تمر
العلاقات المصرية السعودية بأسوأ أطوارها منذ انقلاب تموز/ يوليو 2013 في مصر، وذهب كل فريق إلى التلويح بالأوراق البديلة التي يملكها في وجه الآخر، فيما باتت خريطة التقارب بين الدول الإقليمية الكبرى (مصر والسعودية وتركيا وإيران) آخذة في التشكل من جديد في ضوء المعطيات الجديدة، وما ستسفر عنه الأزمة السياسية بين الرياض والقاهرة.
وفي هذا السياق، رأى عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى السعودي، صدقة فاضل، أن التكامل بين السعودية وأنقرة بات أكثر إلحاحا الآن، مضيفا لـ"
عربي21": "التقارب بين الرياض وأنقرة أصبح حقيقة ماثلة، وهناك خطوات متسارعة لتوثيق هذا الترابط الذي أكدته زيارة ولي العهد الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز لتركيا".
توتر لا قطيعة
لكن في المقابل استبعد صدقة أن يكون هناك تقارب بين مصر وإيران، وقال: "لا أعتقد أنه سيكون هناك تقارب جدي بين مصر وإيران؛ فهناك اختلافات كبيرة بينهما، بالرغم من الأطروحات الإعلامية في هذا الاتجاه"، مؤكدا أن "كثيرا من الأطراف يسعدها دق أسفين بين مصر والسعودية لأهداف معروفة"، على حد وصفه.
وأقر عضو مجلس الشورى السعودي بوجود خلافات مصرية سعودية بشأن بعض القضايا، وقال: "لا شك أن هناك شيئا من اختلاف وجهات النظر في بعض القضايا، لكن هذا لا يعني أن العلاقات وصلت لمرحلة التوتر أو القطيعة"، معربا عن اعتقاده "بعودة الأمور إلى طبيعتها وتسويتها".
وأنحى صدقة باللائمة على الإعلام المصري "الذي فقد مصداقيته منذ فترة طويلة، وأصبح في معظمه إعلام تهريج"، لافتا إلى وجود "جهات تسعى إلى إذكاء اختلاف وجهات النظر وجعلها خلافات"، بحسب تعبيره.
خلافات أخرى
أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن نافعة، فوصف الموقف من كلا الجانبين المصري والسعودي بـ"المرتبك"، وقال لـ"
عربي21": "هناك ارتباك وعدم فهم لأهمية العلاقات الاستراتيجية بين البلدين".
ولفت نافعة إلى أن "صيغة التحالف بين الدول تسمح بتباين وجهات النظر، ولكن ما حدث لا يشير إلى وجود آلية للتواصل لشرح المواقف".
ورأى أن الأزمة بين السعودية ومصر أبعد من مجرد الخلاف بشأن الملف السوري مضيفا أنه "يبدو أن هناك حساسيات بين الطرفين لأسباب كثيرة ومتعددة"، وتوق استمرار التوتر بسبب "عدم وجود قيادة قادرة على صياغة رؤى ومواقف استراتيجية موحدة بين البلدين"، وفق تقديره.
وفي ما يتعلق بالترقب الإيراني التركي لما يحدث، أكد نافعة أن "السعودية تخشى من التقارب الإيراني المصري، ولكن مصر عاجزة عن استغلال أي موقف سياسي؛ فهي تتحرك كثيرا على الصعيد الدولي ولكنها لا تنجز شيئا".
وتابع: "أما بالنسبة لتركيا فلها علاقات جيدة بروسيا وإيران، ولا يثير هذا حساسية السعودية، إذن فتركيا تلعب أوراقها بشكل أفضل، وبالتالي مصر عاجزة عن أن تلعب سياسة خارجية مقنعة للجميع؛ لأن مصر ضعيفة داخليا ومهتزة خارجيا.. المشكلة أن الجميع يريد أن يضعها في جيبه الآن"، وفق قوله.
ارتباك وتوتر
بدوره؛ أكد رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، أحمد بهاء الدين شعبان، أن "المشهد مرتبك ومتوتر؛ بسبب الموقف المصري تجاه الوضع في سوريا"، لكنه برر هذا الموقف ووصفه بأنه "موقف موضوعي وتاريخي يمتد في عمق التاريخ منذ آلاف السنين؛ لأن الأمن القومي لمصر يبدأ من الحدود السورية، وجزء من العقيدة السياسية والعسكرية المصرية"، على حد قوله.
ورأى في حديث لـ"
عربي21"؛ أن "فرص التهدئة أكثر من التصعيد"، واتهم "اللاعبين المستفيدين في المنطقة، كإيران وتركيا"، بأن "لهم مصلحة في التوتر السعودي المصري، بالرغم من أنه لا يوجد مبرر لاستعداء إيران فهي دولة إقليمة كبرى مثل تركيا، وما يبدو أنه توسع إيراني في المنطقة فهو راجع إلى غياب الدور المصري".
وتابع: "أتصور أن الحكمة تقتضي رأب هذا الصدع والعمل على تجاوز الأزمة، ووضعها في سياقها الطبيعي، وعدم المبالغة في تقديرها، وتحويلها لقطيعة كاملة، كما أن هناك مبالغة في تقدير الخطر الشيعي؛ الهدف منه إبقاء المنطقة ملتهبة، بالرغم من أن الولايات المتحدة توصلت إلى توافق مع إيرن حول قضية كبرى مثل الملف النووي"، وفق تقديره.
تناقض تام
أما مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير عبد الله الأشعل، فذهب إلى القول بأن "التناقض بين السيسي والسعودية تناقض تام"، مضيفا لـ"
عربي21" أنه "أمام هذا التناقض لا يوجد تنازل من قبل أي طرف".
وأعرب عن اعتقاده بأن الأزمة "سوف تتصاعد، ومن المتوقع أن تتخذ السعودية خطوات تصعيدية، وتكشف المزيد من الأوراق ضد نظام السيسي، ومن الممكن أن تتخذ موقفا جماعيا ضد مصر في مجلس التعاون إذا ما دعت الضرورة".
ورأى أن "تحالف السعودية مع تركيا هو نكاية في نظام السيسي، وسوف تدخل معها في عمليات عسكرية لتحرير الموصل بالعراق"، وأعرب عن اعتقاده بأن "فرص التقارب المصري السعودي أصبحت ضعيفة؛ ما لم يتخل أحد الطرفين عن منطلقاته وأولوياته".
وبشأن تلويح مصر بورقة إيران، أكد أن "هناك فرقا بين التحالف بين مصر وإيران ضد السعودية، وبين أن تكون هناك علاقات ثنائية يستفيد منها الطرفان، وفي كلا الحالتين فإن الرد السعودي سيكون جاهزا باتخاذ المزيد من درجات التصعيد ضد مصر"، وفق تقديره.