ما زالت قضية تعديل
مناهج التعليم في الأردن تتفاعل بشكل كبير بين الحكومة الأردنية من جهة، وبين قوى شعبية ومؤسسات مجتمعية من جهة أخرى، يأتي في مقدمة تلك المؤسسات نقابة المعلمين الأردنية التي رفضت على لسان ناطقها الإعلامي، أحمد الحجايا، تلك التعديلات.
لا يُخفي الرافضون للمناهج الدراسية الجديدة، تخوفهم من وجود أجندات سياسية تقف وراء تلك التعديلات، وأنها تأتي استجابة لضغوط خارجية تسعى لتقليص مساحة الموجهات والمؤثرات الدينية التي تعتبرها تلك الجهات المنتج الحقيقي للتطرف والإرهاب، على حد وصفهم.
وجاءت تصريحات نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، الدكتور جواد العناني، في وقت سابق، والتي قال فيها إن "الحكومة الأردنية ليست خجلة على الإطلاق، فنحن نريد مراجعة المناهج، لأننا اكتشفنا أن في بعضها ما يحفز على الإرهاب"، لتعزز تلك التخوفات، ولتثير الغضب في أوساط رافضي تلك التعديلات.
وردا على تصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية والنقابية العارمة على التعديلات الأخيرة، فقد عقد نائب رئيس الوزراء، وزير التربية والتعليم الأردني، محمد الذنبيات، برفقة وزير الإعلام الأردني، محمد المومني، الأربعاء الماضي مؤتمرا صحفيا، أكد فيه أن "مضامين المناهج الجديدة تشكل نقلة نوعية تطويرية"، وأنها تأتي في سياق تطوير المناهج، من غير أن تتدخل بها جهات خارجية.
دوافع ذاتية وموضوعية
في الوقت الذي يصر فيه رافضو المناهج الجديدة على وصفها بأنها جاءت استجابة لمطالب خارجية، تهدف إلى تنقية المناهج الدراسية من المواد المنتجة للتطرف والإرهاب بحسب رؤية تلك الجهات الخارجية، فإن جهات حكومية، تدافع وكل الذين يؤيدونها عنها، بأنها وليدة رؤية ذاتية تتضمن تطوير المناهج التعليمية، لتسهيل سبل الدراسة والتحصيل على الطلاب بعد ملاحظات سابقة متراكمة.
في هذا السياق، أكدّ أستاذ الفقه الإسلامي في جامعة العلوم الإسلامية العالمية، ومستشار التأليف لكتب التربية الإسلامية، محمود السرطاوي، أن دوافع تعديل المناهج ذاتية وموضوعية، وأنها جاءت لتسهيل سبل الدراسة والتحصيل على الطلاب، وليس صحيحا ما يقال عن أنها تمت بضغوط خارجية.
وأوضح السرطاوي لـ"عربي21"، أن الذين قاموا بوضع المناهج اجتهدوا في هذا الباب، ومن الطبيعي أن تكون هناك ملاحظات ومؤاخذات على ما أنجزوه، ويسرهم تلقي كل ملاحظات المعنيين والمهتمين، لتتم دراستها والنظر فيها، بعيدا عن اللغة الاتهامية السائدة، ومفردات التخوين المستفزة.
واستغرب السرطاوي ما قيل عن استهداف القيم الإسلامية في المناهج الجديدة، مؤكدا حرص واضعي المناهج على ترسيخ القيم الإسلامية الأصيلة في نفوس طلبتنا الأعزاء، وأن ما تم تعديله لا يعدو التخفيف على الطلبة، وتنسيق المواد بشكل أيسر وأسهل، مؤكدا أن المناهج مليئة بالآيات القرآنية والأحاديث الشريفة.
