كان من المقرر أن يكون يوم 9 تشرين الأول/ أكتوبر هو اليوم الذي سيعلن فيه صندوق
النقد الدولي الإفراج عن الدفعة الأولى من قرض الـ12 مليار دولار لمصر، ولكن قبل حوالي الأسبوعين من هذا الإعلان، قام بعض
المصريين بحشد أنفسهم بشكل فردي، ومن دون تعليمات من قادة الأحزاب أو الجماعات، وبدؤوا في إرسال رسائل إلى ممثل صندوق النقد الدولي في مصر، والمكاتب المحلية لبعض الشركات متعددة الجنسيات، معربين عن معارضتهم للقرض وبرنامج التقشف الملحق به.
وكان موضوع التحذيرات هو: بما أن السياسات النيوليبرالية، التي يطالب بها صندوق النقد الدولي، تهدف إلى استفادة الشركات متعددة الجنسيات والمستثمرين الأجانب، فإن الحراك الثوري سيفرض عقوبات على القطاع الخاص إذا تمت الموافقة على القرض. وقبل 9 تشرين الأول/ أكتوبر ببضعة أيام، أعلن صندوق النقد الدولي أن قرار القرض قد تأجل إلى أجل غير مسمى. ثم أصدرت سفارات الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا؛ تنبيهات لجميع مواطنيها في مصر بالحذر من المخاطر المحتملة يوم 9 تشرين الأول/ أكتوبر. ومن ثم بدأت وزارة المالية في توظيف خريجين جدد لكي يفتح كل منهم ما لا يقل عن حسابين على فيسبوك لتعزيز الرأي الإيجابي حول القرض على وسائل التواصل الاجتماعي.
باختصار، قام الناس بفرض أنفسهم على طاولة مفاوضات صندوق النقد الدولي.
وفجأة بدأت كريستين لاجارد، رئيسة صندوق النقد الدولي، بالإشارة إلى الشعب المصري عند مناقشة الإصلاحات السياسية المطلوبة من أجل الموافقة على القرض. فرأيناها تقول في مقابلة مع قناة الجزيرة: "أعتقد أن الإجراءات التي تدرسها السلطات المصرية... والشعب المصري من أجل تحسين الاقتصاد هي الإجراءات الصحيحة..". وبما أنه لم يكن هناك أي استفتاء على القرض في مصر، ولم يكن للشعب أي دور في التفاوض على اتفاق صندوق النقد الدولي، فإن لاجارد اعترفت ضمنا أنه من خلال عملهم الجماعي، فإن الشعب المصري قد جعل نفسه فجأة جزءا من المعادلة التي كان قد تم استبعاده منها عمدا، وأن الإذعان للشعب أصبح الآن قضية صندوق النقد الدولي، على الرغم من أن هذا الأمر لم يكن في حسبانه من قبل.
هذا يعتبر تطورا هاما في هذه اللحظة الحرجة التي تواجهها مصر منذ عام 2011، فهذا القرض هو الأكبر من نوعه الذي يمنحه صندوق النقد الدولي في هذه المنطقة، وسيفرض سياسات في مصر من شأنها أن تقوّض حيازة البلاد لسيادتها الاقتصادية واستقلالها السياسي بشكل كبير، وبغض النظر عمن سيجلس في القصر الرئاسي. ولكن المعارضة الإسلامية ظلت صامتة بشكل موحد وواضح جدا. وحتى "ثورة الغلابة" الجديدة، التي دعت لاحتجاجات واسعة يوم 11/11 والتي تدعي أنها تمثل الفقراء والمضطهدين من مصر، ظلت صامتة هي أيضا. ومع ذلك، فإن الشعب اتخذ مبادرة ضد القرض على الرغم من اللامبالاة الواضحة لقيادتهم، وعلى جميع أحزاب المعارضة أن تراعي هذه الحقيقة.
لقد ظل الكثير من الإسلاميين يرددون لي أن الأشخاص العاديين لا يمكنهم فهم تعقيدات الاقتصاد، ولكن إن كان العمل الجماعي للشعب المصري في معارضة القرض؛ غير كاف لدحض هذه النظرية، فقد شاهدنا مؤخرا التعليقات القوية لسائق توك توك في مصر وهو يلخص، ببلاغة، الوضع الاقتصادي في البلاد، أفضل من أي شخص من النخبة الإسلامية.
ألم يأن للمعارضة الإسلامية أن تبدأ الآن بمخاطبة القضايا السياسة الحقيقية التي تُضاعِف من معاناة الشعب المصري؟! لقد حان الوقت لكي يتوقفوا عن لعبة السياسة والتنافس على المناصب، لكي يبدؤوا باستخدام برامجهم السياسية في مناقشة الأمور الحقيقية والمحددة التي تؤثر على الحياة اليومية للشعوب... فالشعوب لا تنتظر أحدا.