأمريكا القيام به للتخفيف من الآثار السلبية لسياسة السيسي في مصر.
ويبدأ الكاتب مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، بالحديث عن ثورة 2011، التي بعثت التفاؤل لدى المصريين في ميدان التحرير، حيث ارتفع هتاف: "ارفع رأسك أنت مصري"، مستدركا بالقول: "اليوم لم يبق ما يدعو للفخر والأمل، فقد عادت البلاد إلى حكم ديكتاتور عسكري، لكن السيسي أنشأ نظاما أكثر استبدادا من نظام مبارك، فأصبحت مصر اليوم، وبالمقاييس كلها، أسوأ مما كانت عليه قبل الثورة، فبقي الاقتصاد راكدا، وتدهور احتياطي مصر من العملة الصعبة إلى مستوى خطير، حيث وصل في شهر تموز/ يوليو إلى 16 مليار دولار، وهو أدنى مستوى منذ سنة ونصف، وهو ما يكفي بالكاد لتغطية ثلاثة شهور من الاستيراد، هذا بالإضافة إلى انهيار الجنيه المصري عندما بدأت الحكومة بتقنين إنفاق الدولارات".
ويضيف كوك أن "السياحة، التي هي مصدر العملة الصعبة والاستثمار، تدهورت، ففي عام 2010 كان هناك ما معدله أكثر من مليون سائح في الشهر، أما في شهر أيار/ مايو 2016، وهو آخر شهر تتوفر إحصائياته، زار مصر أقل من نصف هذا العدد، كما أن البنية التحتية في مصر في حالة انهيار، ونظامها التعليمي والصحي في حالة تدهور، ويعيش أكثر من ربع المصريين، حوالي 22.5 مليون شخص، تحت خط الفقر، بينما تصل البطالة بين الشباب إلى 40%".
ويتابع الكاتب قائلا إنه "مع ذلك، لم يفعل حكام مصر إلا القليل لإنعاش الاقتصاد، وبدلا من ذلك فإنهم يستمرون في التركيز على أفضل ما يتقنونه، وهو قمع المواطنين، فمنذ أن سيطر السيسي على الحكم في تموز/ يوليو 2013، قامت قوات أمنه باعتقال أكثر من 40 ألف شخص، وقتل أكثر من 3 آلاف شخص (منهم 800 إلى 1000 شخص في يوم واحد في آب/ أغسطس 2013)، وإخفاء مئات الأشخاص، والاحتجاز المتجدد للآلاف في انتظار المحاكمة، فبعد ثلاث سنوات من إطاحة السيسي بالرئيس محمد
مرسي في انقلاب عسكري، قلصت الدولة المصرية دورها إلى وظيفة واحدة، وهي: تدمير جماعة الإخوان المسلمين، التي كان مرسي ينتمي إليها، ولم يعر الزعماء المصريون أهمية للآثار المترتبة على ذلك بالنسبة للمصريين العاديين، لكن المصريين يعانون بشدة، وليس هم فحسب، بل إن الغزيين والسوريين والليبيين كلهم بدأوا بدفع ثمن هوس القاهرة في ملاحقتها الإخوان المسلمين، وأي جماعة إسلامية تشبهها من قريب أو بعيد، حيث أصبح هذا الهدف دليل السياسة المصرية الخارجية والداخلية".
ويعود كوك إلى التاريخ، فيقول إن "جماعة الإخوان المسلمين حلت عام 1948 عندما اتهمتها الحكومة بأنها تخطط للقيام بثورة، ثم قام جمال عبد الناصر بسجن الآلاف من أعضائها بعد محاولة اغتياله عام 1954، أما السادات فأدى دور (الرئيس المؤمن)، وتصالح مع الحركة حتى وقع اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، واختلف معها فقمعها، كما أن مبارك تعامل معها بلين، وسمح لها بالعمل في الجامعات، ولم يسع للتشويش على شبكة المؤسسات الخيرية التي تديرها الجماعة، مع أن الحكومة حاولت أن تسيطر عليها، لكن عندما شعر مبارك بأنه أصبح للحركة نفوذ كبير قمعها، خاصة بعد أن فاز مرشحوها بـ20% من مقاعد البرلمان عام 2005، حيث اعتقل المئات من عناصر الإخوان".
