شهدت انتخابات
البرلمان الأردني التي جرت في العشرين من أيلول/ سبتمبر الجاري، إقبالا ضعيفا على المشاركة من الذين يحق لهم الانتخاب، وعددهم أربعة ملايين و130 ألف ناخب، في حين شارك فقط ما يقرب من مليون ونصف المليون ناخب فقط، ما نسبته 37 في المئة.
وكانت القراءة الأبرز التي يمكن الخروج بها في الانتخابات، هي أن المدن الكبرى، مثل عمان والزرقاء وإربد، شهدت تدنيا لافتا في نسب التصويت، لم تتجاوز نسبة المقترعين فيها أكثر من 23 في المئة، وهي النسبة الأدنى على مستوى المملكة.
وتظهر هذه النسبة الضعيفة في الإقبال بشكل واضح في العاصمة عمّان، خاصة في الدائرة الأكثر سخونة في تاريخ الانتخابات في الأردن، وهي الدائرة الثالثة، التي اعتادت الصحافة الأردنية أن تصفها بـ"دائرة الحيتان". فقد كانت الدائرة الثالثة هي الأدنى من حيث نسب التصويت، ولم تتجاوز الـ18 في المئة فقط.
وتتعدد الأسباب بحسب ما رصدته "
عربي21" من خلال تعليقات النشطاء السياسيين الأردنيين، ومن أهم ما تداولوه وصفهم قانون الانتخاب الجديد، وهو قانون القائمة النسبية، بأنه "مشوّه"، موضحين أنه لا يرقى لطموح الشعب الأردني، ولا يعبر عن إرادته.
وفي ما يأتي أبرز الأسباب التي تداولها الناشطون المعارضون للانتخاب:
- عدم ضمان نزاهة الانتخابات. - عدم وجود وعود حقيقية بالتغيير بعد الوصول للقبة.
- مجلس صلاحياته مقيدة. - المال السياسي.
- مرشحو الحشوات. - مطالب بإلغاء مجلس الأعيان.
إحباط الشباب من التغيير. - أداء المجالس البرلمانية السابقة.
- تغول السلطة التنفيذية على البرلمان.
- عدم قدرة المغتربين على التصويت إذ يبلغ عددهم ما يقرب من مليون ناخب.
- عدم إعطاء وعود رسمية بعدم فض المجلس والحفاظ على إرادة الشعب من خلال الصندوق.
- استقواء الدولة على خصومها السياسيين ودفعهم دفعا للمشاركة بعد إغلاق مقارهم ومكاتبهم.
ووقوفا على هذه الأسباب، قال الناشط السياسي الأردني، سلطان العجلوني، لـ"
عربي21"، إن الشعب الأردني يئس من جدية النظام الأردني في الإصلاح، إذ شهدت المملكة برلمانات هزيلة خلال الربع قرن الماضي، وتعب الناس من المشاركة إثر القفز على خياراتها، من خلال تزوير الانتخابات، ووجود قانون انتخابي لا يعبر عن إرادتهم.
وحمّل العجلوني النظام الأردني وأجهزته مسؤولية عزوف الناس عن المشاركة السياسية، والإحباط الذي أصاب الشعب الأردني.
اقرأ أيضا: مرشح لـ"عربي21": التزوير وإحباط الشباب يقوضان انتخابات الأردن
ولفت إلى أنه رغم مشاركة المكون الأكثر شعبية في الانتخابات، وهو الحركة الإسلامية، فإن نسبة الإقبال بقيت قليلة جدا، وهذا يعكس ما وصلت إليه الحال لدى الشعب الأردني، من عدم ثقة في التغيير، وعدم امتلاك مجلس البرلمان الصلاحيات الحقيقية لإحداثه.
وأشار إلى أن ذلك دفع بنشطاء إلى أن يطلقوا مبادرات منظمة للحض على
مقاطعة الانتخابات، أبرزها الهئية الوطنية لمقاطعة الانتخابات، التي شهدت اعتقال عدد من القائمين عليها.
وكانت هذه الهيئة نظّمت لقاءات وفعاليات جماهيرية شارك فيه العشرات من الناشطين السياسيين والحزبيين والحراكيّين من مختلف محافظات المملكة.
ورغم أن عدد المقترعين في الانتخابات كان مرتفعا مقارنة بسابقتها، حيث ارتفع عدد المقترعين في الانتخابات الأخيرة عن اقتراع عام 2013 بمقدار 350 ألف ناخب، فإن النسبة العامة للمشاركة بالمجمل منخفضة.
