كال فتح الله
غولن، الداعية التركي المقيم في أمريكا، اتهامات بالجملة إلى الرئيس التركي، رجب طيب
أردوغان، بدءا من أنه مريض (نفسيا)، وتراوده أحلام الخلافة، ويعيش الانحلال الأخلاقي عصره الذهبي تحت حكمه، إلى كونه يدعم الإرهاب، وتنظيم الدولة "داعش"، وتتسبب سياسته في صب الزيت على النار بمصر وسوريا، ويستغل الإخوان أداة لسياساته، كما استخدم غزة، بحسب وصفه.
جاء ذلك في أحدث حوارات الداعية التركي، الذي تتهمه السلطات التركية بالتدبير للانقلاب في منتصف تموز/ يوليو الماضي؛ والذي أجرته معه مجلة "الأهرام العربي"
المصرية الحكومية، ونشرته بعددها الذي صدر بالأسواق، السبت، 8 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي.
وفي الحوار رمى غولن "أردوغان" بالتقلب. واتهمه بأنه "كان يسعى أن يكون له هيمنة على مصر من خلال الإخوان"، وزعم "اعتقاده بأنه يحرز مكانة عالية من خلال استغلال مظلومية الملايين من الناس"، وادعى أن سياسته كانت تميل إلى تأجيج الأحداث، وصب الزيت على النار، خاصة في ما يتعلق بالأحداث في مصر وسوريا، بحسب قوله.
واتهم غولن "أردوغان" بأنه "يدعم المنظمات الإرهابية من أمثال داعش بشكل علني"، ويعتبر أن كل من لا يراه خليفة للمسلمين أو سلطانا للعالم الإسلامي، عدوا.
وزعم أن أردوغان قدم نفسه كطوق نجاة للإخوان، ففتح أمامهم أبواب البلاد، ووفر لهم الملاذ الآمن، مضيفا أنه "كما استخدم غزة من قبل أداة لسياساته، فقد أساء استخدام الإخوان، ولا يزال". وأردف: "غدا سيقوم باستغلالهم، إذا سنحت له الفرصة. والزمان خير مفسر".
وهاجم غولن حكم الرئيس التركي أيضا مؤكدا أن الانحلال الأخلاقي يعيش عصره الذهبي في عهده، وأن فضائح قضايا الفساد بلغت عنان السماء، وفق وصفه.
وشدد على أنه يفضل البقاء بالولايات المتحدة حاليا، نافيا احتمال قدومه إلى مصر، وقال: "لن أغادر إلى أي مكان آخر إلا إلى
تركيا".
وكشف أن المفتي السابق لمصر، أحد عرابي الانقلاب، علي جمعة، هو رئيس مجلس أمناء المدارس التابعة لحركته "الخدمة" بمصر، مثنيا عليه، ومؤكدا قوة علاقة حركته به.
اتهامات بالجملة لأردوغان
وفي الحوار قال غولن عن الرئيس التركي: "مع الأسف نحن أمام شخصية لم تستطع أن تتفهم مسؤولية المنصب الذي تشغله، ويبدو أن أحلام الخلافة وإمارة المؤمنين التي تراود خياله لها تأثير على شخصيته، فهو يظن أن العالم الإسلامي سينقاد خلفه، ومن ثم تراه يتحدث عن الدعاء في قبر صلاح الدين الأيوبي، والصلاة في الجامع الأموي، كأنه يرى التدخل في الشأن الداخلي للدول الأخرى حقا طبيعيا له".
وأردف: "كما هو معلوم فإن سياسته كانت تميل إلى تأجيج الأحداث، وصب الزيت على النار، خاصة في ما يتعلق بالأحداث في مصر وسوريا، ومن المرير اعتقاده بأنه يحرز مكانة عالية من خلال استغلال مظلومية الملايين من الناس"، وفق قوله.
واستطرد بأنه "لتحقيق الهيمنة وأحلام السلطنة، فقد صارت الرغبة في دخول الأراضي السورية هاجسا ملحا وعقدة تضغط على أردوغان، فقام بدعم المنظمات الإرهابية من أمثال داعش بشكل علني، وتخيل أنه إذا دعم معارضي النظام السوري فسيطيح به".
وأضاف أن طموح أردوغان لم يقتصر على سوريا بل تعداها إلى دعم كل حركة إرهابية تستخدم في ظاهرها خطابا إسلاميا، وفق إدعائه.
سياسته متقلبة.. والدليل الأكراد
وعن رأيه في ما يتعلق بما اعتبرته المجلة: "تزايد حدة الاستقطاب المجتمعي"، قال غولن: "إذا راقبتم تصريحات أردوغان في السنوات الثلاث الأخيرة سترون حجم التقلبات التي تكتنفها، فما كان يصفه بالأمس بأنه أبيض، يصفه اليوم بأنه أسود وهكذا.. وسياساته في الملف الكردي والتعامل مع عناصر حزب العمال الكردستاني لا تختلف عن هذا".