ويقول الكاتب إن "السيسي وحلفاءه يريدون اليوم سحق جماعة الإخوان المسلمين إلى الأبد، فبالنسبة لهم ليس هناك فرق بين الإخوان المسلمين وتنظيم الدولة، مع أن تنظيم الدولة يعد الإخوان جماعة (مارقة)، فقال السيسي لمجلة (ديرشبيغل) في أوائل 2015 إن تنظيم الدولة والإخوان (يتبنيان الفكر ذاته)، وأضاف أن (الإخوان هم الأصل لهذا كله، وكل هؤلاء المتطرفون انبثقوا منهم)، وكانت حكومته أعلنت جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية في شهر كانون الأول/ ديسمبر، ما اضطر الكثير من قيادات الحركة من الصف الأول والأوسط بالفرار إلى الدوحة أو اسطنبول أو لندن، وقامت الحكومة بإغلاق حوالي 500 منظمة غير حكومية متهمة بالارتباط بالإخوان".
ويشير كوك إلى أنه قد تكون لدى المصريين أسباب وجيهة لكراهيتهم للإخوان، بعد تجربتهم القصيرة في الحكم، مستدركا بأن للإخوان جذورا عميقة في المجتمع المصري، تعود إلى عام 1928، عندما أنشأها حسن البنا، وكيف وجدت أفكارها صدى لدى الكثير من المصريين، من معارضتها للصهيونية في الثلاثينيات، إلى معارضتها للملكية في الأربعينيات، إلى معارضتها للاستعمار البريطاني في الخمسينيات، إلى معارضتها للهيمنة الأمريكية حديثا.
ويرى الكاتب أن "هذا كله سيجعل من الصعب على الرئيس اقتلاعها، ولكن ما استطاع أن يفعله السيسي هو إحداث حالة استقطاب في مصر، متسببا بتصعيد العنف الذي أصبح منتشرا بعد سقوط مبارك".
ويقول كوك إن "مرسي لم يكن ملاكا، فقد هدد في تخبطه وعدائيته نسيج المجتمع المصري، وكان الجنرالات محقين في التخلص منه، لكن ضلوع الجيش في القضاء على مؤيديه لم يزد الأمور إلا سوءا، حيث زعزع استقرار البلد من الأعماق، ورفع من فرص انهياره التام".
ويستدرك الكاتب بأنه "مع أن السيسي، وبدعم من الإعلام، استطاع أن يهول من الخطر الذي يشكله الإخوان المسلمون على البلد، وحشد دعما شعبيا لحكومته، إلا أن هناك أشياء عليه أن يركز عليها، مثل الفساد، والجمود البيروقراطي، الذي يشل النمو الاقتصادي، وقد أنفق السيسي أكثر من ثمانية مليارات دولار على توسيع قناة السويس، إلا أن الدخل من القناة لم يزد؛ لأن الزيادة المتوقعة في حركة السفن لم تحصل، وكان الأحرى إنفاق الأموال على تطوير البنية التحتية، التي يمكن لها تحفيز الاقتصاد، مثل شبكة المواصلات، كما يبقى هناك نقص في تمويل النظام التعليمي ونظام الرعاية الصحية، ولا تزال الحكومة قادرة بالكاد توفير مياه الشرب الصالحة، وينتشر التهاب الكبد الوبائي (ج) على نطاق واسع".
ويلفت كوك إلى أن "الحالة المؤسفة، التي وصلت إليها مصر اليوم، حالة مقلقة بحد ذاتها، لكن الدمار الذي تسبب به هوس السيسي امتد إلى أبعد من حدود مصر، وساعد في زعزعة الاستقرار في المنطقة كلها، ففي غزة مثلا سعى السيسي ومنذ استيلائه على الحكم إلى تدمير حركة
حماس، إلى درجة أنه حاول تشجيع إسرائيل خلال حربها على القطاع عام 2014 بأن تعيد احتلال غزة، موجهة الضربة القاضية لحركة حماس، لكن الإسرائيليين رفضوا، ومنذ ذلك الحين أخذ السيسي الأمر على عاتقه، وفعل ما باستطاعته لخنق قطاع غزة، فقامت حكومته بخفض عدد الفلسطينيين الذين يستطيعون دخول مصر، وقام بإغلاق العديد من أنفاق التهريب بين غزة ومصر، التي كانت شريانا مهما لدخول السلع الغذائية لغزة ومواد البناء والأدوات والكماليات والأسلحة، وفي أواخرعام 2014 قام الجيش المصري بإنشاء منطقة عازلة، عرضها ربع ميل، حيث تم تدمير 800 بيت في العملية، وقام الجيش بعد ذلك بتوسيعها إلى نصف ميل، بتدمير 500 بيت آخر، ومع منتصف عام 2016 كان الجيش قد أزال بلدة رفح كلها، وأنشأ حزاما أمنيا، عرضه يتراوح بين 3 إلى 5 أميال، ويحتوي هذا الحزام على خندق في بعض أجزائه".
