تطلب الأمر تدريب جيش واهن العزيمة على مدى عامين ودعما بغطاء جوي وقوات خاصة من أعظم قوى العالم، لكي يشن
العراق هجوما لاستعادة مدينة
الموصل من مقاتلي
تنظيم الدولة.
بعد مرور أسبوع تقريبا على بدء الهجوم الذي تقوده الولايات المتحدة على الدولة الإسلامية، يقول كثير من الساسة والقادة العسكريين الأمريكيين والعراقيين وقيادات أجهزة المخابرات ممن يقفون خلف الهجوم، إن معركة استعادة مدينة الموصل الشمالية السنية قد تكون طويلة الأمد وصعبة.
وإذا أمكن إقناع المقاتلين المحليين في الموصل بالتخلي عن ولائهم للدولة الإسلامية، فثمة فرصة أن تنتهي المعارك في المدينة بصورة أسرع، ويمكن أن يكون لذلك تداعيات كبيرة على مستقبل العراق.
ورغم ظهور بوادر على قدر من التفسخ في التنظيم في الموصل، فإن بعض القادة العسكريين المتخاصمين يعتقدون أن نجاح محاولة كسب هؤلاء المقاتلين المحليين، ربما يعني أن تستمر المعركة مجرد أسابيع بدلا من شهور.
والموصل ثانية أكبر مدن العراق، وهي التي أعلن منها أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة قيام دولة الخلافة في عام 2014 بعد أن اجتاحت قواته المتحالفة مع ضباط قدامى من جيش صدام حسين، الذي تم تسريحه العراق من قواعد خارج الحدود أقيمت في سوريا استغلالا لفوضى الحرب الأهلية. وانهارت خمس فرق من الجيش العراقي أمام طوابير المقاتلين الذين كانوا يعدون بالمئات.
والآن تدور المعركة لاسترداد الموصل، يخوضها تحالف يضم قوة نظامية عراقية مؤلفة من 30 ألف جندي، تدعمها قوات أمريكية وأوروبية إلى جانب قوات كردية وفصائل شيعية في مواجهة مقاتلي التنظيم، الذين استغلوا إحساس الطائفة السنية بتجريدها من حقوقها في العراق، وإحساسها بالتعرض للخيانة في سوريا.
وربما لا يتحدد مستقبل تنظيم الدولة و"التطرف" السني في ضوء نتيجة المعركة وحسب، بل وشكل هذه المنطقة من الشرق الأوسط التي تفتتت إلى نطاقات طائفية.
وقد قام مقاتلو تنظيم الدولة الذين تشير التقديرات إلى أن عددهم يتراوح بين 4000 و8000 مقاتل بتلغيم المدينة بالمتفجرات، وزرعوا الألغام والشركات الخداعية في الطرق، وملأوا خنادق بالنفط لكي يمكنهم إشعال النار فيها، وحفروا الأنفاق والخنادق وأظهروا استعدادهم لاستغلال سكان الموصل من المدنيين الذين يصل عددهم إلى 1.5 مليون نسمة كدروع بشرية.
ويبدو أن التنظيم يملك مددا وفيرا من المفجرين الانتحاريين؛ إذ أطلقهم كمدفعية بشرية في عشرات من الشاحنات المحملة بالمتفجرات على مقاتلي البشمركة الأكراد، الذين يتقدمون صوب الموصل من الشرق والشمال الشرقي وعلى القوات العراقية، التي تتصدرها وحدات مكافحة الإرهاب وتتقدم من الجنوب والجنوب الغربي.
وقال مسؤول أمريكي كبير في العراق إن معركة "الموصل ستكون جهدا متعدد الشهور. وستستغرق وقتا طويلا."
وأضاف مستخدما اسما شائعا للتنظيم الذي خرج من عباءة تنظيم القاعدة في العراق: "أي شخص يتنبأ بأن هذه العملية ستستغرق أسابيع لا شهورا، لم يكن يتابع داعش منذ فترة طويلة."
خلافة
وقال كريم سنجاري وزير الداخلية في حكومية إقليم كردستان العراق، الذي يتمتع بالحكم الذاتي في شمال العراق، إن التنظيم سيقاوم مقاومة ضارية بسبب قيمة الموصل الرمزية كعاصمة لدولة الخلافة التي أعلنها.
وأضاف: "إذا انتهت الموصل فستنتهي الخلافة التي أعلنوها. وإذا خسروا في الموصل فلن يكون لهم مكان سوى الرقة" في سوريا.
ولم يكن الهجوم الذي شنه التنظيم فجر الجمعة الماضي على كركوك جنوب غربي الموصل على سبيل المثال، مجرد محاولة لتحويل أنظار القوات العراقية والكردية وتخفيف الضغط على الجبهة الرئيسية فحسب.
وأحد أهداف تلك العملية التي نفذها التنظيم، تحريك الرأي العام للعرب السنة ضد الأكراد الذين نشروا قوات برية عالية الكفاءة من البشمركة ومقاتلين من الأكراد السوريين، في ظل دعم جوي أمريكي في الحرب على التنظيم.
