حذر خبراء مصرفيون من عدم التعامل بحرص وحذر مع اتفاق تبادل المعلومات المالية، حيث يشكل ذلك تهديدا لأموال وودائع المغتربين في
لبنان.
ويحمل اتفاق التبادل التلقائي للمعلومات المالية العالمي في طياته، إشكاليات تمس مباشرة السرية المصرفية التي شكلت ولا تزال أساسا للقطاع المصرفي في لبنان لاستقطاب الودائع، وسيكون المتضرر الثاني المغترب اللبناني.
وقال الأمين العام لجمعية مصارف لبنان، مكرم صادر، وفقا لصحيفة "الحياة"، إن تبادل المعلومات الضريبية الذي اعتمدته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يطال المغتربين في لبنان بأذى كبير، في حال عدم اتخاذ التدابير اللازمة التي تحصنه، هذا الاغتراب الذي يشكل مكونا مهما من بنية الاقتصاد اللبناني الاجتماعية والاقتصادية.
وإذا كانت آليات الاتفاق تفرض رفع السرية المصرفية عن الودائع، أوضح صادر أنه بغض النظر عن آليات التبادل الضريبي التي لم تتضح بعد وفيما خص اللبنانيين، سيترتب على انضمام لبنان إلى هذه المعاهدة الدولية، أن يفصح للدول الأخرى عن قيمة توظيفات غير المقيمين من رعايا هذه الدول الأخرى لديه، ومداخيلهم وعائداتهم.
هيئة تحقيق خاصة
ويعني ذلك رفع السرية المصرفية من خلال هيئة التحقيق الخاصة، بحيث نتمكن من إعطاء المعلومات عن ودائع غير المقيمين لدى
المصارف في لبنان، ونوع العملات والفوائد عليها لدول إقامتهم.
وفي المقابل، ستوفر الدول الأخرى للسلطات اللبنانية المعلومات عن ودائع أموال اللبنانيين المقيمين في لبنان والموظفة في الخارج وتوظيفاتهم وعائداتهم، فتتمكن عندها السلطات المختصة في لبنان من استيفاء الضرائب على هذه الموارد. واعتبر أنه لا مشكلة في التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية في الظاهر، لكن في الحقيقة يطرح لنا وعلينا مجموعة من الإشكاليات المؤذية للبنان.
رفع السرية
وتكمن أولى هذه الإشكاليات في رفع السرية على سبيل المثال عن ودائع المغتربين في لبنان وإعطائها لدول الانتشار اللبناني من كندا إلى أستراليا ومن أفريقيا وأوروبا إلى أمريكا اللاتينية، ما قد يعرض العاملين والمقيمين في هذه الدول لشتى أنواع الملاحقة، وصولا ربما إلى سجنهم بجرم التهرب الضريبي، لعدم الإفصاح المالي الكامل إلى سلطات هذه الدول.
وأشار إلى أن الإشكالية الثانية تتمثل باحتمال أن يقرر اللبنانيون في دنيا الاغتراب سحب أموالهم من لبنان بحجة عدم تمتعه بالسرية المصرفية التي اجتذبتها أساسا. كما تنتفي الفائدة من الإيداع في لبنان، إذ تصبح مدخراتهم مجددا عرضة للتكليف الضريبي في بلدان إقامتهم أو عملهم. ولم يغفل أن معظم
الأموال المحولة إلى لبنان خضعت في بلدان تحققها إلى الضريبة على الأجور أو الأرباح أو الشركات، فلماذا نعرضها للتكليف مرة ثانية؟
ابتزاز سياسي
وعن الإشكالية الثالثة، أوضح أن إعطاء الدول الأخرى معلومات للسلطات في لبنان عن الأصول والمداخيل المالية للبنانيين المقيمين في لبنان، سيؤدي ربما إلى ابتزاز سياسي ومالي كبير في بلد يفتقر إلى الحد الأدنى من الأمان ومن احترام القانون ومن سلطة الدولة.