وتثير هذه النسب من الإقبال الضعيف التساؤلات حول أسباب عزوف غالبية الشعب الأردني عن المشاركة، فمن المفارقات أن العاصمة عمّان وحدها تضم مليونا ونصف المليون ممن يحق لهم الانتخاب، وهو عدد المقترعين ذاته حول المملكة.
مجلس برلماني مقيّد الصلاحيات
من جانبه، قال الكاتب الأردني الساخر المعروف، أحمد حسن الزعبي، في حديثه لـ"
عربي21"، إنه منذ عام 1989 لم تجر انتخابات نزيهة في الأردن دون تدخل من الدولة، حيث ظهرت مجالس برلمانية تعاني من عدم استقلالية في اتخاذ القرارات، وبتدخل كامل من أجهزة المخابرات التي تملي عليه قراراته، وهو الأمر الذي أدى إلى إحباط الناس من حدوث أي تغيير.
وأوضح أن القانون الحالي للانتخابات أسوأ من سابقه، فمنذ أوائل التسعينيات لم تشهد الانتخابات العمل بقانون يعكس إرادة الشعب الأردني، فكان "قانون الصوت الواحد" أسوأ قانون انتخابي شهده الأردن قبل هذه الانتخابات.
وأكد أن المجلسين السابقين كانا أسوأ المجالس التي شهدها الأردن، فقد قاما بتمرير قرارات كثيرة تمس المواطن الأردني بشكل مباشر، واصفا أعضاء مجلس البرلمان السادس عشر والسابع عشر بأنهم كانوا عبارة عن "موظفين صغار لدى الدولة والحكومة"، وفق تعبيره.
ولفت الزعبي إلى أنه شخصيا كان من بين المقاطعين للانتخابات، موضحا أنه لا يرى أي جدوى في المشاركة، واعتبر أن المقاطعة السياسية إلى جانب عزوف غالبية الشعب الأردني عن المشاركة "مظهر إيجابي، يعد رسالة إلى صناع القرار في الأردن، للدفع نحو إيجاد قانون انتخاب عصري يلبي طموحهم، ودعوة إلى إطلاق يد البرلمان الأردني ليمارس دوره الرقابي على السلطة التنفيذية، وتشريع القوانين بكل حرية".
وقال إن "الجميع اليوم يتحمل مسؤولية ما وصلت إليه الحال السياسية اليوم، لتكون الغالبية في الأردن غير مهتمة بالمشاركة السياسية".
وطالب الزعبي صناع القرار في الدولة بالتفكير مليا كيف يستطيع أن يدفعوا المواطنين للمشاركة، ووقف هدر الوقت وذلك يستدعي مراجعة لقانون الانتخاب وصلاحيات مجلس البرلمان، ووقف المال السياسي والتزوير، ويستدعي كذلك البدء بالتحضير للانتخابات القادمة.
وأشار إلى أن الحال اليوم وصلت إلى أن يترحم الأردنيون على مجالس قديمة مثل برلمان عام 1989، "فنحن اليوم لا نرى برلمانات قادرة على إسقاط حكومة".
وعن عدم وجود أي قوى سياسية دفعت نحو المشاركة، إذ إن الإسلاميين الذين قاطعوا الانتخابات السابقة أعلنوا مشاركتهم وحصول تحالفهم على 15 مقعدا، فقد قال الزعبي إن الساحة السياسية تفتقد حراكا شعبيا سياسيا حقيقيا يدفع نحو التغيير.
وختم بالقول: "لو كان لدينا حراك سياسي لما وصلنا إلى هذه الحال اليوم".
اقرأ أيضا: "النواب الأردني".. خليط البزنس والعشائر بنكهة إسلامية
يشار إلى أن الهيئة المستقلة للانتخاب قامت يوم الاقتراع بتمديد فترة الانتخابات ساعة، وذلك لزيادة نسبة المشاركة.
وكانت الحركة الإسلامية في الأردن قاطعت
الانتخابات البرلمانية السابقة، إلا أنها أعلنت في الانتخابات الأخيرة مشاركتها، وذلك بسبب مشاكل داخلية وضغوطات الدولة عليها، ووجود أزمة على صعيد القيادة.
اقرأ أيضا: تحالف إسلاميي الأردن يحصد 15 مقعدا في البرلمان
وشارك حزب العمل الإسلامي، الذراع السياسية لإخوان الأردن، من خلال قيادته تحالفا واسعا في الانتخابات تكلل بفوز 15 مرشحا، ليكون بذلك قد رفع نسبة المشاركة في الانتخاب 10.10%، إذ إنه حصل على 151,787 صوت ناخب من أصل 1,492,400 ناخب شاركوا في الانتخابات.