وأعرب السرطاوي عن ثقته في اللجنة المشكلة لمراجعة المناهج، والتي تضم في عضويتها قامات علمية ووطنية كبيرة ومعروفة، على حد وصفه، متوقعا أنها ستقدم تقريرها هذا الأسبوع، والذي ربما يؤدي إلى انفراج الأزمة، ويفضي إلى توافق جميع الأطراف على رؤى وإجراءات مشتركة للخروج من الأزمة الحالية.
من جهته أبدى المستشار التعليمي والتربوي، محمد قطيشات، تخوفه الشديد من المناهج الجديدة، متسائلا: "لماذا يتم حذف عشرات الآيات من المناهج الجديدة؟ وما هي الأهداف الحقيقية وراء حذفها؟".
وجوابا عن سؤال (عربي21)، "هل الآيات المحذوفة يمكن تصنيفها في دائرة المواد المحرضة على
التطرف بحسب الرؤية الغربية؟"، قال قطيشات: "إنه بمراجعته لمناهج اللغة العربية والتربية الوطنية وجد أن أغلب الآيات المحذوفة لا يمكن اعتبارها كذلك حتى من وجهة نظر الغربيين، كآية (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) وآية تحريم الخمر، وغيرها من الآيات".
وذكر قطيشات أن الجميع متفقون على ضرورة تطوير المناهج لتواكب العصر، لتنمية مهارات عصرية حديثة، والارتقاء بالتعليم، وفي الوقت نفسه ترسيخ القيم الإسلامية، وإشاعة مبادئ التسامح والحوار، واحترام الرأي الآخر والتعددية في مجتمعنا.
وأضاف قطيشات: "لكن الخطورة تكمن في ربط مكافحة التطرف والإرهاب، بتعديل المناهج الدراسية، خاصة ما يتعلق منها بحذف الآيات القرآنية، وكأنهم يقولون إن الآيات القرآنية هي التي تنتج التطرف والعنف والإرهاب".
أجندات سياسية وراء تعديل المناهج
إذا كانت دوافع تعديل المناهج الدراسية ذاتية تهدف إلى تطويرها وتسهيل موادها على الطلاب، بحسب تصريحات وزير التربية، وأستاذ الفقه الإسلامي، محمود السرطاوي، "فلماذا أثارت كل هذه الضجة؟ وما الذي يدعو نقابة المعلمين إلى رفضها والإصرار على موقفها الرافض لها، والتلويح بإجراءات تصعيدية قادمة؟".
أجاب الناطق الإعلامي في نقابة المعلمين، أحمد الحجايا، بأن ما تقوله الوزارة ومؤيدوها لا يعبر عن حقيقة الدوافع الحاملة على وضع المناهج الجديدة، فثمة دوافع أخرى، تحت مسميات، التعايش والتسامح والاعتراف بالطرف الآخر، ومكافحة التطرف والإرهاب، وهو ما يتطلب تنقية المناهج الدراسية حتى لا يتشرب الطفل تلك المواد منذ نعومة أظفاره.
واستشهد الحجايا بتصريح نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية السابق، الذي قالها بكل صراحة إن بعض مناهجنا تحفز على الإرهاب، ولم يجد وزير التربية في مؤتمره الصحفي ما يرد به على هذا التصريح إلا وصفه بأنه "يمثل رأيه الشخصي".
ووصف الحجايا التعديلات الأخيرة بأنها جاءت كمحاولة للتخفيف من الصبغة الإسلامية في المناهج الدراسية المعدلة، استجابة وإذعانا لإملاءات خارجية، التي لا يمكن الإفصاح عنها.
وجوابا عن سؤال "
عربي21"، "هل الآيات المحذوفة تغذي توجهات تقليص مساحة التوجيهات الإسلامية في المناهج؟"، أكدّ الحجايا أن كل المؤشرات والمعطيات تصب في هذا الاتجاه، كآيات الجهاد، والآيات التي تتحدث عن الكفر والشرك والنفاق.