ويقول الكاتب: "صحيح أن حركة حماس منظمة إسلامية، ولها علاقة بالإخوان المسليمين، إلا أنهما تنظيمان مختلفان وبأجندتين وأسلوبين مختلفين، بالإضافة إلى أنه لا يوجد دليل واضح يشير إلى أن حركة حماس والإخوان المسلمين عملا معا لتقويض النظام المصري".
وينوه كوك إلى أن "هذه الفروق على ما يبدو لا تهم السيسي، الذي أدت محاولاته لتدمير حركة حماس إلى مضاعفة معاناة 1.8 مليون غزي، حيث يعيش حوالي 40% من سكان غزة تحت خط الفقر، وتراجع الدخل للفرد الواحد بنسبة 31% عما كان عليه في منتصف التسعينيات، كما أن هناك شحا في الماء والكهرباء، وبحسب إحصائيات البنك الدولي، فإن أداء الاقتصاد في غزة كان أسوأ منه في الضفة بنسبة 250%".
ويذهب الكاتب إلى أن "هوس مصر بالإخوان المسلمين حدد سياستها على بعد مئات الأميال إلى الشمال في
سوريا، فبعد أن استقبلت مصر عشرات اللاجئين السوريين في عهد مرسي، وعقدت مؤتمرا في أيلول/ سبتمبر 2012، بوجود مبعوثين من إيران والسعودية وتركيا للبحث عن وسائل لحل الصراع، ومضى مرسي إلى أبعد من ذلك عام 2013، وربما كان هذا سبب الإطاحة به، حيث وعد جمهورا من المؤيدين في استاد القاهرة الدولي بأنه ملتزم (بتحرير الشعب السوري)، وبعد ذلك بأسابيع استغل السيسي المظاهرات ضد مرسي للقيام بانقلابه والإطاحة به".
ويبين كوك أن "الحكومة تتجنب هذه الأيام أي حديث مشابه، بل إن السيسي ردد في أيلول/ سبتمبر 2015 ما يقوله الأسد، حيث قال لتلفزيون (سي أن أن) إن أولوية سوريا يجب أن تكون محاربة الإرهاب، وبالنسبة للسيسي طبعا فإن من ضمن الارهابيين الذين يسعى لمحاربتهم هم الإخوان المسلمون".
ويفيد الكاتب بأن "للمصريين أسبابهم في الخوف من الإرهاب، فبالرغم من أن سوريا تبعد عن مصر 400 ميل، إلا أن تنظيم الدولة أنشأ له فرعا في سيناء، كما أن مصر تواجه تهديدا من الجهاديين من جارتها ليبيا، لكن في سوريا، كما في غزة، قام السيسي بالخلط ما بين الإخوان المسلمين والمتطرفين العنيفين، ففي سوريا فرع للإخوان المسلمين، وما يخشاه السيسي هو أن يؤدي الإخوان في سوريا دورا بناء في أي حكومة سورية جديدة، ما يجعل الإخوان يظهرون قوة سياسية بديلة مقبولة في مصر".
ويجد كوك أن "السيسي يبالغ في حجم تأثير الإخوان المسلمين في سوريا اليوم، لكن الحركة لم تحظ بالتأثير السياسي والاجتماعي والثقافي في سوريا، كما حظيت به في مصر، ومنذ مذبحة حماة وقيادة الإخوان تعيش في الخارج، وبعيدة عن التأثير المباشر في الشارع، لكن السيسي، مرة أخرى، يهمل هذه الفروق الدقيقة في خوفه اللامنطقي من أنه يمكن للإخوان أن يتنفذوا في سوريا، فيؤثرون في مسار الأمور في القاهرة، ولمنع حصول هذا الأمر انسحب السيسي من تحالفه مع الإمارات والسعودية وأمريكا، لدعم الأسد مع روسيا وإيران وحزب الله، بالرغم من أن تحالف الأسد هو المسؤول عن مقتل مئات الآلاف ونزوح الملايين".
ويورد الكاتب أن "ملاحقة مصر للإخوان المسلمين ساعدت في زعزعة الاستقرار في ليبيا، البلد الذي عانى من الفوضى منذ الإطاحة بالقذافي عام 2011، حيث أجريت انتخابات في حزيران/ يونيو عام 2014، فاز فيها ائتلاف مكون من ليبراليين وعلمانيين وفيدراليين من المرشحين الإسلاميين ومرشحي الإخوان المسلمين والشخصيات القبلية وتحفظ الطرف الثاني على نتائج الانتخابات، وصار لدينا برلمانان وحكومتان؛ واحدة في العاصمة والأخرى في طبرق".