وواصل: "بذريعة عملية السلام التي كان يجريها معهم، كبَّل أيدي الشرطة والجيش، ولم يأذن لهم في التعامل مع الإرهابيين المستقرين في الجبال، وقد استغل هؤلاء الإرهابيون الفرصة، وحولوا المناطق والمدن التي كانوا يتحركون فيها بكل أمن إلى مستودعات للسلاح".
وتابع: "لقد كانوا يخونون كل من ينبههم إلى هذا الخطر، ويسكتون كل صوت يحذر أو يتحدث في هذا الأمر، واليوم بدأوا هم أنفسهم يتحدثون عن هذه الأمور: يخونون أفراد الشرطة والجيش، ويلقون باللائمة عليهم، ويتهمونهم بالتقصير، والإهمال".
وأضاف: "في هذا السياق فإن أكبر المتضررين هم أبناء الشعب من الأكراد الذين قتل منهم كثير من الأبرياء، ودمرت بيوتهم، وأزهقت كثير من أرواح المدنيين، وأخليت قرى وبلدات كاملة من ساكنيها فرارا من الحروب والدمار"، بحسب قوله.
أردوغان يستغل الإخوان وغزة
وردا على السؤال: "ما سبب عداء أردوغان لمصر؟"، قال: "لا أظن أن هذا العداء قاصر (مقصور) على مصر فحسب، بل إنه يضع نفسه في مكانة معينة، ومن ثم يرى أن كل من لا يضعه في هذه المكانة خصما، فكل من لا يراه خليفة للمسلمين أو سلطانا للعالم الإسلامي هو بمثابة عدو.. والحقيقة أن هذه حالة مرضية ينبغي للمتخصصين أن يتناولوها بالبحث"، على حد وصفه.
وتابع بأنه "عندما كانت إدارة مصر بيد من يراهم مقربين منه (يقصد جماعة الإخوان المسلمين)، فقد كان يسعى في أن يكون له هيمنة عليها من خلالهم، لكن مصر التي تمثل عنصر التوازن للمنطقة والعالم الإسلامي تنبهت لهذا مبكرا، واتخذت موقفا حياله، ونتيجة لذلك ازداد حنقا وغيظا، ومن ثم فإنه يمكن في ضوء ذلك تفسير مواقفه تجاه مصر"، وفق تعبيره.
وتابع حديثه: "عندما لم ينجح (أردوغان) في سياساته، بدأ في استغلال هذا الملف داخليا، وأصبحت ساحات المهرجانات الانتخابية التركية معرضا للقضايا المصرية، يستغلها لبث روح الكراهية والعداء في نفوس شريحة من مؤيديه ضد مصر"، بحسب زعمه.
ومجيبا عن السؤال: "ما حجم الدعم الذي يقدمه أردوغان لإخوان مصر، وإلى متى سيستمر في ذلك؟"، أجاب غولن: "أظهر أردوغان نفسه كطوق نجاة للإخوان، ففتح أمامهم أبواب البلاد، ووفر لهم الملاذ الآمن، ووعدهم بتسخير الإمكانات من أجلهم، لكنني لا أظنه مخلصا تجاههم أيضا، فكما استخدم غزة من قبل أداة لسياساته، أساء استخدام الإخوان، ولا يزال"، حسبما قال.
وأردف: "إذا أمعنا النظر في الإمكانات التي هيأها لهم، يمكننا القول، بكل سهولة، إنه يوفر لهم الملاذ الآمن اليوم، وغدا سيقوم باستغلالهم إذا سنحت له الفرصة، كما دأب على ذلك مع كل الأطراف التي تعاملت معه، والزمان خير مفسر"، بحسب قوله.
الانحلال يعيش عصره الذهبي
وعن حجم الفساد والانحلال في تركيا حاليا، قال: "لقد انخفض سن تعاطي المخدرات حتى وصل إلى مستوى تلاميذ المرحلة الابتدائية"، مردفا: "الانحلال الأخلاقي يعيش عصره الذهبي، لكن لا حياة لمن تنادي".
وتابع: "لقد بلغت فضائح قضايا الفساد عنان السماء، فقد قاموا بإحراق كل مكاسب البلاد للتغطية على هذه الفضائح"، على حد قوله.
لن أغادر إلى مصر
وحول احتمالات قدومه إلى مصر، حال اقتضى الأمر مغادرته للولايات المتحدة، قال: "بعض المثقفين والشخصيات العامة في مصر تصرفوا بما يعبر عن شهامتهم ونبلهم، ولا أحسب أن تداول مثل هذه الموضوعات في المنابر الإعلامية والسياسية يتم بمنأى عن القائمين على تدبير الشأن في البلاد، لذلك أنتهز الفرصة، وأقدم شكري لكل من تعاطفوا مع العبد الضعيف من صميم قلبي".
وشدد على أن "كل بادرة تهدف إلى إنصاف مظلوم أو تبرئة مفترى عليه ودعمه؛ عمل يستحق الإشادة والتقدير، وقد اتخذت مصر موقفا من هذا القبيل حين وقفت حائلا ضد استغلال تركيا لمنظمة التعاون الإسلامي في محاولاتها لإدراج "الخدمة" ضمن الكيانات الإرهابية، فهذه الوقفة الحازمة من مصر ذات الثقل في المجتمع الدولي لا يمكن أن تنسى، بل هي جميل لن أنساه ما حييت"، حسبما قال.