ولهذا السبب يشدد كثيرون من المشاركين في معركة الموصل على ضرورة تفكيك تماسك قوات التنظيم وما حظيت به من ولاء تلقائي أو قسرا بين السنة داخل الموصل وخارجها.
ويقول هؤلاء إن الفرصة سانحة لتحقيق ذلك.
ويعتقدون أن المقاتلين الأجانب سيقاتلون حتى النهاية لحماية معقلهم الأخير في العراق، غير أن المقاتلين العراقيين، وكثيرون منهم من الموصل نفسها قد يلقون أسلحتهم.
وقال أحد كبار قادة الاستخبارات العسكرية الكردية "أغلب المقاتلين (في صفوف التنظيم) الآن من مقاتلي العشائر المحلية، ولديهم بعض المقاتلين الأجانب، ولديهم بعض الناس من أنحاء أخرى في العراق وسوريا، لكن الأغلبية من المقاتلين المحليين."
وأضاف: "إذا أمكننا أن نسحب ذلك منهم، فإن تحرير الموصل مهمة تستغرق أسبوعا أو أسبوعين."
تصدعات
غير أن الشروخ بدأت تتسع في معسكر تنظيم الدولة، وتتحدث مصادر عراقية وكردية وغربية عن مقاومة داخل الموصل الحصن السني، وموجة من الهجمات على قيادات التنظيم.
ويقول سنجاري الذي يشغل أيضا منصب القائم بأعمال وزير الدفاع في إقليم كردستان، إن هناك استياء متزايدا من الأساليب الوحشية التي يتبعها التنظيم.
وقال سنجاري: "وردت معلومات أن كثيرين يتمردون وينفذون هجمات على التنظيم. وقتل عدد من أفراد داعش في الشوارع ليلا."
ويتفق ذلك مع روايات عن وقوع انتفاضة فاشلة في الآونة الأخيرة على التنظيم، بقيادة مساعد سابق للبغدادي انتهت بإعدام 58 من المنشقين على التنظيم.
ومن العوامل المهمة أن أكثر من نصف القوة القتالية للتنظيم، مستقاة من العشائر السنية التي شعرت في البداية أنها استراحت من اضطهاد طائفي من جانب الحكومة، التي يهيمن عليها الشيعة في بغداد ومن جيش فاسد يستعمل أساليب قاسية.
ويعتقد بعض المخططين الاستراتيجيين أن تلك العشائر قد تنقلب على قسوة حكم تنظيم الدولة، مثلما انقلب مقاتلو وحدات الصحوة العشائرية السنية على تنظيم القاعدة في العراق قبل عشر سنوات، وذلك إذا أمنتهم بغداد على حياتهم وأرزاقهم.
وقال أحد قيادات الاستخبارات الكردية: "في الموصل يوجد ناس من العشائر في صفوف التنظيم، بايعوا داعش عند وصولهم."
وأضاف: "إذا بعث العراقيون برسالة وطمأنوا هؤلاء العراقيين السنة أنهم ستتاح لهم فرصة ثانية، فأنا أعتقد أن من الحكمة أن يحدث ذلك؛ لأنهم إذا ألقوا سلاحهم فإنك تستبعد بالتأكيد 60 في المئة من قوتهم القتالية."
وشدد المسؤول على ضرورة مشاركة وثيقة من جانب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في الموصل وخاصة بعد تجربة استرداد مدن مثل الفلوجة والرمادي وتكريت من أيدي التنظيم، التي عانى فيها اللاجئون والسكان الذين يغلب عليهم السنة من انتهاكات على أيدي الفصائل الشيعية القوية.
وفي معركة الموصل من المفترض أنه تم الاتفاق على عدم دخول المقاتلين الشيعة، أو قوات البشمركة الأكراد المدينة عند سقوطها، وذلك لتجنب إذكاء ردود الفعل الطائفية.
وفي حين أن الائتلاف المناهض للتنظيم اكتسب زخما، يقول مخططون عسكريون ومسؤولون بأجهزة الاستخبارات، إن صعوبة المعركة ستزداد كلما اقتربت القوات العراقية من الموصل.
وقال رئيس الاستخبارات: "سيتضح بدرجة أكبر خلال الأسابيع المقبلة ما إن ننتهي من تلك القرى ونقترب من المدينة، مدى السرعة التي ستنتهي بها الحرب. فإذا قرروا الدفاع عن المدينة فسيكون الأمر أكثر صعوبة وستتباطأ العملية."
وما إن تصل القوات العراقية الخاصة إلى شوارع الموصل الضيقة، فسيتعين عليها أن تنتقل من شارع لشارع ومن حي إلى حي؛ لإزالة المتفجرات والشراك الخداعية التي نصبها التنظيم لحماية معقله الأخير في العراق.
وقال سنجاري: "الموصل كبيرة جدا. وأعتقد أنها ستستغرق وقتا أطول من الفلوجة وتكريت. والطرق ضيقة للغاية. فلا يمكنك استخدام العربات أو الدبابات؛ ولذلك سيكون القتال فردا لفرد."