ويشير كوك إلى أن "العنف بين المليشيات يدمر ليبيا لسنوات قبل هذا الانقسام، وشعر السيسي بأن انتصار المسلحين المتطرفين في ليبيا سيشكل خطرا على مصر، واعتقد بأنه إن انتصرت القوات في الغرب فإن ذلك سيقوي البرلمان ذا الأكثرية الاسلامية في طرابلس، ولذلك ألقى بثقله في دعم الجنرال خليفة حفتر، الذي شن حربا شعواء ضد الإسلاميين، ويعد حفتر عدوا لدودا للإسلاميين، وهي النظرة التي يلتقي فيها مع السيسي، ولذلك قامت مصر بدعم حفتر بالمال والسلاح والدعم الدبلوماسي (كما فعلت فرنسا والإمارات)، وبفعلها هذا ساعدت مصر في تعميق الخلافات في بلد متصدع أصلا، ودعم مصر جعل حفتر يتخلى عن فكرة المصالحة الوطنية، حيث يفضل أن ينصب نفسه في طرابلس، وإن فشل في ذلك يكتفي بإقامة حكم ذاتي في برقة، وعارض حفتر جهود الأمم المتحدة لإقامة حكومة وحدة وطنية عام 2015، ومع ذلك يصر المصريون على أن دعم حفتر هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار في ليبيا، ومبعث القلق المصري هو وجود حدود مع ليبيا طولها 700 ميل، لكن مصر بتقويضها لحكومة الوحدة الوطنية سرعت من تفتت ليبيا، وأفشلت جهود استعادة شيء من الاستقرار لليبيا، وهو الضامن الوحيد لأمن مصر".
ويذكر الكاتب أن "سياسات مصر الحالية لا تترك مجالا كبيرا لواشنطن للقيام بالتصرف الصحيح، فمن دون دعم من واشنطن وصندوق النقد الدولي ودول الخليج، قد تنهار مصر تماما، وفشلها سيكون ذا آثار مدمرة على المنطقة كلها، التي تعاني أصلا من تفتت العراق وليبيا وسوريا واليمن".
ويبين كوك أنه "مع ذلك، ستجد أمريكا من الصعب إقناع مصر بتغيير مسارها؛ لأن قادتها يرون أن حربهم على الإخوان المسلمين حرب وجود، كما أنهم يفسرون انتقادات أمريكا للقمع بأنه دفاع عن الإخوان، ولم ينس السيسي ومؤيدوه أن أمريكا رحبت، ضمنيا على الأقل، بحكم الإخوان لدى انتخاب مرسي".
ويستدرك الكاتب بأنه "بالرغم من ذلك، فإنه يمكن لأمريكا أن تساعد بطرق بسيطة، للتخفيف من الآثار السلبية على الأقل، فمثلا يقوم الكونغرس بالنظر في تصنيف الإخوان المسلمين منظمة إرهابية, وسيكون هذا خطأ, وسيؤثر سلبا على مصالح أمريكا".
ويقول كوك: "أما بالنسبة لغزة، فيحتاج الدبلوماسيون الأمريكيون إلى تشجيع الأتراك والقطريين، الذين يؤدون دورا في إعادة بناء غزة لتنسيق جهودهم لتخفيف ضغط الحصار المفروض من إسرائيل ومصر لمنع غزة من الانزلاق إلى الفوضى".
ويضيف الكاتب: "أما في سوريا، فإن فرصة واشنطن في النجاح في التخفيف من أثر دعم القاهرة للأسد أقل، فلمدة سنوات كانت سياسة أمريكا في سوريا جبانة، وسمحت للقوات الموالية للأسد بأن تحقق مكاسب على الأرض، وما لم تتدخل أمريكا بصورة أقوى فإن لديها القليل من الوسائل لضعضعة أو عكس دعم السيسي للأسد".
ويتابع كوك قائلا: "أما في ليبيا، فإن على أمريكا وأوروبا والأمم المتحدة دعم الحكومة الجديدة في طرابلس اقتصاديا وأمنيا، فدعم حكومة الوحدة في ليبيا قد يضطر المصريين إلى تغيير توجههم، ما سيضعف حفتر".
ويخلص الكاتب إلى القول إنه "رغم أن مصر هي المسؤولة عن فشلها، إلا أن معاناة مصر تشير أيضا إلى افلاس السياسة الأمريكية تجاهها، حيث أنفقت حوالي 80 مليار دولار على مدى الأربعين سنة الماضية لتطوير اقتصادها وأمنها ومجتمعها المدني، ونظر السياسيون الأمريكيون لعقود إلى مصر بصفتها مصدر توازن الشرق الأوسط، لكن على أمريكا اليوم إعادة النظر في كون مصر قوة لاستقرار المنطقة".