وتابع الحجايا: "حتى تفسير آيات الجهاد فسرت على غير وجهها الصحيح كما في كتاب التربية الإسلامية، للأول ثانوي، الجزء الأول ص: 13، وهو قلب تام لمعاني الجهاد، حينما تم حصر أهدافه بالدفاع عن الأوطان، وإسقاط الدفاع عن الدين ونشر دعوته، لتكون كلمة الله هي العليا".
وانتقد الحجايا بشدة ما قاله الدكتور محمود السرطاوي، مستشار التأليف لكتب التربية الإسلامية، من أن "من يستمر بالاعتراض على تعديلات المناهج آثم"، متسائلا: "فهل تتطور الفتوى إلى "تكفيرنا" إذا استمر احتجاجنا ورفضنا لهذه المناهج؟".
وأوضح الحجايا أن اللجنة الإعلامية في نقابة المعلمين أعدت تقارير مفصلة تبين مواضع اعتراضها على تلك التعديلات، وأسباب رفضها لها، وهي مستعدة لمناقشتها مع المسؤولين والمستشارين المعنيين.
بدوره رأى عضو المكتب التنفيذي لحزب جبهة العمل الإسلامي، أحمد الزرقان، أن ما قاله وزير التربية والتعليم في مؤتمره الصحفي، وما يردده وزراء في الحكومة الحالية، لا يعبر عن الأسباب الحقيقة لتعديل المناهج، وأنه تضليل للرأي العام.
وذكّر الزرقان في حديثه لـ"
عربي21" بما قاله المستشرقان اليهوديان، إيلي فودا رئيس قسم الدراسات الشرقية في الجامعة العبرية في القدس، وعيران تسدكياهو الباحث في معهد العلاقات الدولية، في مدحهما لـ"تنظيف مناهج التعليم من النصوص الدينية التي يمكن أن يتم تفسيرها على أنها دعوة للجهاد، لا سيما في كل من مصر والأردن والإمارات".
ورأى المستشرقان، وفقا للزرقان أن "إعادة غربلة المناهج التعليمية حظيت بغطاء "شرعي" من مؤتمر نظم في مراكش المغربية، في يناير الماضي، الذي أوصى الحكومات بضرورة "فحص مناهج التعليم والكتب الدراسية، وأن يتم التخلص من المضامين التي تحث على التطرف".
وأشار الزرقان إلى أنه "منذ معاهدة وادي عربة المشؤومة 1944م، مورست على وزارة التربية والتعليم الأردنية ضغوط لتحريف المناهج المدرسية، ونزع دسم الإسلام منها بحجة التطوير".
وأضاف الزرقان "لقد توالت هذه الضغوط (الصهيوصليبية)، وكان آخرها تصريحات وزير خارجية أمريكا (كيري) الذي قال فيه: "سنحارب التطرف والإرهاب في المناهج".
ولفت الزرقان إلى أن "تلك الضغوط مورست على عدد من وزراء التربية والتعليم منذ ما يزيد على عقدين من الزمن، ورغم أن معظمهم علمانيون وليبراليون إلا إنهم رفضوا الاستجابة لها، خوفا من إثارة مشاعر الناس، وتحسبا لخطورة العبث بالمناهج وردود الأفعال، حتى جاءت الوزارة الحالية، لتفعل ما رفضه الوزراء السابقون".
ووفقا لمراقبين فإن الحكومة الأردنية تسعى لتنفيس الاحتقان الشعبي الخانق، عبر ظهور أعضاء لجنة مراجعة المناهج بصورة إيجابية، يبدون فيها قدرا عاليا من تفهم مطالب المعترضين، ودراستهم لكل ملاحظتهم، وتعهدهم بالتعديل بناء عليها، مع استعدادهم لاستقبال المزيد من الملاحظات من المعلمين، كما في مقابلة التلفزيون الأردني الأخيرة لعضوي اللجنة، الدكتور فايز الربيع، والدكتور سليمان الدقور.