قرى
وحتى الآن كان من السهل على التحالف مهاجمة مواقع التنظيم في القرى المهجورة حول الموصل وتطهيرها غير أن الضربات الجوية ستقل ما إن تصل القوات العراقية إلى المناطق السكنية في الموصل حفاظا على الأرواح.
ويقول قادة عراقيون إن التنظيم نجح في منع قوات الجيش من التقدم في مواجهته بشن هجمات انتحارية وزرع المتفجرات والعبوات الناسفة.
غير أنهم يقولون إن ذلك لن يكون عائقا في الموصل؛ لأن الجيش العراقي تسلم في الآونة الأخيرة نظاما فعالا للصواريخ الموجهة يدمر العربات المحملة بالمتفجرات.
ويقول القادة العراقيون إن أسلوبهم الآن سيتمثل في عزل مقاتلي الدولة عن ظهير القرى المؤيدة لهم، ثم تقسيم المدينة إلى أحياء مختلفة مثلما حدث في معركة السيطرة على الفلوجة.
وقال العميد حيدر عبد المحسن الدراجي، من الفرقة العاشرة بالجيش، إنه تم الاستفادة من دروس مستقاة من معركتي الرمادي والفلوجة.
وقال إن وحدات عسكرية مختلفة ستشن هجمات في آن واحد من عدة جبهات على الموصل، وتقسم المدينة إلى قطاعات لعزل مقاتلي التنظيم وتمنعهم من التنقل. وفي ظل الضربات الجوية من طائرات التحالف لن تتاح لمقاتلي التنظيم فرصة تذكر للحصول على تعزيزات من الجانب الغربي، الذي ترك مفتوحا لتشجيعهم على الرحيل باتجاه سوريا.
وأضاف: "الوصفة الناجحة لكسر شوكة مقاتلي داعش، هي محاصرتهم ومهاجمتهم من اتجاهات متعددة دون ترك أي فرصة للحصول على تعزيزات أو إمدادات."
وبالنسبة له وللقادة الآخرين، لايزال الهاجس الأكبر هو كيفية ضرب أهداف التنظيم داخل الموصل، دون التسبب في خسائر بشرية ضخمة في صفوف المدنيين.
وقال الدراجي: "الأمر أشبه بجراحة صعبة لاستئصال ورم في الدماغ."
وقال العقيد مهدي عمير من الفرقة التاسعة بالجيش العراقي التي تقاتل جنوبي الموصل: "سيكون ذلك هو أصعب جزء في معركة استعادة الموصل. فقد تعمد داعش منع السكان من مغادرة المدينة لاستخدامهم كدروع بشرية وإطالة أمد المعركة."
ولا يهون خصوم التنظيم من قوته التي تعتمد على ضباط بعثيين كبار سابقين لهم خبرة واسعة، وعلى متشددين إسلاميين من ذوي الأفكار المتطرفة، مستعدين لتفجير أنفسهم دفاعا عن معقلهم السني.
وقال مسؤول مكافحة الإرهاب الكردي: "لديهم من يتمتعون بمهارات عالية... وبوسعك أن ترى ذلك في المعارك فهم منظمون فعلا عسكريا، وأكثر تنظيما بكثير من البشمركة وغيرهم. ولديهم إدارة جيدة ونظام دعم جيد وأسلحة وذخائر كافية."
ويتفق القادة العسكريون والساسة أن هجوم استعادة الموصل سيكون أهم معركة يشهدها العراق منذ اجتياح القوات الأمريكية له عام 2003. وما سيحدث بعد الموصل سيوحد العراق أو يزيد من انقسامه.
وقال هوشيار زيباري وزير المالية السابق: "توجد مخاوف متزايدة بشأن تثبيت السلام السياسي في اليوم التالي لتحرير الموصل"، مرددا صدى نداء من أطراف كثيرة لكي يشمل نظام الحكم جميع التيارات لضمان مستقبل الموصل.
وقال: "كيف سيتم حكم هذه المدينة المتعددة الأعراق المتعددة الطوائف - أكبر مدينة في العراق بعد بغداد بعدد سكان يبلغ مليوني نسمة - وكيف ستدار دون صراع طائفي ودون قتل انتقامي ودون نزوح الناس على نطاق كبير.
"هذا يحتاج بعض التخطيط السياسي لكيفية حكم المدينة. ويجب أن يكون الحكم تمثيليا قويا في المدينة."
لكن المعركة ضد ننظيم الدولة لن تنتهي باستعادة الموصل، بل ستستمر.
وقال زيباري: "الموصل ليست نهاية الدولة الإسلامية أو نهاية التطرف في هذه المنطقة. فالجهاديون سيعودون لأسلوب الحرب غير التقليدية، وسنشهد هجمات انتحارية في كردستان وفي المدن العراقية وغيرها."
وأضاف المسؤول الأمريكي: "سيرجع من جديد تنظيما إرهابيا خلويا، وليس لدي شك في ذلك. لكننا على درجة كبيرة جدا من الاستعداد لمساعدة العراقيين في ذلك."