وتكمن الإشكالية الرابعة في احتمال تعرض هذه المدخرات الموظفة في الخارج إلى عمليات الاحتيال والقرصنة، إذا سربت المعلومات المعطاة للبنان في شأنها، لأنها ستتضمن إضافة إلى المبالغ ومردودها، الأسماء الكاملة لأصحابها بما فيه تاريخ الولادة والأرقام الكاملة للحسابات وأرصدة الحسابات، ما يسهل على شبكات القرصنة العالمية اختراقها والتلاعب بها. ورأى أن ما ينطبق على الأصول المالية للأفراد ينسحب بالكامل على حسابات الشركات اللبنانية العاملة في الخارج وأصولها.
ثلاثة إجراءات
إزاء هذه الأخطار كيف يمكن لبنان التعامل مع هذه المعاهدة؟ طرح صادر ثلاثة إجراءات في مقدمها انضمام لبنان إليها إذ لا مفر من ذلك، مشيرا إلى أن مهلة الانضمام تنتهي في 26 من الشهر الجاري. وقال: "كما علمنا طرح وزير المال علي حسن خليل الموضوع على جدول أعمال مجلس الوزراء. لكن لو أقرته الحكومة، ستحتاج المصادقة على الانضمام إلى قانون يقره المجلس النيابي، على أن يتضمن تعديلات جذرية لقانون تبادل المعلومات الضريبية الرقم 43 الذي أُقر نهاية عام 2015، ووجدته المنظمة الدولية غير ملائم".
وذكر صادر بأن مصرف لبنان المركزي "بادر إلى إصدار التعميم الأساس الرقم 138 في الخامس من آب/أغسطس الماضي، الذي يوجب على المصارف اتخاذ الإجراءات لتزويد هيئة التحقيق الخاصة، بالمعلومات التي قد تطلبها السلطات الأجنبية، فيكون المركزي وضع اللبنة الأولى لالتزام القطاع المصرفي في لبنان".
إقرار تشريعي
وشدد على أن المستوى الثاني للتعامل يكمن في وجوب إقرار المجلس النيابي تشريعا إما ضمن التعديلات المطلوب إدخالها على القانون 43، أو بقانون منفصل ومستقل، لأن المهم أن يصبح لدينا تشريع ينص صراحة على إعفاء مداخيل اللبنانيّين في الخارج من الضريبة.
وتابع: "يكون ذلك بإلغاء نص المادة 69 من المرسوم الاشتراعي الرقم 144/1959 (قانون ضريبة الدخل)، علما أن هذه المادة تخضع للضريبة إيرادات رؤوس الأموال الحاصلة في الـخارج متـى عادت إلى مقيم في لبنان".
والمستوى الثالث للتعامل مع التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية، يكون في توفير الحد الأقصى من الحماية للمعلومات موضوع التبادل. وأعلن أن منظمة التعاون لم ترد حتى الآن في شكل كامل أو مقنع على مسألة حماية المعلومات.
توطين مركز التبادل
وقد يكون مفيدا التفكير في بعض جوانب الحماية لدينا، كأن نوطن مركز التبادل (الموقع الإلكتروني) في مصرف لبنان حيث وطنت المصارف في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، نقطة تبادل المعلومات المالية من خلال شبكة سويفت العالمية، ما يعني جعل مصرف لبنان المركزي بموافقة وزارة المال، مسؤولا عن إدارة عملية التبادل.
والمستوى الآخر من الحماية، وفق ما أكد يتوافر باعتماد النموذج السويسري في الانضمام إلى الاتفاق، وقد تضمن من جهة، عدم تبادل المعلومات إلا مع الدول التي وقعت معها سويسرا اتفاقات ثنائية، فنتأكد عندها من حماية أكبر للمعلومات. كما يضمن من جهة ثانية، عدم إعطاء معلومات عن مواطنيها للدول الأجنبية.