وأردف: "لا أريد أن تسوء العلاقات بين مصر وتركيا، وتنقطع.. لا أريد أن أكون سببا يجر مصر إلى مشكلات بينها وبين تركيا، فمع شكري وامتناني العميق لهذه اللفتة الكريمة أفضل البقاء هنا حاليا، ولن أغادر إلى أي مكان آخر إلا إلى تركيا".
لجنة دولية للتحقيق في الانقلاب
وعن الانقلاب الفاشل الذي تعرضت له تركيا جدَّد غولن دعوته السابقة إلى "تشكيل لجنة دولية من قبل أطراف محايدة، تقوم بالتحقيق في محاولة الانقلاب المشؤوم هذا، فإذا أثبتت الأدلة كما يدعون أنني المخطط أو الموجه لهذا الانقلاب، أو لي أدني صلة به، فلن أنتظر ساعتها قرار الولايات المتحدة، وسأحجز تذكرتي إلى تركيا على حسابي الشخصي، وأسلم نفسي للعدالة هناك ليبتوا في شأني بما يشاءون"، وفق قوله.
تم تدجين المعارضة التركية بالكامل
وردا على سبب عدم تلقيه دعما من المعارضة السياسية في تركيا، انتقد غولن تلك المعارضة. وقال: "هناك إشكال في تركيا هو غياب المعارضة السياسية الحقيقية، لا توجد معارضة قوية وجادة في تركيا.. لقد تم تدجين المعارضة بالكامل".
وأضاف: "من قبل كان كل من حزبي الطريق القويم، والوطن الأم، يشكلان الأغلبية، لكن بعد تداعي هذه الأحزاب من الداخل، وغياب تأثيرها.. أقبلت جماهير الشعب على دعم الحزب الحاكم حاليا، ومن ثم بدأت شوكته تزداد يوما بعد يوم، هذا في ظل غياب حقيقي لأحزاب المعارضة، هذه هي إحدى كبرى مشكلات تركيا حاليا"، على حد وصفه.
"علي جمعة" هو رئيس مدارسنا بمصر
وحول علاقته بالمفتي السابق لمصر، أحد عرابي الانقلاب العسكري، علي جمعة، كشف غولن أن جمعة هو رئيس مجلس أمناء المدارس التابعة لحركة "الخدمة"، منذ تأسيسها في مصر.
وأثنى عليه بالقول: "أعتبره - إن قبل - أخا وفيا وصديقا عزيزا"، واعتبر أنه "عالم كبير له وزنه بين علماء الأمة الإسلامية".
وشرح حقيقة العلاقة معه فقال: "تعرف عليه إخواننا، وتشرفنا بدعوته إلى تركيا في المؤتمرات التي كانت تعقدها مجلة حراء الناطقة بالعربية بالتعاون مع شقيقتها مجلة "يني أوميت" التركية، وقد كان حضوره العلمي والرسمي مثريا لهذه المؤتمرات، لما يتمتع به من سعة أفق وإطلاع، وإلمام بما يجري في العالم من أحداث، وقدرته على قراءتها بشكل صحيح، وتنزيل النصوص الدينية على الواقع بما يلائم العصر".
وأردف: "هذا فضلا عن نبل أخلاقه وشهامته التي تليق بأمثاله من العلماء، فقد اعتبر المدارس التي فتحت في مصر قيمة مضافة في مجال التربية والتعليم في مصر، ودعا إلى الإكثار منها، ومن ثم أشاد بها دائما، ووقف إلى جانبها في كل أزمة، وحسب علمي فهو رئيس مجلس أمناء هذه المدارس منذ تأسيسها في مصر.. لذلك فإنني أعتبره إن قبل أخا وفيا وصديقا عزيزا"، بحسب تعبيره.
وأوضح غولن أن عدد المدارس التابعة له في مصر هو ثلاثة مدارس، بالتجمع الخامس في القاهرة والإسكندرية وبني سويف، وجميعها تدرس جميع المراحل التعليمية، وبها 250 معلما تقريبا، و3 آلاف طالب، وقد بدأنا العمل بها منذ عام 2009، حسبما قال.
كيف تم الحوار؟
ويذكر أن الصحفية التي أجرت الحوار، أسماء الحسيني، هي رئيسة قسم "الشؤون العربية" بجريدة "الأهرام".
وعن كيفية إتمامها الحوار قالت إنه تم بمعاونة ثلاثة من تلاميذ فتح الله غولن موجودين بالقاهرة، هم الدكتور نوزان حواش، والصحفيان تورغوت أوغلو، وإسحاق إنجي، مشيرة إلى أنه تم إرسال أسئلة "الأهرام العربي"، عبر البريد الإلكتروني، بعد أن قاموا بترجمتها إلى التركية، تم ترجمة الإجابات من التركية للعربية.